الأزمة الأوكرانية تدفع معاناة الأفغان إلى الهامش
بالنسبة لنساء أفغانستان، لا يوجد لهن أي سبيل للغوث يلوح في الأفق، إلى أن تسدل الأزمة الأوكرانية أستارها، ويعاد تسليط الضوء من جديد على ورطتهن

ترجمات - السياق
قال سواران سينغ، أستاذ الدبلوماسية ونزع السلاح في كلية الدراسات الدولية بجامعة جواهر لال نهرو الهندية، إن أزمة أوكرانيا تسببت في حجب الضوء عن ورطة الشعب الأفغاني تحت قيادة طالبان.
وأضاف سواران في مقال بصحيفة آسيا تايمز، أن الأيام الماضية شهدت حظر إمارة أفغانستان الإسلامية (طالبان) إصدار رخص قيادة سيارات إلى الإناث.
وقبل ذلك، في مارس الماضي، فرض النظام حظرًا على التحاق الإناث بالمدارس الثانوية، بينما يستمر تراجع طالبان عن تعهدات المساواة بين الرجال والنساء.
ولا تزال وسائل الإعلام تواصل تقاريرها بشأن منع طالبان النساء من تقلد معظم الوظائف، وتقييد حرية الحركة وإغلاق وزارة شؤون المرأة، وتلجيم أفواه الصحفيات.
وفي ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، أثبتت نسخة طالبان 2022 أنها لا تختلف البتة عما كانت عليه بين عامي 1996 و2001.
وبالفعل، شهدت الشهور التسعة الأخيرة من حكم طالبان عودة لا رجعة فيها، عما تتباهى به السلطات الغربية، التي تزعم أنها حققت إنجازات رائدة في أفغانستان، بشأن المساواة بين الجنسين على مدى 20 عامًا في الدولة الآسيوية.
ويبدو أن طالبان لا يمكن إيقافها، رغم اللوم والعقوبات الغربية المفروضة على قياداتها.
وخلال الشهرين الماضيين تحديدًا، أدى انشغال العالم بالأزمة الأوكرانية إلى دفع معاناة الأفغان المستمرة إلى الظل.
ويثير ذلك تساؤلات خطيرة عن الاستراتيجيات الغربية في مرحلة ما بعد الخروج من أفغانستان، للخلاص من هذه الكارثة.
شقاق إسلامي
في حقيقة الأمر، ليست الدول الغربية فحسب، التي تزعم شعورها بالمفاجأة من إدارة طالبان ظهرها للوعود التي قطعتها على نفسها، في طريقها للاستيلاء على السلطة، إذ أن إجراءاتها القاسية المناوئة للمرأة تختلف بدرجة مماثلة عن الكثير من الأرجاء العربية.
ومع ذلك، رغم مذهبهم الشهير بشأن "الأخوة الإسلامية"، فإن العالم الإسلامي لا يزال في موقف المتفرج.
ومن بين ممولي ومرشدي حركة طالبان، الذين اختبرهم الزمن يظهر اسم المملكة العربية السعودية، التي وصفت هيمنة طالبان على سدة الحكم في أغسطس الماضي بأنها "خطوة في الطريق الصحيح"، لكنها لا تزال تواصل رد فعل صامتًا، في ما يتعلق بإرسال مساعدات إنسانية، والعمل مع الأطراف المعنية الإقليمية، مثل باكستان ومنظمة التعاون الإسلامي.
وأثناء الفترة الماضية لطالبان في الحكم من 1996 إلى 2001، كانت السعودية واحدة من ثلاث دول اعترفت رسميًا بحكومة طالبان في أفغانستان بجانب الإمارات العربية المتحدة وجمهورية باكستان الإسلامية.
ولكن هذه المرة، لم تعترف أي من هذه البلدان بنظام طالبان، وكذلك لم تعترف أي دولة ذات سيادة بإمارة طالبان الإسلامية في أفغانستان.
مسافة من طالبان
وشهدت السعودية بعد تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد، تحولًا هائًلا في السياسات التي تسمح لمواطنيها بحرية الوصول إلى التكنولوجيات والتسلية والترفيه، بما في ذلك السماح للمرأة بقيادة السيارات وحرية الحركة.
ولكن نظرًا لعلاقاتهما الوطيدة بالولايات المتحدة التي أجبرتها طالبان على الخروج من أفغانستان، ظلت الإمارات العربية المتحدة والسعودية على مسافة من نظام طالبان.
وفي الأثناء، تتضمن التأثيرات العديدة للأزمة الأوكرانية الراهنة، ابتعاد الأضواء العالمية عن أفغانستان، مع ترك الحشود التعسة تواجه مصيرها.
