خوفًا من العودة إلى الوراء... احتجاجات بأمريكا ضد إلغاء حق الإجهاض
دعا الرئيس جو بايدن الأميركيين إلى التصويت بالانتخابات التشريعية في الخريف، بما يضمن الدفاع عن الحق الأساسي في الإجهاض، إذا شككت فيه المحكمة العليا للولايات المتحدة.

السياق
بعد ساعات من تسريب مسوّدة قرار للمحكمة العليا، ينص على إلغاء تشريع فدرالي سار منذ زمن، يحمي حق النساء في وضع حد للحمل، خرج آلاف الأمريكيين في شوارع واشنطن ونيويورك وبوسطن ولوس أنجلوس وسياتل، في تظاهرات للتعبير عن "غضبهم" وخوفهم من "العودة إلى الوراء".
وتشهد ولايات عدة في أمريكا حملات مرتبطة بحقوق الإنجاب. وتسعى الولايات التي يقودها جمهوريون إلى تشديد القيود، وفي بعض الأحيان منع الإجهاض بعد مرور ستة أسابيع على الحمل، أي قبل أن تدرك كثيرات أنهن حوامل.
ومن هذه الولايات أوكلاهوما (جنوب) التي أعلن حاكمها الجمهوري الثلاثاء أنّه وقَّع قانوناً يحظر إجراء أيَّ عملية إجهاض بعد ستّة أسابيع من الحمل، في تشريع يُعد من الأكثر صرامة في البلاد.
وفي إطار الجدل بشأن هذه القضية، دعا الرئيس جو بايدن الأميركيين إلى التصويت بالانتخابات التشريعية في الخريف، بما يضمن الدفاع عن الحق "الأساسي" في الإجهاض، إذا شككت فيه المحكمة العليا للولايات المتحدة.
صحة التسريب
أعلن رئيس المحكمة الأميركية العليا جون روبرتس –الثلاثاء- أن مسوّدة القرار التي تحدث عنها الموقع الإلكتروني الإخباري "بوليتيكو" صحيحة لكنّها لا تعكس الموقف النهائي لهذه الهيئة من القضية.
كانت الصحيفة الرقمية ذكرت أنّ المحكمة الأميركية العليا تعتزم إلغاء الحُكم التاريخي الذي أصدرته عام 1973 ورأت فيه أنّ حقّ النساء في الإجهاض مكرَّس في دستور الولايات المتّحدة.
وقالت إنّ معلوماتها تستند إلى مسودّة قرار وافق عليها أعضاء المحكمة بالأكثرية ومؤرّخة في 10 فبراير وصاغها القاضي المحافظ صامويل آليتو، لكنّ هذا النصّ لا يزال موضع نقاش بين أعضاء المحكمة بانتظار صدوره بصيغته النهائية قبل نهاية يونيو.
وإذا أقرّت المحكمة العليا هذا القرار بصورة نهائية، فستعود الولايات المتحدة إلى الوضع الذي كان قبل 1973 عندما كانت كلّ ولاية حرّة في أن تسمح بالإجهاض أو أن تحظره.
"رو ضد ويد"
عام 1973 أصدرت المحكمة العليا في ختام نظرها قضية "رو ضد ويد" حُكماً شكّل سابقة قضائية، إذ إنّه كفل حقّ المرأة في أن تنهي طوعاً حملها ما دام جنينها غير قادر على البقاء على قيد الحياة خارج رحمها، أي حتى 22 أسبوعاً من بدء الحمل.
القانون الذي وقعه حاكم أوكلاهوما –الثلاثاء- يجيز للنساء أن يجهضن بعد مرور ستة أسابيع على حملهن إذا ما كانت هناك دواع طبية محدّدة، لكن هذا الاستثناء لا يشمل الحمل الناجم عن جرائم اغتصاب أو سفاح قربى.
ومنذ أقرّت تكساس في سبتمبر 2021، قانونًا مشابهًا فرض قيودًا مشدّدة على الإجهاض، أصبحت أوكلاهوما مقصداً لآلاف النساء اللاتي أتين من الولاية المجاورة لإجراء هذه العملية.
ويحظر القانون -الذي أقر في تكساس- إجهاض أي جنين حالما يصبح نبض قلبه محسوساً في الموجات فوق الصوتية، أي بعد أربعة أسابيع تقريباً من حصول الإخصاب.
وسارع حكام ديمقراطيون لولايات -بينها كاليفورنيا ونيو مكسيكو وميشيغن- إلى الإعلان عن مساع لتكريس الحق في الإجهاض بقوانين حتى في حال ألغته المحكمة العليا.
تظاهرات
انعكست هذه الانقسامات في الشارع، بين غضب المدافعين عن الحقّ في الإجهاض بأصواتهم، والمعارضين له الذين شعروا بأنهم حققوا انتصارًا.
وقالت لين هارت (70 عامًا) التي أجهضت بشكل غير شرعي عندما كانت مراهقة، وكانت أمام مقرّ المحكمة العليا في واشنطن، إنها "مرعوبة"، مشيرة إلى أن "المحكمة محافظة جدًا". وعبرت هذه السيدة عن أملها بأن تتمكن حفيداتها من الحفاظ على حقّهنّ في الإجهاض بشكل آمن وقانوني.
من جهتها، قالت تارا كورودا (47 عامًا) لوكالة فرانس برس: "أنا في حالة صدمة". وأضافت: "لدي ابنتان صغيرتان، وأنا هنا أيضًا من أجلهما (...) لحماية مستقبلهما". وكانت ترفع لافتة كتب عليها "جسدي، خياري".
وحولها تجمع عدد كبير من الصحفيين أمام درجات المبنى الأبيض الذي يقع مقابل الكابيتول، مقر الكونغرس في قلب واشنطن.
من جهته، قال أرشي سميث (22 عامًا) العضو في مجموعة "تقدمية" ضد الحق في الإجهاض، إن النص الذي نشرته "بوليتيكو" ليس "سوى مسودة لذلك لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به". وأضاف: "بالنسبة للحركة المؤيدة للحق في الحياة هذه مجرد خطوة أولى في الاتجاه الصحيح".
وقال الشاب الذي كان بين قلة من مؤيدي الإجهاض في التجمع: "لا يكفي جعله غير قانوني، رغم أننا نود ذلك، بل يجب جعله غير ضروري، وإنشاء ثقافة العيش في أميركا".
وقالت سيدة مؤيدة لحق الإجهاض، عبر مكبر الصوت: "سننقل هذه المعركة إلى الكونغرس".
وجرت تظاهرات مماثلة شارك فيها آلاف في شوارع وشنطن ونيويورك وبوسطن ولوس أنجليس وسياتل.
وقالت مادلين أوكاسيو المناهضة للحق بالإجهاض لوكالة فرانس برس في فلوريدا: "آمل ألّا تردع هذه التظاهرات القضاة"، معبّرةً عن بهجتها بعد سنوات من النضال الشرس.
ولم يتقبّل جزء من الشعب الأميركي -خصوصًا في الأوساط الدينية- قرار 1973، وخاض حملات لإلغائه، إذ كان نشطاء عاديون يتجمّعون قرب العيادات، بينما يعتمد ممثلوهم في الهيئات التشريعية المحلية آلاف قوانين المناهضة.