بعد الانسحاب الأميركي... هل تدخل الصين أفغانستان؟
بكين طوَّرت علاقات اقتصادية وشراكة أمنية مع الحكومة الأفغانية، بينما أقامت علاقات مع بعثة طالبان في قطر، إذ جعلت خطط الولايات المتحدة، للانسحاب من أفغانستان، جهود الصين للتواصل مع طالبان أكثر إلحاحًا، ما حدا بالمسؤولين الصينيين، بتكثيف اتصالاتهم بممثلي الحركة، وعقدوا اجتماعات مع وفود طالبان، في أوقات مختلفة

ترجمات - السياق
قال تييري كيلنر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ليبر في بروكسل، إن الصين تراقب التطورات على الأرض، مع خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، وأضاف أنه يجب على أمريكا مراقبة هذا الوضع من كثب.
وأوضح كيلنر، في مقال بصحيفة واشنطن تايمز الأمريكية، أن مصالح الصين في أفغانستان تتعلَّق بالأمن، مشيرًا إلى أن استقرار أفغانستان، التي تشترك معها بكين في حدود قصيرة بمنطقة حساسة هي إقليم شينجيانغ، مهم للصين، خصوصًا أن أمن حدودها -وهذه المنطقة بالتحديد- على المحك، بعد تولي طالبان السلطة هناك.
وأضاف كيلينز، أن بكين تريد منع اندلاع موجة جديدة من الجهادية العنيفة في شينجيانغ، حيث اعتقلت السلطات الصينية ما بين مليون و3 ملايين مسلم (من الأويغور والكازاخستانيين) بدعوى "إعادة تثقيفهم"، وذلك في أكبر سجن جماعي، على خلفية أسباب دينية، منذ الحرب العالمية الثانية.
تهديدات التطرف الإسلامي
وأوضح كيلنر: يجب أن يتجنَّب الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، تهديدات التطرف الإسلامي، وأيضًا تهريب المخدرات، التي قد تنبع من أفغانستان.
وأشار إلى أن بكين بحاجة أيضًا لحماية مصالحها الاقتصادية، التي تم تطويرها خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في آسيا الوسطى، تحت رئاسة شي جين بينغ، وهي تلك المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق (BRI) مضيفًا: "نظرًا للتطورات الأخيرة في أفغانستان، تريد بكين بشكل خاص، الحفاظ على استثماراتها الضخمة في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، الذي من المفترض أن يكون الرائد في مبادرة الحزام والطريق، إلا أنها لاشك تواجه صعوبات عدة".
المصالح الاقتصادية
المصالح الاقتصادية الصينية مع أفغانستان، ليست غائبة -حسب كيلنر- حتى لو كانت أكثر هامشية، مضيفًا، أنه من المسلَّم به أن التجارة بين الصين وأفغانستان صغيرة (نحو 600 مليون دولار أمريكي عام 2020)، لكن موارد أفغانستان المعدنية والطاقة، تهم الشركات الصينية الحكومية بشكل كبير.
وأشار الكاتب، إلى اتصالات بين بكين وطالبان، مضيفاً أنه في فبراير 1999، زار خمسة دبلوماسيين صينيين العاصمة الأفغانية، وفي نهاية الاجتماع، أعلنت بكين إقامة علاقات تجارية رسمية مع طالبان، ورحلات جوية مباشرة بين كابل ومدينة أورومتشي شمال غربي الصين.
وفي ديسمبر 1999، جاء دور طالبان لزيارة بكين، إذ ذهب وفد حكومي من ثلاثة أعضاء، في مهمة استغرقت أربعة أيام إلى الصين، وفي نوفمبر 2000، زار كابل أعضاء من معهد دراسة العلاقات الدولية المعاصرة في بكين، وهو مؤسسة فِكرية حكومية رئيسية، وبعد شهر التقى لو شولين سفير بكين في إسلام أباد الملا عمر الزعيم الروحي لطالبان، بينما تردَّد أن شركتين صينيتين (Huawei Technologies Co. و ZTE) عملتا على تزويد مدينتي كابل وقندهار بالاتصالات، رغم الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة، وفقًا للكاتب.
وأضاف الكاتب: عام 2002 دعمت بكين بحذر التدخل الأمريكي في أفغانستان، واستخدمت موقعها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لدعم القرار 1368 الذي ينشئ قوة إيساف، لكن هذا الموقف لم يمنع جمهورية الصين الشعبية، من تنفيذ دبلوماسيتها الحذرة في أفغانستان.
وأوضح كيلنر، أن بكين طوَّرت علاقات اقتصادية وشراكة أمنية مع الحكومة الأفغانية، بينما أقامت علاقات مع بعثة طالبان في قطر، إذ جعلت خطط الولايات المتحدة، للانسحاب من أفغانستان، جهود الصين للتواصل مع طالبان أكثر إلحاحًا، ما حدا بالمسؤولين الصينيين، بتكثيف اتصالاتهم بممثلي الحركة، وعقدوا اجتماعات مع وفود طالبان، في أوقات مختلفة، منها في سبتمبر وأكتوبر 2019، على سبيل المثال.
التودُّد إلى طالبان
وكشف كيلنر أن الصين تتودَّد حاليًا إلى طالبان -بشكل أساسي- للحفاظ على مصالحها الأمنية، وفي مقدمتها الأمن في شينجيانغ وعلى طول حدودها، فضلًا عن حماية استثماراتها في آسيا الوسطى ومشاريع طريق الحرير (لا سيما الممر الاقتصادي مع باكستان).
وفي ما يتعلق بقضية الأويغور -يضيف الكاتب- أعطت طالبان بعض التأكيدات لبكين، وتعهدت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للصين، وعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية من قِبَلِ "القوات المعادية للصين"، لكن بعض المراقبين، يشيرون إلى أن طالبان بالكاد أوفت بوعود أخرى (مثل التنصل من تنظيم القاعدة)، وبذلك من الأفضل أن تظل بكين حذرة.
وأفادت الأنباء بأن الصين عرضت بناء طرق، في الأراضي التي تسيطر عليها طالبان، والعديد من مشاريع الطاقة، بما في ذلك إنتاج الكهرباء، ويشير الكاتب إلى أن هذه المشاريع، مفيدة لحركة طالبان، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، إذ تبحث طالبان الآن عن الشرعية على المستوى الدولي، لذلك، فإن المحادثات مع بكين مفيدة، لأنها تتيح لهم تقديم أنفسهم على أنهم محاورون شرعيون وذو مصداقية، ولا يزال الوضع المحلي مفتوحًا، لكن لا يوجد ما يشير إلى نجاح الاستراتيجية الصينية في النهاية.
وشدَّد الكاتب، على أهمية أن تواصل الولايات المتحدة مراقبتها لتحركات الصين في أفغانستان، مشيرًا إلى أنه من الممكن أن تكون ساحة اختبار لإمكانية التعاون الصيني الأمريكي، وإذا تركت بكين وحدها، فإنها يمكن أن توفِّر لها فرصة لزيادة نفوذها في آسيا الوسطى، ونحو المحيط الهندي، وحتى الشرق الأوسط.