روسيا ليست إيران... الحرب الاقتصادية ضد موسكو تهدد الأمن الغائي العالمي
أزمة الغذاء العالمية نشأت بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، حيث تعطلت شحنات المواد الغذائية والأسمدة من البحر الأسود، لكن يبدو أن الحرب الاقتصادية الشاملة ضد روسيا، ستؤدي إلى تعميق هذه الأزمات، وتحويل الاضطرابات المؤقتة إلى شبه دائمة

ترجمات - السياق
رأت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، أن الحرب الاقتصادية الغربية ضد روسيا ستعرِّض العالم للخطر، مشيرة إلى أنه رغم أنه من غير المرجح أن تؤثر هذه الحرب الاقتصادية في نتيجة حرب أوكرانيا ، فإنها قد تسفر عن نتائج من شأنها الإضرار بأمن الطاقة وأجندة المناخ، بينما يقع الضرر الأكبر على فقراء العالم.
وقالت المجلة -في تقرير- إن إحدى السمات غير العادية لأزمة أوكرانيا، الطريقة التي عرَّضت بها ثلاثة أهداف عالمية للخطر: (الجهود المبذولة لمعالجة تغيُّـر المناخ، وأمن الطاقة، والفقر).
وأشارت إلى أنه في ظل زخم الحرب الاقتصادية والمالية الشاملة ضد روسيا، كما وصفها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، يلتزم الغرب بمجموعة من الإجراءات التي تهدد الأهداف الدولية من تغيُّـر المناخ لأمن الطاقة إلى الفقر.
وبينت المجلة أن أزمة الغذاء العالمية نشأت بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، حيث تعطلت شحنات المواد الغذائية والأسمدة من البحر الأسود، لكن يبدو أن الحرب الاقتصادية الشاملة ضد روسيا، ستؤدي إلى تعميق هذه الأزمات، وتحويل الاضطرابات المؤقتة إلى شبه دائمة.
مشكلات رهيبة
ورأت "ناشيونال إنترست" أن أمن الطاقة وتغيُّـر المناخ يطرحان مجموعة من المآزق التي تختلف اختلافًا كبيرًا عن الجغرافيا السياسية التقليدية، مشيرة إلى أن تغيُّـر المناخ سيؤدي إلى جعل بعض المناطق أكثر عُرضة للجفاف أو العواصف الشديدة ، ما يعرِّض بدوره الإمدادات الغذائية للخطر.
وبينت أنه مع تعرُّض الإمدادات الغذائية للخطر، سيؤثر ذلك بالتبعية في أسعار النفط والغاز الطبيعي، مشددة على أن التاريخ يؤكد أنه إذا حدثت أزمة في قطاع من هذه القطاعات تأثر القطاع الآخر.
وقالت: الاحتمال الخطير للحرب الاقتصادية الشاملة على روسيا، يهدد أمن الطاقة وأجندة تغيُّـر المناخ، إذ تتركز هذه الحرب على المواجهة المستمرة بشأن واردات الغاز والنفط الروسي في أوروبا.
وذكرت المجلة الأمريكية، أن هناك أصواتًا في أوروبا والولايات المتحدة، تريد أن تسن حظرًا كاملًا للنفط الخام والمنتجات النفطية والغاز والفحم الروسي، ما يحظر تدفقات الاستيراد والتصدير إلى العالم الديمقراطي ومنه، مع تقليل التسرب من خلال العقوبات الثانوية.
وأشارت إلى أنه أمام هذا الموقف المتشدد، اضطرت ألمانيا لقبول حظر واردات النفط الروسية، لافتة إلى أن المستشار الألماني أولاف شولتز كان أكثر حذرًا برغبته في التحرك بسرعة إجبارية لتقليص الواردات الروسية، لكن يبدو أنه يتفق مع الهدف العالمي العام.
وتراجعت حصة النفط الروسي من النفط المستهلك في ألمانيا من 35 إلى 12 بالمئة في غضون أسابيع قليلة منذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، حسبما جاء في التقرير المرحلي الجديد للحكومة الألمانية بشأن أمن الطاقة.
وحسب المجلة، فإنه بتأييد ألمانيا لحظر النفط، يتزايد الضغط على الدول الأعضاء المتبقية في الاتحاد الأوروبي، التي لا تزال ممانعة لهذه الخطوة.
