بينهم فايز السراج.. دولة تبيع جوازات سفر إلى مسؤولين ومطلوبين أجانب
يسمح نظام جوازات السفر في دولة فانواتو، للمواطنين الأجانب بشراء الجنسية بـ 130 ألف دولار أمريكي، في عملية تستغرق عادةً أكثر من شهر بقليل، من دون أن تطأ أقدامهم البلاد على الإطلاق.

ترجمات - السياق
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، أن أكثر من 2000 شخص، بينهم مسؤولون سياسيون ورجال أعمال ومطلوبون، اشتروا "جوازات السفر الذهبية"، التي تبيعها دولة فانواتو، الواقعة في المحيط الهادئ، ما يمكِّنهم من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، من دون تأشيرة.
ووفقاً لتحقيق أجرته الصحيفة، فمن بين الذين حصلوا على الجنسية فايز السراج، رئيس وزراء ليبيا السابق، و رجل أعمال سوري يواجه عقوبات أمريكية، وسياسي كوري شمالي مشتبه به، ورجل أعمال إيطالي متهم بابتزاز الفاتيكان، وعضو سابق في عصابة دراجات نارية أسترالية سيئة السُّمعة، وشقيقان من جنوب إفريقيا، متهمان بسرقة عملات مشفَّرة بـ 3.6 مليار دولار.
البرنامج الأسرع
ويسمح نظام جوازات السفر في دولة فانواتو، للمواطنين الأجانب بشراء الجنسية مقابل 130 ألف دولار أمريكي، في عملية تستغرق عادةً أكثر من شهر بقليل، من دون أن تطأ أقدامهم البلاد على الإطلاق.
ويتم تسويق البرنامج من الوكالات، كواحد من أسرع برامج «جواز السفر الذهبي» وأرخصها وأكثرها تساهلاً، في أي مكان في العالم.
ويمنح برنامج دعم التنمية، وصولاً غير مقيَّد ومن دون تأشيرة، إلى 130 دولة، بما في ذلك المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، كما أن موقع دولة فانواتو، التي تعمل أيضًا كملاذ ضريبي (فلا ضريبة دخل، ولا ضريبة على الشركات، ولا الثروة)، جعلها جذابة لغسل الأموال، بحسب الصحيفة الأمريكية.
باب للاستغلال
وحذَّر خبراء، من أن المخطَّط الذي تديره الدولة الواقعة في المحيط الهادئ، أصبح باباً للاستغلال من السيئين، وفتح بابًا خلفيًا للوصول إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وسمح للعصابات الإجرامية، عبر الوطنية، بإنشاء قاعدة في المحيط الهادئ.
وكان برنامج جوازات السفر، الذي جذب لحكومة فانواتو أكثر من 116 مليون دولار العام الماضي، مثيرًا للجدل منذ إعادة إطلاقه عام 2017، إلا أنه حتى الآن، كانت معرفة مَنْ اشترى جوازات السفر من خلال البرنامج، شيئًا غامضًا.
وكشفت سلسلة من الوثائق الحكومية الداخلية، التي حصلت عليها صحيفة الغارديان، عبر مخطَّط حرية المعلومات في الدولة، اسم وجنسية كل متسلِّم لجواز سفر فانواتو، من خلال برنامج دعم التنمية، وبرنامج مساهمة فانواتو في 2020 ويناير 2021.
2200 جواز سفر
وتمكَّنت صحيفة الغادريان، بعد تحقيق استمر أشهرًا، تضمَّن البحث في سجلات المحكمة المتاحة للجمهور، والقوائم الانتخابية، وسجلات الموت، ومسارات وسائل التواصل الاجتماعي، والمناقشات مع الشرطة والمصادر من جميع أنحاء العالم، من تأكيد هويات العشرات من الأفراد في القائمة.
وبحسب الصحيفة، فإن فانواتو أصدرت ما يقرب من 2200 جواز سفر عام 2020 من خلال هذه البرامج -أكثر من نصفها (نحو 1200) لصينيين، بينما كانت الجنسيات الأكثر شيوعًا بعد الصينية، هي النيجيري والروسي واللبناني والإيراني والليبي والسوري والأفغاني، إضافة إلى 20 شخصًا من الولايات المتحدة، وستة أستراليين، وحفنة من أوروبا.
وحذَّر خبراء أمنيون، من أن السهولة التي يمكن للناس من خلالها، شراء جوازات السفر من فانواتو، وكذلك السفر الذي يسمح به، يمكن أن يجعله مخطَّطًا جذابًا لأعضاء العصابات الإجرامية، ما يتيح لهم قاعدة قانونية في المحيط الهادئ.
