دبلوماسي أمريكي: لا يمكننا مواجهة بوتين وحدنا
على الولايات المتحدة أن تبحث عن شركاء آخرين بما في ذلك الشرق الأوسط

ترجمات - السياق
قالت مجلة ذا أتلانتك الأمريكية، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجَّه نداء إيقاظ للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، مذكّراً إياهم بعدد من الحقائق، بما في ذلك مشكلات القوة الصلبة، وإمكانية تغيير الحدود بالقوة، وعدم تراجع محاولات محو الأمم، مضيفة أنه بالنظر لأن الصراع والمنافسة سيحددان المشهد الدولي في المستقبل المنظور، فإنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد ردع الأول، وتشكيل الأخيرة، فهي بحاجة إلى شركاء.
وأشارت المجلة، في تحليل للدبلوماسي الأمريكي المخضرم دينيس روس، إلى أنه بينما أدى الغزو الروسي وفظائعه إلى جذب انتباه الكثير من دول الغرب، فإن العديد من الدول في الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تقف على الهامش، في الوقت الذي يحتفظ فيه بوتين بدعم الصين ودول مثل إيران، التي ليست لديها مصلحة في قبول المعايير التي يعتقد الغرب أنها يجب أن توجه السلوك الدولي.
نهاية الحرب
قال روس، وهو مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس السابق جورج بوش الأب، إنه مع استمرار بوتين في حربه ضد أوكرانيا، على الولايات المتحدة أن تبدأ التفكير في بناء تحالفات للفترة التي تلي انتهاء الحرب، لأنه عندما يقرر الرئيس الروسي إنهاء هذه الحرب، لن تتمكن واشنطن من العودة إلى ممارسة عملها المعتاد.
ورأى أن حشد الديمقراطيات في أوروبا وآسيا مجرد بداية، فبينما يتحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن مواجهة الصراع بين الديمقراطية والاستبداد لمنحدر خطير، فإنه في حال تقسيم العالم على هذا المنوال فقط، سيجرى استبعاد العديد من الدول، التي نحتاجها لتكون جزءًا من أي تحالف عالمي، قادر على مواجهة جهود روسيا والصين، لفرض قواعدهما على النظام الدولي.
وأضاف "لكن لا يمكن تحمُّل نتيجة شطب تلك الدول، التي قد لا تكون ديمقراطيات، لكنها أيضاً ليست دولاً تعديلية -مصطلح يصف الدول التي تهدف إلى تغيير أو وضع حد للنظام الحالي-، كما يجب أن نكون قادرين على الانضمام إلى أولئك الذين يضيفون إلى نفوذنا وأصولنا".
إقناع السعودية
رأى روس، الذي كان المنسق الخاص للشرق الأوسط في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، المستشار الخاص لشؤون الخليج العربي وجنوب غرب آسيا (بما في ذلك إيران) لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، أن على الولايات المتحدة وضع الشرق الأوسط في اعتبارها.
وأشار إلى أنه نظراً لأن بايدن أدرك أهمية حرمان بوتين من القدرة على تمويل حربه، فإنه يحتاج إلى إيجاد بدائل للنفط الروسي، ليس لتلبية احتياجات الأوروبيين فحسب، لكن أيضاً لمحاولة تقليل الزيادة الهائلة في تكاليف الطاقة، لكن جهود الإدارة لم تنجح في إقناع المملكة العربية السعودية، الدولة الوحيدة التي لديها طاقة إنتاجية احتياطية كبيرة، بضخ المزيد من النفط.
وقال روس: "قد يكون هناك عدد من العوامل التي دفعت السعوديين إلى الرفض، لكن كما أخبرني أحد كبار المسؤولين السعوديين مؤخراً، الذي تحدث بشرط عدم كشف هويته، أنه عادةً ما تسرع أمريكا في مطالبتنا بالاستجابة عندما تريد شيئاً، لكنها لا تستجيب لنا عندما نتصل بها".