وبشكل ما، تمنح أزمة أوكرانيا ذريعة لكل من الغرب، الذي ظل مسيطرًا على أفغانستان عقدين، ومعظم العالم الإسلامي، الذي يتباهى بمذهب الإخاء الإسلامي، للنأي بأنفسهم عما يحدث للشعب الأفغاني، لا سيما النساء والأطفال.
ذرائع غربية
توقفت أغلبية القوى الغربية، التي دانت لها السيطرة على أفغانستان ودعمت حكومتي حامد كرزاي وأشرف غني، عن مجرد الشعور بالانزعاج تجاه ما يحدث للمخلصين لها في الدولة الآسيوية.
وتلقى أعداد كبيرة من هؤلاء الأفغان وعودًا غربية بالإجلاء، منذ أن أصبحوا فريسة سهلة للتسامح الذي تمارسه طالبان عادة ضد الموظفين المحليين السابقين وأعضاء البعثات الأجنبية، أمثال حراس الأمن والمترجمين العسكريين السابقين.
وفي الأثناء، فإن أغلبية السفارات الأفغانية تعاني الخلل الوظيفي بسبب نقص التمويل، ما يؤدي إلى تدمير الخدمة الدبلوماسية التي تم بُنيت خلال العقدين الماضيين.
ويعني ذلك أيضًا انهيارًا في اتصالات طالبان بتلك البلدان، إضافة إلى ترك المواطنين الأفغان، الذين يعيشون في هذه الدول بلا خدمات قنصلية.
وبعد أن خسروا أفغانستان لصالح طالبان، حاولت الدول الغربية نقل العبء إلى الدول الجارة، التي سوف تضحى أهدافًا فورية لعدم الاستقرار في أفغانستان.
وتزعم إمارة أفغانستان الإسلامية أن لديها 45 سفارة و20 قنصلية معظمها في آسيا وأوروبا، تعمل تحت قيادة طالبان، أو بما يتماشى مع سياساتها.
وفي الحقيقة، فإن هناك 4 دول مجاورة، تضم الصين وباكستان وروسيا وتركمانستان، اعتمدت مؤخرًا دبلوماسيين عينتهم طالبان، رغم أن هذه البلدان لم تعترف رسميًا بالنظام الأفغاني.
خطوة عميقة
في خضم الأزمة الأوكرانية، سلمت روسيا السفارة الأفغانية إلى جمال جرول، الذي عينته طالبان في منصب القائم بالأعمال الجديد لدى موسكو.
وبالمثل، في 30 نوفمبر 2021، استأنفت السفارة السعودية في كابل عملها في "خطوة عميقة" وجدت ترحيبًا حارًا من حكومة طالبان المؤقتة.
بيد أن كل هذه الأمور لم تجلب الكثير من الراحة للشعب الأفغاني. وأثارت تقارير صدرت حديثًا تساؤلات عن التوزيع غير الفعال وغير الكامل للمساعدات الخارجية، وكيف تسبب العقوبات صعوبات للمانحين الذين يحاولون الوفاء بوعودهم.
وعلاوة على ذلك، فإنها تثير تساؤلات عن كيف فشل المجتمع الدولي في استخدام نفوذ المساعدات، لضمان تحلي قيادات طالبان بسلوكيات جيدة.
وكما تشير الدراسات، فإن النساء في أي صراع لسن فقط آخر من يحصلن على المساعدات، لكنهن الأكثر عرضة للتمييز والعنف.
الأمر ينطبق على العنف في أفغانستان، ورغم مزاعم طالبان بأنها محت داعش، لا تزال التفجيرات مستمرة في أرجاء الدولة، حيث تضرب مدنيين أبرياء ومدارس.
وحتى منظمة التعاون الإسلامي، التي عقدت جلستي استماع بشأن طالبان في إسلام آباد، وأنشأت صندوق إغاثة، عبرت فقط عن مخاوف صامتة من استمرار التفجيرات داخل أفغانستان، وعن توقعاتها بأن "تتخذ طالبان موقفًا حازمًا تجاه كل من يرعى أو ينسق هذه الهجمات".
إنذار بالخطر
رغم القليل من الشك في قدرة قيادة طالبان على إظهار قيادة مركزية قوية، والتحكم في إبعاد القوات الأجنبية، والاستمرار في قيادة أفغانستان على مستوى الدولة، فإن تقارير تنذر بالخطر أيضًا تشير إلى خلافات داخلية في الحركة.
وحتى باكستان، التي تعد المحسن الأقوى للحركة، حذرت طالبان من إمكانية توجيه ضربات وقائية داخل أفغانستان، لتدمير ما وصفتها بـ" الملاذات الآمنة" لكوادر حركة طالبان في باكستان ومخابئ مسلحي البلوش.
وبالنسبة لنساء أفغانستان، لا يوجد لهن أي سبيل للغوث يلوح في الأفق، إلى أن تسدل الأزمة الأوكرانية أستارها، ويعاد تسليط الضوء من جديد على ورطتهن.