صحيفة الغارديان، اكتشفت أن عددًا من المتقدِّمين لفانواتو، متورِّطون في شبكة معقَّدة من الأعمال الخارجية، إذ يمتلكون بعض الشركات الوهمية، التي ليس لها نشاط تجاري واضح.
وأضاف سوزا سانتوس، أن هناك خطرًا محتملاً آخر، يتمثَّل في حصول الأشخاص على جنسية فانواتو، ثم تغيير أسمائهم بشكل قانوني فيها، ما يمنحهم هوية جديدة.
وتابع: إنه أحد المخاطر الحقيقية، فبمجرَّد حصولك على جنسية فانواتو، يمكنك تغيير اسمك، وبالطبع ستكون قادرًا على دخول البلدان، التي لن تسمح لك خلفيتك الإجرامية بدخولها.
مخاوف أوروبية
أعرب الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، عن مخاوفهما من تدابير العناية الواجبة، ما أجبر فانواتو على الوعد بأنها ستكثِّف عمليات التحقُّق من الخلفية، العام الماضي، في محاولة لتنظيف صورة البرنامج.
ورغم ذلك، فإن الوثائق تظهر أنه في الآونة الأخيرة، وتحديدًا في يناير 2021، كانت فانواتو تبيع جوازات سفر، لأفراد لهم صِلات بالاحتيال أو العقوبات، وآخرين كانت تبحث عنهم الشرطة في بلدانهم الأصلية.
قائمة طويلة
وكشفت صحيفة الغارديان، أن رئيس الوزراء الليبي السابق فايز السراج، كان من الحاصلين على جوازات سفر له ولعائلته، وكان الطلب ممهورًا باسم زوجته.
والسراج، من الشخصيات السياسية البارزة، الذين اشتروا جنسية فانواتو، إلا أن «الغارديان»، تقول إنه ليس هناك ما يشير إلى أن السراج ولا زوجته، قد تورَّط في أي مخالفة أو نشاط إجرامي، أو فعل أي شيء غير لائق، في شراء جواز سفر فانواتو.
ومن الشخصيات السياسية الأخرى، علاء إبراهيم، محافظ ريف دمشق، والسياسي الهندي السابق فيناي ميشرا، الذي يعيش في فانواتو، ويواجه مزاعم بالفساد في الهند.
أما الآخرون، الذين حصلوا على جوازات سفر من فانواتو فهم:
رئيس وأمير كاجي، مؤسسا منصة الاستثمار في العملات المشفَّرة أفريكبت، اللذان اتهمهما محامو مستثمريهما السابقين بـ«سرقة عملات رقمية»، ويُزعم أنهما اختفيا مع عملة البتكوين التي تقدر بنحو 3.6 مليار دولار (2.6 مليار جنيه استرليني).
جانلويجي تورزي، رجل أعمال إيطالي، متهم بابتزاز مسؤولي الفاتيكان بـ 15 مليون يورو (17.7 مليون دولار أمريكي) أثناء شراء عقار ثمين في لندن، إلا أن الأخير نفى ارتكاب أي مخالفات.
هيام غريب أوغلو، القطب المصرفي التركي، الذي سُجن في فضيحة اختلاس ملايين الدولارات، والمحكوم عليه أيضاً بالسجن، لإيوائه ابن أخيه المتهم بقتل فتاة في الـ17 من عمرها.
غالي بلقصير، القائد السابق المثير للجدل لقوات الدرك الجزائرية، وهي القوة العسكرية المسؤولة عن إنفاذ القانون، والصادر بحقه أربعة أوامر اعتقال.
خالد الأحمد، وهو رجل أعمال سوري ومستشار مقرَّب من الرئيس الأسد، وأحد الحاصلين على جنسية فانواتو في يونيو 2019.
تحقيات معلَّقة
وردًا على استفسارات صحيفة الغارديان عن هؤلاء الأفراد، قال فلويد ميرا مدير وحدة الاستخبارات المالية في فانواتو: «بعد قراءة القائمة، معظمها لديها مزاعم وتحقيقات معلَّقة وإجراءات قضائية جارية»، مشيرًا إلى أنه بعد الحصول على جنسية فانواتو، إذا كانت هناك إدانات جوهرية، ضد أي من هذه الأسماء، فقد يتم سحب جنسيتهم.
وأضاف: «من الآن فصاعدًا، ستجري وحدة الاستخبارات المالية، عمليات تدقيق محسَّنة على الأسماء الواردة في القائمة، وإذا كان لدى أي من هؤلاء الأشخاص إدانات جنائية، ستقوم وحدة الاستخبارات المالية -على الفور- بإبلاغ مكتب المواطنة بالمعلومات المحدَّثة».
