وزير خارجية اليونان يرفض النزول من طائرته بطرابلس.. ما سيناريوهات تأثير الحادث في صراع المتوسط؟

يقول المحلل الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ السياق، إن ما وصفها بحكومة الأمر الواقع التي يرأسها الدبيبة لم يعد يهمها أن تكون في عزلة من العالم، مشيرًا إلى أنها تتحصن وراء الدول الداعمة لها مثل تركيا.

وزير خارجية اليونان يرفض النزول من طائرته بطرابلس.. ما سيناريوهات تأثير الحادث في صراع المتوسط؟

السياق (خاص)

بعد مرور قرابة شهر ونصف الشهر على الاتفاقية الليبية المثيرة للجدل، التي وقَّعتها حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية مع تركيا، والتي أثارت غضب مصر واليونان، عاد الجدل إلى تلك الاتفاقية من جديد، مصحوبًا بأزمة دبلوماسية بين طرابلس وأثينا.

فالاتفاقية الموقعة أوائل أكتوبر الماضي، بين طرابلس وأنقرة للتنقيب عن المحروقات في المياه الليبية، جعلت العلاقات بين طرابلس وأثينا في أدنى مستوى لها، خاصة أن هناك أزمة بين الأخيرة وتركيا بشأن ترسيم الحدود.

 

فماذا حدث؟

وفي ترجمة فعلية لتدني تلك العلاقات، كانت ليبيا على موعد مع تصرف نادر، من وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، الذي هبطت طائرته في مطار معيتيقة بالعاصمة الليبية طرابلس مساء أمس، إلا أنه رفض النزول من الطائرة، بعد أن علم أن وزيرة الخارجية في حكومة الدبيبة منتهية الولاية نجلاء المنقوش هي التي ستكون في استقباله.

وبحسب مصادر ليبية، فإن الوزير اليوناني، الذي كان من المقرر أن يلتقي رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، غادر بطائرته مجددًا مطار معيتيقة، إلى مدينة بنغازي شرقي ليبيا، للقاء القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وعدد من البرلمانيين.

وعن سبب ذلك التصرف، قالت المصادر، إنه يعود لأمرين، الأول أن أثينا تعد حكومة عبدالحميد الدبيبة غير مشروعة، بينما الثاني، تلك الاتفاقية التي وقَّعتها هذه الحكومة مع تركيا قبل نحو شهر ونصف الشهر، التي منحت بموجبها الأخيرة حق التنقيب في المياه الليبية، رغم أنها غير مؤهلة -وفقًا لاتفاق جنيف- لتوقيع اتفاقيات كتلك.

 

هل أصدرت اليونان توضيحًا؟

وزارة الخارجية اليونانية ألقت باللوم -في الحادث الدبلوماسي- على السلطات الليبية، متهمة إياها بـ«التنصل من اتفاق ينص على عدم عقد لقاء بين دندياس والمنقوش»، مشيرة إلى أنه كان من المقرر أن يلتقي وزير الخارجية اليوناني في طرابلس رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي فقط، متجاهلًا الحكومة، قبل أن يتوجه إلى بنغازي.

الأمر نفسه أشار إليه وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، الذي قال في كلمة مصورة أثناء زيارته لمدينة بنغازي، إنه قطع زيارته إلى طرابلس، لأن وزيرة خارجية الحكومة الليبية المؤقتة، «حاولت أن تفرض عليّ لقاءها بوجودها في المطار، لذلك غادرت إلى بنغازي».

وأوضح رئيس الدبلوماسية اليونانية، أن الحكومة المؤقتة الحالية في ليبيا لديها التزام واحد، هو قيادة ليبيا إلى الانتخابات في أقرب وقت، وهو ما لا تفعله، مشيرًا إلى أن اليونان ستبدأ محادثات لترسيم الحدود البحرية مع الحكومة الليبية التي ستشكل بعد الانتخابات.

 

ما موقف "الرئاسي"؟

المجلس الرئاسي، الذي كان من المقرر أن يلتقي رئيسه محمد المنفي، وزير الخارجية اليوناني، أصدر بيانًا أكد فيه، أنه يتواصل مع وزارة الخارجية اليونانية للاستيضاح عن أسباب إلغاء وزير خارجيتها زيارته إلى العاصمة طرابلس.

وأوضح "الرئاسي الليبي"، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، أن المجلس حريص على استمرار العلاقات الودية مع الدول التي تربطها بليبيا علاقات دبلوماسية، ويسعى لتعزيزها على قاعدة الاحترام المتبادل والقواعد الدولية المنظمة للعمل الدبلوماسي، لتجنُّب كل ما يعرقل ويكدر صفو تلك العلاقات، مشيرًا إلى أن اليونان تعد في طليعة تلك الدول، لذلك نحرص على إزالة كل أسباب سوء الفهم وتجنُّب أية حوادث دبلوماسية ورفض أي خطوات تصعيدية.

 

كيف ردت حكومة الدبيبة؟

رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية عبدالحميد الدبيبة، قال إنه لن يسمح بهذه التصرفات تجاه ليبيا وسيادتها، مؤكدًا أن الاحترام المتبادل أساس العلاقة الدبلوماسية مع اليونان، بينما استدعت وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش القائم بالأعمال اليوناني لتوضيح خلفيات الحدث، والسفير الليبي في اليونان للتشاور.

وقالت وزارة الخارجية الليبية -في بيان- إن الوزيرة نجلاء المنقوش كانت عند سلم الطائرة لاستقبال نظيرها اليوناني نيكوس ديندياس، مشيرة إلى أن الأخير رفض النزول من الطائرة قبل مغادرتها من دون أي توضيح. 

