ماذا إن لم تنتهِ الحرب في أوكرانيا؟

قد لا تكون هناك لحظة فاصلة تشير إلى نهاية الحرب، وبالرغم من مرور نحو 75 يومًا -وهي فترة أطول بكثير مما توقعه الجانبان- فإن البلدين لم يحققا أي أهداف لهما على الأرض، فقد لا تتمكن أوكرانيا من طرد القوات الروسية من الأراضي التي احتلتها، وقد تفشل روسيا في تحقيق هدفها السياسي، بالسيطرة على أوكرانيا

ماذا إن لم تنتهِ الحرب في أوكرانيا؟

ترجمات – السياق

تنتهي جميع الحروب، وغالبًا ما تكون لحظاتها الأخيرة حية ولا تُنسى، مثلاً، استسلام الجنرال الكونفدرالي روبرت إي لي، أمام ليوليسيز إس غرانت، جنرال الاتحاد، في أبريل 1865، وقد وضع ذلك الاستسلام نهاية للحرب الأهلية في الولايات المتحدة، لكن ماذا لو لم تنتهِ الحرب في أوكرانيا؟

ذكرت مجلة فورين أفيرز، أن مشهد نهاية الحرب قد يكون مضللاً، ذلك أن استسلام القوات الكونفيدرالية لم يؤدِ إلى تسوية التوترات السياسية أو الثقافية بين الشمال والجنوب، ولم يحل التحيزات العنصرية والخلافات السياسية ذات الصلة، التي استمرت فترة طويلة بعد إلغاء العبودية.

كذلك -تضيف المجلة- كانت فترة ما بين الحربين العالميتين في أوروبا، خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، حافلة بالقلق والتوترات التي وصلت ذروتها في حرب عالمية أخرى، بينما مثلت خاتمة الحرب العالمية الثانية بدايةً للحرب الباردة، مشيرة إلى أنه رغم انهيار الاتحاد السوفييتي، فإنه ربما لم تنتهِ الحرب الباردة وقتها، ولعلها لا تزال مستمرة، وفق ما قاله مؤخرًا المؤرخ ستيفن كوتكين عبر صفحات هذه المجلة.

 

الحرب الروسية

بالانتقال إلى الحرب الروسية في أوكرانيا، بينت "فورين أفيرز" أنه قد لا تكون هناك لحظة فاصلة تشير إلى نهاية الحرب، على الأقل بعض الوقت، موضحة أنه رغم مرور نحو 75 يومًا -وهي فترة أطول بكثير مما توقعه الجانبان- فإن البلدين لم يحققا أي أهداف لهما على الأرض، فقد لا تتمكن أوكرانيا من طرد القوات الروسية من الأراضي التي احتلتها، وقد تفشل روسيا في تحقيق هدفها السياسي، بالسيطرة على أوكرانيا.

وتوقعت المجلة أن تؤدي الحرب إلى حقبة جديدة من الصراع، تتمثل في دورة من الحروب الروسية، مضيفة: "إذا لم تنتهِ الحرب في وقت قريب، فإن السؤال الحاسم هو: إلى جانب من يقف الوقت؟".

ورأت أنه يمكن أن يكون الوقت في مصلحة روسيا، إذ إن حربًا يطول أمدها، تستمر من أشهر إلى سنوات، قد تكون نتيجة مقبولة أو حتى ربما محبذة بالنسبة إلى موسكو، بينما في المقابل ستكون -بكل تأكيد- نتيجة رهيبة بالنسبة إلى أوكرانيا التي ستتعرض للدمار، وأيضًا بالنسبة إلى الغرب الذي سيواجه سنوات من عدم الاستقرار في أوروبا، والتهديد المستمر بتمدد الصراع إلى مناطق جديدة.

من التداعيات التي قد تتركها الحرب طويلة الأمد في أوكرانيا أيضًا -حسب المجلة- أن تتسبب -على الأرجح- في المجاعة والغموض الاقتصادي، وتآكل الدعم الذي تحظى به كييف في مجتمعات غربية، ليست في وضع يسمح لها بتحمُّل صراعات عسكرية طاحنة، حتى لو دارت في أماكن أخرى.

