إخوان ألمانيا على مأدبة الحصار... لماذا تهادن برلين التنظيم رغم التحذيرات؟
قال باسل ترجمان، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية في تصريحات لـ السياق، إن ألمانيا تجني ثمار سياساتها الخاطئة، التي تمثلت في احتضانها -خلال عقدي السبعينات والثمانينات- لجماعة الإخوان الإرهابية.

السياق
نشاط إخواني مكثف، اتخذ من بلدان العالم الأول موطنًا لانطلاق تحركاته الهادفة لاختراق النخبة السياسية في تلك البلاد، ما دق ناقوس الخطر من الأنشطة السرية لتنظيمات الإسلام السياسي في أوروبا، وسط مطالبات بضرورة مراقبتها.
القارة العجوز، التي كانت على مدى أعوام حاضنة لجماعات الإسلام السياسي، وأبرزها تنظيم الإخوان، تكتوي بنار سياساتها التي أثبتت التجربة خطأها، خاصة بعد تعرض بريطانيا (قبل خروجها من الاتحاد الأروبي) لعشرات العمليات الإرهابية ممن احتضنتهم وفتحت لهم أراضيها.
الأمر نفسه تكرر مع ألمانيا، التي كانت أحد محاضن الإخوان، وقاعدة لجماعات التنظيم في المنطقة، إلا أنها -هي الأخرى- تتعرض لتهديدات وجودية، ومخاطر لانتقال صراع جبهتي الإخوان (لندن واسطنبول) على أراضيها.
فتقرير للاستخبارات الداخلية في ولاية شمال الراين ويستفاليا (أكبر ولاية في ألمانيا)، حذر من ارتفاع عدد قيادات جماعة الإخوان فيها، وأن الولايات باتت معقلًا لتنظيمات عدة تنشط في أوساط الإسلام السياسي، خاصة الجالية المسلمة الألمانية (المنظمة المظلية للإخوان).
نظام متطرف
التقرير الذي أشار إلى محاولات تنظيم الإخوان لاختراق النخبة السياسية في البلد الأوربي، حذر من سعي جماعة الإخوان للسيطرة على نظام الحكم، وتحويله إلى نظام ديني متطرف.
مخاوف أمنية من خطر إخواني، يتردد صداه في بلدان العالم الأول، بعد أن كانت تصدره إلى الشرق الأوسط، إلا أن ألمانيا بدأت تتخذ خطوات لتحييد تلك التنظيمات، فالبرلمان الألماني يناقش مشروعي قرارين لمواجهة تنظيمات الإسلام السياسي، خاصة الإخوان، أحد الأعضاء المؤسسين لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.
سياسات خاطئة
بدوره، قال باسل ترجمان، الخبير التونسي في شؤون الجماعات الإرهابية في تصريحات لـ«السياق»، إن ألمانيا تجني ثمار سياساتها «الخاطئة»، التي تمثلت في احتضانها -خلال عقدي السبعينات والثمانينات- لجماعة الإخوان الإرهابية من سوريا.
وأوضح الخبير التونسي، أن برلين وفرت لتنظيم الإخوان الحماية والتأمين، ما جعل من الأراضي الألمانية مقرًا لأعضائه الفارين، وقاعدة ارتكاز له خلال الأزمات التي افتعلها مع النظام السوري في تلك الفترة.
ألمانيا على خطى لندن
وأشار إلى أن تقرير الاستخبارات الألمانية، يعكس نذرًا يسيرًا من حقيقة وجود تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية في الأراضي الألمانية، إلا أنه قال إنه ليس بجديد لكنه يعود لعشرات السنين، خاصة بعد أن باتت ألمانيا الغربية أحد محاضن الإخوان على شاكلة لندن.
وأكد الخبير التونسي في شؤون الجماعات الإرهابية، أن المخاوف الألمانية بدأت تظهر بعد تفتت تنظيم الإخوان في مصر، والخلافات التي ضربته خاصة فرعي لندن واسطنبول، ما أصبح يمثل أزمة، لأن هذا التنظيم الإرهابي -حسب ثقافته- قادر على الذهاب إلى ما بعد الخلاف السياسي والأيديولوجي، إلى ارتكاب الجرائم.
وأشار الخبير التونسي إلى سياسة خاطئة اتبعتها أوروبا، خاصة ألمانيا وبريطانيا، بعدما عدَّت نفسها حاضنة لضمان تأمينها من أي أحداث، قد تشكل تهديدا لأمنها واستقرارها، إلا أن التجربة أثبتت عكس ذلك، ما أدى إلى تعرض لندن لعشرات العمليات الإرهابية ممن احتضنتهم.
اختراق المجتمع
حسام حسن الباحث في جامعة فيينا وافق ترجمان، مؤكدًا في تصريحات لـ«السياق»، أن التقرير تحدث عن زيادة واضحة في قيادات الإخوان في ولاية شمال الراين ويستفاليا، مؤكدًا أن تلك الزيادة في الولاية التي تعد معقلًا لتنظيمات عدة تنشط في أوساط الإسلام السياسي، تعكس رغبة الجماعة الإرهابية في تكثيف نشاطها بألمانيا، سواء في ما يتعلق بحملات جمع التمويل في الأراضي الألمانية، أم ممارسة النفوذ على الجالية المسلمة الكبيرة في البلاد، واختراق النخبة السياسية أيضًا.