إلى أي مدى؟
وتساءلت "ناشيونال إنترست" إلى أي مدى سيمضي الغرب في خططه المعلنة بشأن إقرار العقوبات ضد روسيا، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة بدت داعمة للتدابير القاسية في المراحل الأولى من الحظر.
وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين في 21 أبريل الماضي: إننا بحاجة إلى توخي الحذر عندما نفكر في فرض حظر على واردات النفط الروسية، محذرة من أن مثل هذا الحظر من شأنه رفع أسعار النفط العالمية.
وترى يلين، أنه على عكس ما هو متوقع، قد يكون قرار الحظر ذا تأثير سلبي ضئيل للغاية في روسيا، لأنه رغم أن روسيا قد تصدر كميات أقل، فإن الأسعار التي ستحصل عليها مقابل صادراتها قد ترتفع.
وحسب المجلة الأمريكية، تلخص ملاحظات يلين بشكل جيد الهدف الأساسي للسياسة الغربية المحتملة تجاه روسيا، وهو إيجاد طريقة لخفض عائدات روسيا "من دون الإضرار بالعالم من خلال ارتفاع أسعار الطاقة".
ومع ذلك -تضيف المجلة- من غير المرجح أن يتحقق هذا الأمر على أرض الواقع، إذ إن كل المبادرات التي حاول الغرب تقديمها للحيلولة دون الوقوع في أزمة طاقة عالمية فشلت.
وحسب وكالة الطاقة الدولية (IEA)انخفض الإنتاج الروسي من 11.1 مليون برميل يوميًا في فبراير إلى 9.76 مليون برميل يوميًا في أبريل.
وأشارت المجلة، إلى أنه لم يتم -حتى الآن- التوصل إلى اتفاق مع فنزويلا المتخصصة في أصول الكربون عالية المخاطر، بينما رفض ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تلقي أي مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي جو بايدن ويفضل تنسيق سياسة أوبك بلس مع روسيا، بينما ذكّرت قطر المفاوضين الأمريكيين المتحمسين لإرسال الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، بأن لديها عقود غاز طبيعي مسال مع آسيا طويلة الأجل وغير قابلة للانتهاك.
ويبدو أن الإحياء المأمول للاتفاق النووي مع إيران، الذي سيجلب مليون إلى 1.5 مليون برميل إضافية في السوق العالمية، عالق حتى الآن لعدم التوصل لاتفاق نهائي بين الغرب وطهران بشأن ملفها النووي.
ترويض الأسعار
وذكرت "ناشيونال إنترست" أنه في الأيام التي أعقبت الغزو الروسي، ارتفع سعر النفط 35 في المئة، لكن في 29 أبريل كان أعلى بنسبة 14 في المئة فقط من المستوى الذي بلغه في 23 فبراير، أي في اليوم السابق للحرب.
وأوضحت أن هناك عاملين روضا الأسعار، الأول الإغلاق المفاجئ الناجم عن فيروس كورونا لـ400 مليون شخص في الصين والإفراج الموعود عن مليون برميل يوميًا من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأمريكي، ومع ذلك -حسب المجلة- فإن الخطر لا يزال قائمًا.
وقالت: "من الواضح أن احتمال حدوث صدمة نفطية عالمية، يزداد كلما نجحت الولايات المتحدة والغرب في تحقيق هدفهما المتمثل في خفض الواردات الروسية"، مضيفة: "في الواقع، تحاول اليد اليسرى تعويض ما فعلته وما تفعله اليد اليمنى، لكن في هذه المسابقة، يبدو أن اليد اليمنى هي الفائزة".
وبينت أن الإصلاح قصير الأجل المتمثل في تحرير 180 مليون برميل من النفط من احتياطي البترول الاستراتيجي، سيساعد في حاجات عام 2022، لكن ماذا عن عام 2023، عندما ينضب احتياطي البترول الاستراتيجي بمقدار النصف؟
ورأت "ناشيونال إنترست" أن تطبيق الأساليب والعقوبات نفسها التي طُبقت على إيران، ضد واحد من أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم (روسيا)، مناورة خطيرة، خصوصًا عندما تكون أسواق الطاقة تمر بضيق شديد، مضيفة: "ما نجح في فترة الكساد من غير المرجح أن ينجح في فترة الازدهار".