وأضافت: "يمكن للمجتمعات الغربية ما بعد الحداثة، الموجهة تجاريًا والمعتادة على وسائل الراحة في زمن السلم المعولم، أن تفقد الاهتمام بالحرب، على عكس سكان روسيا، الذين حركتهم آلة الدعاية الخاصة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحشدتهم، ليصبحوا مجتمع زمن الحرب".

 

حرب ممتدة

وشددت "فورين أفيرز" على أنه رغم أن لدى الولايات المتحدة وحلفائها ما يبرر أملهم بتحقيق انتصار أوكراني سريع، والعمل من أجل بلوغ هذا الهدف، يجب على صُناع السياسة الغربيين أيضًا أن يجهزوا أنفسهم لحرب مديدة، مشيرة إلى أن أدوات السياسة المتاحة لهم -مثل المساعدات العسكرية والعقوبات- لن تتغير بالنسبة إلى مدة الحرب.

وأوضحت أن تقديم أقصى دعم عسكري إلى أوكرانيا أمر أساسي، بصرف النظر عن مسار الحرب، كما أن من شأن العقوبات التي تستهدف روسيا، خصوصًا الموجهة إلى قطاع الطاقة، أن تؤدي -إذا طبقت بشكل مثالي- إلى تغييرات في الحسابات الروسية بمرور الوقت، إذ تبدو ملائمة بشكل جيد لإحداث انهيار طويل الأمد في آلة الحرب الروسية.

وأمام هذه التوقعات، ترى المجلة الأمريكية أن بوتين يملك عددًا من الأسباب التي تجعله لا ينهي الحرب التي بدأها، إذ لم يصبح بعد قاب قوسين أو أدنى من تحقيق غاياته الأساسية، مشيرة إلى أنه حتى الآن، لم يكن أداء جيوشه جيدًا بما فيه الكفاية حتى تجبر روسيا، أوكرانيا على الاستسلام، بل إن روسيا بعيدة كل البعد عن إسقاط الحكومة الأوكرانية.

أما أخطاء بوتين وقواته، فجعلته يرى ما لم يكن يود أن يراه، إذ عليه أن يشاهد الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي مستضيفًا الزوار الأجانب في العاصمة، وأن يرى السفارات الأجنبية تفتح أبوابها من جديد، مشيرة إلى أن إغراق سفينة موسكوفا الحربية الروسية، جراء إصابتها بصواريخ أوكرانية على الأغلب، قدَّم مثلًا مرئيًا بوضوح للإحراج الذي تتعرض له القوات المسلحة الروسية على أيدي القوات الأوكرانية.

وأمام هذه الخسائر، ترى المجلة الأمريكية أن بوتين دفع ثمنًا باهظًا لقرار الغزو، ومن ثمّ فإنه من منظوره، ستكون أي اتفاقية سلام يجرى إبرامها في المستقبل ولا تمكنه من انتزاع تنازلات كبيرة من أوكرانيا، غير متناسبة مع ما تكبدته روسيا من خسائر في الأرواح والعتاد، وما عانته من عزلة دولية.

وأضافت: "بعد أن حشد بوتين الروس من أجل الحرب، مستعينًا بصراعات رمزية كحرب الاتحاد السوفييتي العظمى ضد ألمانيا النازية، قد لا يرضى بسلام غير مشرف"، مؤكدة أن اعتراف بوتين بالخطأ سيضره سياسيًا، خصوصًا أن الحرب كانت خطأً استراتيجيًا كبيرًا بالنسبة لروسيا.

وأشارت إلى أن بوتين قد يلجأ إلى حرب استنزاف لها مزايا عدة بالنسبة له، فإذا كان سيهزم، يمكنه تأجيل الهزيمة بحرب طويلة، وربما حتى تسليم الصراع المحكوم عليه بالفشل إلى من يخلفه، مشيرة إلى أن ذلك سيتيح لروسيا الوقت، لتجنيد وتدريب مئات الآلاف من الجنود الجدد، ما قد يغير النتيجة، مع إعادة بناء قوته المستنزفة، خصوصًا إذا ظلت ميزانية الدولة الروسية مستقرة.