5 دول محظورة
على الورق، تمنع فانواتو مواطني سوريا والعراق وإيران واليمن وكوريا الشمالية، من الحصول على الجنسية، ما لم يتمكنوا من إثبات إقامتهم خارج هذه البلدان، لأكثر من خمس سنوات، إلا أنه مع ذلك، حدَّدت صحيفة الغادريان، عددًا من المتقدِّمين من تلك البلدان، الذين كانوا مقيمين في البلدان المدرجة في القائمة السوداء، وقت تقديم الطلب.
ويظهر في الوثيقة قطب سوري في مجال البناء والعقارات، مع عقوبات ضد عدد من أعماله، هو عبدالرحمن خيتي، الذي اشترى جنسية فانواتو، بعد أسابيع من فرض الولايات المتحدة عقوبات، على عدد من أعماله.
وقال ورسال، من مكتب ومفوضية المواطنة بفانواتو: «تم تقديم طلب عبدالرحمن خيتي، قبل فرض عقوبات على عدد من أعماله، وبحلول الوقت الذي قدَّم فيه طلبه أمام لجنة الفرز ووحدة الاستخبارات المالية، لم تكن هناك نتائج سلبية ضده، فوافقت اللجنة على طلبه».
وقال ورسال، إن خيتي قدَّم أيضًا دليلًا على إقامته خارج سوريا 5 سنوات، قبل تقديم الطلب، مشيرًا إلى أن لجنة المواطنة، ستجري مزيدًا من التحقيقات في جنسية خيتي.
مصدر دخل
فانواتو من أفقر البلدان في العالم، حيث قدَّر البنك الدولي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بـ2780 دولارًا أمريكيًا.
البلد مثقل بالديون، بسبب الكوارث الطبيعية، التي عصفت به، والتي كان آخرها الإعصار المدمِّر الذي وقع عام 2014، ما أدى إلى رفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 23% إلى 47% عام 2018.
إلا أن جوازات السفر أصبحت أكبر مصدر للإيرادات لحكومة فانواتو، ليقفز نصيبها من تلك الإيرادات عام 2020، إلى نحو 42%.
وفي يونيو 2021، أبلغت الحكومة عن فائض في الميزانية، رغم جائحة كورونا، بسبب استمرار الطلب على الجنسية، ما أدى إلى استخدام الحكومة تلك الأرباح لسداد الديون.
بدوره، قال رالف ريجينفانو، زعيم المعارضة في فانواتو: «هناك ميزة للمخطَّط، أنه يحتاج فقط إلى القيام به بشكل أفضل بكثير مما فعلناه حتى الآن»، مشيرًا إلى أن المخطَّط يدر مالا كبيرًا لدولة ذات موارد محدودة للغاية.
فحص المتقدِّمين
إلا أنه قال، إن هناك حاجة إلى تنفيذ عمليات أكثر قوة لفحص المتقدِّمين، لا سيما إصدار أمر من الحكومة السابقة -التي كان فيها وزيراً للخارجية- في مارس، والذي أمر شركة دولية متخصِّصة بالمشاركة في الفحوص.
ورسال قال، إن حكومة بلاده في مراحلها النهائية، لإشراك شركة أوروبية دولية ذات سُمعة طيبة، لمساعدة وحدة الاستخبارات المالية، في عمليات الفحص.
يأتي ذلك، بينما يرى كثيرون في فانواتو، في المخطَّط، إهانة لسيادة الدولة، التي حصلت على استقلالها عن فرنسا والمملكة المتحدة عام 1980 بعد ما يقرب من عقد من النضال.
كان آتي جورج سوكومانو شخصية رئيسة في نضال البلاد من أجل الاستقلال، في سبعينيات القرن الماضي، وتم تعيينه رئيسًا لمؤسسة فانواتو عام 1980 بعد الاستقلال.
تشويه الرؤية
وقال سوكومانو إن برنامج النقد مقابل جوازات السفر «شوَّه» رؤية فانواتو الحرة، التي ناضلوا من أجلها، خلال حركة الاستقلال.
وتابع: لقد ناضلنا من أجل حريتنا واكتسبناها، لماذا نكسر سيادتنا وكرامتنا، بجعلنا عبيدًا مرة أخرى، ببيع جواز سفرنا إلى آخرين؟!
وردَّ متحدِّث باسم وزارة الداخلية البريطانية، قائلا: إن أولوية قوات الحدود، الحفاظ على الأمن، ويجب فحص جميع الذين يدخلون المملكة المتحدة، من دون استثناء.