وأكد الباحث في جامعة فيينا، أن التقرير وضع يده على نقطة بالغة الأهمية، وهي زيادة نشاط الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعي العام الماضي، عبر صفحات ناطقة بالألمانية، بهدف التأثير في الأقلية المسلمة، وفي المجتمع الألماني.
قصور أمني
ويرى حسام حسن، أن التقرير يعكس ما وصفه بـ«قصور» الاستخبارات الداخلية الألمانية، في جمع المعلومات الضرورية عن الإخوان، ووضع اليد على أنماط عمل وهياكل الجماعة في ألمانيا، لافتقارها لمن يجيدون الألمانية والعربية، ويستطيعون رصد هذه الهياكل والأنماط من الداخل.
وأكد أن هيئة حماية الدستور لا تزال عاجزة عن رصد الأنشطة السرية لمنظمات الإخوان، وما يربط بينها، وأنماط تحركها وتفاعلها، وطريقة تعاملها وتواصلها مع التنظيم الدولي، مشيرًا إلى أن الهيئة غير قادرة على رصد عمليات تنشئة الجماعة للأطفال والمراهقين في دور رعاية الأطفال والمساجد والدروس التي تنظمها، وما يرتبط بها من غرس أفكار متطرفة في هذه الفئات.
الإرادة السياسية
وأكد الباحث في جامعة فيينا، أن غياب الإرادة السياسية القوية لمكافحة الإخوان بشكل كفء وفعال في الأحزاب المشكلة للحكومة الألمانية، يعيق الاستفادة من جهود الاستخبارات الداخلية في رصد الإخوان، حتى وإن كان الأداء يشوبه بعض القصور.
وأرجع حسن غياب الإرادة السياسية إلى أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر يتخوفان من خسارة أصوات المسلمين، إذا شنوا حملات قوية لمكافحة الإخوان، إلا أنه قال إنه مبرر غير منطقي ويزيل الحد الفاصل بين الجماعات الإسلاموية والمسلمين.
وأكد أن الضغط المتواصل الذي تمارسه المعارضة، خاصة الاتحاد المسيحي، وآخره تقديم مشروعي قرارين لمكافحة تمويل الإسلام السياسي، يمكن أن يلعب دورًا في فرض هذا الملف على أولويات الأجندة البرلمانية، وتحريك خطوات مسار المكافحة الفترة المقبلة، مثل تقوية لجنة خبراء الإسلام السياسي في وزارة الداخلية، ووقف بعض برامج التمويل الحكومية لمنظمات مرتبطة بالإخوان، وإنشاء برامج دراسة التيار الإسلاموي في جامعات ألمانية.
مجتمع مواز
من جانبه، قال عمرو فاروق الباحث في شؤون الجماعات الاٍرهابية في تصريحات لـ«السياق»، إن الإجراءات التي تتخذها بعض الدول الغربية وفِي مقدمتها ألمانيا تجاه جماعة الإخوان، تأتي بعد أن شعرت حكومات تلك الدول بأن مجتمعاتها مهددة وتشهد حالة من التغريب المقصودة، من خلال بناء شرائح مجتمعية موازية تنتهج الفكر المتطرف دينيًا.
تغيير الهوية
وأضاف الباحث في شؤون الجماعات الاٍرهابية، أن دوائر صنع القرار الأوروبي أدركت أن الإخوان وتيارات الاسلام الحركي بشكل عام، استغلت هامش الحريات في تشكيل مؤسسات ومراكز إسلامية للسيطرة على المجتمعات الغربية وتغيير هويتها، بما يتوافق مع المرجعية القطبية والوهابية، التي انطلقت منها أدبيات السلفية الجهادية، مشيرًا إلى أن هناك عشرات الوثائق التي ضُبطت تحدثت عّن محاولات اختراق الغرب بوسائل عدة .
وأكد فاروق أن استفاقة دوائر صنع القرار في الغرب لمحاصرة جماعة الإخوان وأنصار السلفية الجهادية، جاءت متأخرة جدًا، مشيرًا إلى أن الإجراءات التي اتُخذت غير كافية، في ظل تمكن جماعة الإخوان من بناء كيانات متعددة الوجهات بين دعوية وسياسية، وحقوقية واجتماعية وإعلامية.
وأشار إلى أن سيطرة «الإخوان» على أموال الصداقات والتبرعات، ساعدها في تأسيس كيانات اقتصادية ضخمة ومدارس ومراكز معنية بشؤون هذه الجاليات وأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضًا، إلى جانب تمكنهم من التأثير في العقل الجمعي للجاليات العربية والإسلامية، وتشكيل وجدانهم ووعيهم، عبر مؤسسات احتكرت الخطاب الديني في الغرب.
تحجيم وليس مواجهة
ورغم الخطوات التي اتبعتها بلدان العالم الأول لتحجيم دور الإخوان، فإن فاروق قال إنها غير فاعلة، خاصة أنها لا تعمل بشكل مباشر على تجفيف منابع التمويل أو الاستقطاب والتجنيد الفكري والتنظيمي، مؤكدًا أنها إجراءات احترازية تهدف لتحجيم نشاط التنظيم وعدم سيطرته على المؤسسات الداخلية، وبناء ما يشبه الجيوب والجيتوهات في عمق المجتمعات الأوروبية.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي تغلق فيه أنشطة مؤسسة معينة، يوافق من جهة أخرى على تأسيس عشرات الكيانات الحديدة، التي تتلقى منحًا من الدول الأوروبية، وتمارس دورها تحت أعين الأجهزة التنفيذية، من دون رقابة.