من الأسباب التي تجعل بوتين يتمسك بطول أمد الحرب أيضًا -حسب المجلة الأمريكية- أنه "ديكتاتور، والديكتاتوريون -في كثير من الأحيان- يتحملون الألعاب الطويلة، أو على الأقل يعتقدون أنهم يستطيعون ذلك"، فضلًا عن أنه قد يعوِّل على التحولات السياسية في أوروبا أو الولايات المتحدة، إذ إن دونالد ترامب قد يحاول إبرام صفقة مع روسيا على حساب "الناتو" إذا أعيد انتخابه عام 2024.

 

الموقف الأوكراني

بالانتقال إلى الموقف الأوكراني، رأت "فورين أفيرز" أن لدى أوكرانيا الأسباب التي تدفعها لعدم التفاوض على وقف إطلاق النار حاليًا وفقًا للشروط الروسية، خصوصًا أنها تشعر بأن أمامها فرصة لتسوية الحرب بشروط أفضل، بعد الأداء المبهر لقواتها بفضل المقاومة والدعم الغربي.

وتوقعت أن تقبل كييف بوقف الحرب وفق شروطها، المتمثلة في خروج القوات الروسية من أراضيها، مشددة على أنها نجحت في إحراز المزيد من التقدم في ساحة المعركة، وصد الهجوم الروسي شرقي أوكرانيا، ومن ثمّ فهي تدرك جيدًا أن أي تنازلات يجب أن يوافق عليها الأوكرانيون، الذين دفعوا ثمنًا باهظًا في التصدي للغزو،

من تدمير بنيتهم التحتية إلى تعرضهم لفظائع شتى على يد الروس بلغت حد الاغتصاب الجماعي، لذلك ستحتاج الحكومة الأوكرانية إلى تقديم صفقة لعامة الناس بشروط مقبولة، تؤكد سيادة البلاد وأمنها.

وتبين المجلة أن أوكرانيا تعلم أن أي اتفاق قد يشمل استيلاء روسيا على جزء أكبر من دونباس من الجزء الذي طوقته روسيا عام 2014، وربما يشمل أيضًا خاركيف وماريوبول، إذ ستسعى روسيا للحصول على تنازلات أكبر بشأن الوضع العسكري لأوكرانيا.

وأشارت إلى أن زيلينسكي وافق على عدم الانضمام إلى "الناتو"، إلا أن نزع سلاح القوات الأوكرانية من شأنه تقييد السيادة الأوكرانية من الناحية النظرية على الأرض، إذ إنه في هذه الحالة يمكن لروسيا في ما بعد أن تستأنف الحرب ضد الجيش الأوكراني "منزوع السلاح" لإنهاء ما بدأته.

أما عن تأثير الحرب طويلة الأمد في القارة الأوروبية، فأكدت المجلة أنها ستكون لها عواقب وخيمة، إذ إن القارة العجوز لن تكون كما كانت (متكاملة وحرة وتعيش في سلام)، بل ستكون داخلها منطقة حرب مشحونة، وستستمر الهجرة الجماعية للاجئين الأوكرانيين، ومع مرور الوقت قد يستقرون في أوروبا، مع ما يمثله ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية هائلة.

كما أكدت أن وجود حرب طويلة الأمد في أوكرانيا، سيفضي إلى تفاقم الجوع العالمي، لأن أوكرانيا وروسيا منتجتان رئيستان للمواد الغذائية كالقمح، مشددة على أن الجوع العالمي رافعة زعزعة الاستقرار في العالم.

وأضافت: "ستواجه كييف العديد من الانتكاسات في حرب ستكون لها عواقب استراتيجية وسياسية وإنسانية بعيدة المدى، ومن ثمّ يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الاستعداد لدعم أوكرانيا على المدى الطويل".