وأضاف: "في الماضي، حاول السعوديون الاستجابة لطلبات الولايات المتحدة، لأنهم كانوا يرونها صديقة موثوقًا بها عند تهديد أمنهم، لكن بعد تعرضهم للقصف المتكرر من الحوثيين والطائرات من دون طيار والصواريخ كروز والصواريخ الإيرانية، ورؤية تردد واشنطن في المنطقة وفي ردود فعلها، فإنهم لم يعودوا ينظرون للوضع بالطريقة نفسها".
إعادة ضبط العلاقات
قال المساعد الخاص للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما: "أما من وجهة النظر الأمريكية، فإن هناك عوامل أخرى تلعب دوراً أيضاً في الأمر، إذ أثار قتل الصحفي جمال خاشقجي، وانتهاكات حقوق الإنسان، والطريقة التي أجرى بها السعوديون حربهم في اليمن، انتقادات من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) للمملكة، كما أنها أدت إلى قرار إدارة بايدن بإعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع الرياض، لكن يبدو أن حرب بوتين أعادت التركيز على حقيقة حاجاتنا، والواقع أن السعودية لها أهمية استراتيجية في التنافس مع روسيا والصين".
وأوضح روس أن هناك حاجة إلى النفط السعودي، على مدى العقدين المقبلين، في الوقت الذي يجري فيه العالم عملية الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، كما أن المملكة العربية السعودية من دول الشرق الأوسط التي تحاول بناء مجتمعات حديثة وقادرة على الصمود، فضلاً عن مواجهتها لإيران التي تسعى إلى إدامة صراعات المنطقة لاستغلالها.
وأضاف: "لم يكن دعم طهران لروسيا من قبيل الصدفة، إذ تعد طهران قوة تعديلية تسعى للهيمنة على الشرق الأوسط، وما يطلق عليه الإيرانيون (محور المقاومة) هو في الحقيقة محور بؤس، فالصادرات الرئيسة لطهران هي الطائرات من دون طيار والصواريخ والميليشيات والدول الفاشلة، وتعد سوريا ولبنان واليمن والعراق شواهد على ما ينتظر الدول التي تمارس فيها طهران نفوذها".
مواجهة المخطط الإيراني
رأى روس أن استمرار تشكيل الشرق الأوسط بفعل الصراعات لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، لكنه يخدم المصالح الروسية والإيرانية، قائلاً إنه لحسن الحظ هناك تحالف متنام يضم السعوديين والإماراتيين والمصريين والأردنيين والمغاربة والبحرينيين والإسرائيليين، يهدف لمواجهة الخطط الإيرانية للمنطقة، كما توفر القيادة المركزية الأمريكية آلية لدعم حاجاتهم الأمنية، ومظلة يمكنهم من خلالها دمج أنشطتهم الاستخبارية، ومكافحة الإرهاب والإنذار المبكر والأنشطة الدفاعية السيبرانية والصاروخية والطائرات من دون طيار، ما يجعلهم مجتمعين أكثر أماناً مما لو كانوا بمفردهم.
وتابع: "كلما شجعنا شكل التعاون الاقتصادي والتجاري، الذي تنشئه إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، كان أساس السلام الإقليمي أقوى، وزاد تعزيزنا لوجود تحالف قوي يدعم القواعد التي نسعى إلى تطبيقها على المستوى الدولي".
وأكد روس أن ذلك لا يعني أن على الولايات المتحدة التخلي عن مخاوفها بشأن حقوق الإنسان والتنازل عن قيمها، لكنه يعني أنها ستفعل ما كانت تفعله، بالموازنة بين أولوياتها وكذلك الموازنة بين قيمها ومصالحها.
ونهاية التحليل، طالب روس بضرورة منع قواعد بوتين من تحديد مستقبل العالم، قائلاً: "نحن بحاجة إلى بناء تحالف عريض من الدول التي تشترك في هذا الهدف الذي لا يعكس مصالحنا فحسب، ولكن أيضاً قيمنا".