وعبَّـرت الوزارة عن استنكارها هذه الخطوة، متعهدة بالرد بالإجراءات الدبلوماسية المناسبة، واصفة مواقف وزير خارجية اليونان حيال ليبيا في الأيام الماضية بـ«الفجة»، وتصريحاته في ما يتعلق بسيادة البلاد بـ«غير المتزنة»، على حد قولها.

 

ماذا بعد مغادرته طرابلس؟

ووصل وزير الخارجية اليوناني إلى بنغازي شرقي ليبيا، عقب رفضه النزول في طرابلس، ونشر صورًا له عبر "تويتر"، تظهر استقباله من طرف مسؤولين في الجيش الليبي.

وأكد الوزير اليوناني -عقب لقائه عددًا من البرلمانيين- امتنانه لرفضهم اتفاقية «الترسيم البحري» التي وقعتها طرابلس وأنقرة عام 2019. كما رفض المذكرة الثانية الموقعة الشهر الماضي، للتعاون المشترك بمجال الطاقة في المتوسط.

ومنذ توقيع حكومة الوفاق الوطني، السابقة في لييبيا، مذكرتي تفاهم عام 2019 مع تركيا، تتعلق إحداهما بالتعاون العسكري والثانية وهي الأكثر إثارة للجدل، بترسيم الحدود البحرية، التي منحت أنقرة «حقوقًا بمناطق واسعة في المتوسط»، توترت العلاقات الليبية مع غربي ليبيا.

وأوائل أكتوبر الماضي، وقَّعت طرابلس وأنقرة اتفاقية للتنقيب عن المحروقات في المياه الليبية، نددت اليونان ومصر سريعًا بها، ما زاد توتر العلاقات مع أثينا.

وقال مجلس النواب الليبي، إن رئيسه عقيلة صالح، التقى الوزير ديندياس، بمدينة القبة شرقي ليبيا، في اجتماع بحثا خلاله تطورات الأوضاع في ليبيا على كل الأصعدة، والسُبل الممكنة للوصول إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب الآجال، للوصول إلى مرحلة من الاستقرار تُحقق آمال وتطلعات الشعب الليبي.

 

هل يزيد الحادث عزلة الدبيبة؟

يقول المحلل الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن ما وصفها بـ«حكومة الأمر الواقع» التي يرأسها الدبيبة لم يعد يهمها أن تكون في عزلة من العالم، مشيرًا إلى أنها «تتحصن وراء الدول الداعمة لها مثل تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا ومالطا».

وأوضح المحلل الليبي، أن حكومة الدبيبة ترى أن بقاءها مرهون بتركيا على المستوى الليبي، لأن لتركيا وجودًا عسكريًا قويًا شمالي غرب ليبيا.

وعن إمكانية أن يؤثر ذلك الحادث الدبلوماسي في علاقات أثينا وطرابلس، قال المحلل الليبي، إنه ليست هناك علاقة حقيقية بين اليونان وحكومة الدبيبة التابعة لتركيا، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة ربما بددت أوهام اليونان عن جدوى التواصل مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الذي كان سفيرًا لليبيا لديها.

وأشار إلى أن اليونان تعلقت بـ«خيط الوهم» الممثل في المنفي، لأن الأخير اختار اليونان سكنًا له ولعائلته، بعد انتهاء مهمته في ليبيا، إلا أنها اكتشفت أن وزن محمد المنفي «لا يساوي وزن البعوضة أمام تغول حكومة الدبيبة وعبث وزيرته للخارجية نجلاء المنقوش»، على حد قوله.

 

كيف يؤثر الحادث في صراع المتوسط؟

يقول المحلل السياسي الليبي العربي الورفلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن هناك صراعًا أزليًا بين اليونان وتركيا، على خلفية النفود في منطقة حوض البحر المتوسط وترسيم الحدود البحرية، مشيرًا إلى أنه صراع على ثروة الغاز.

وأوضح المحلل الليبي، أن العلاقات اليونانية اللييية كانت «ممتازة»، لكنها تدهورت بسبب التدخل التركي في الغرب اللييي وتوقيع مذكرات التفاهم التركية مع حكومة السراج السابقة، التي منحت الحق لتركيا للتنقيب عن الغاز بالقرب من السواحل الليبية، ما أزعج أثينا، التي طالبت ببطلان الاتفاقيات المبرمة.

وأشار إلى أن اليونان تبذل جهودًا للحفاظ على حدودها البحرية، وهو الهدف الذي من أجله جاءت زيارة الوزير اليوناني، مشيرًا إلى أنه  عندما علم بوجود وزيرة الخارجية اللييية في استقباله ألغى الزيارة، لكونه يعلم أن نجلاء المنقوش لا تتحرك من تلقاء نفسها، بل تحركها دوائر تركية.

 

هل يحسم الصراع؟

وعن إمكانية حسم الصراع في المتوسط، قال المحلل الليبي، إن الصراع مستمر، مشيرًا إلى أن تركيا تحاول تحقيق أهدافها بالسيطرة على مناطق قبالة الساحل اللييي والتنقيب عن الغاز، ما أزعج دولًا كثيرة منها مصر واليونان وإسرائيل، التي تحاول إلغاء أو عرقلة الاتفاقية البحرية الموقعة بين ليييا وتركيا.

الأمر نفسه أشار إليه المحلل الليبي كامل المرعاش، الذي قال إن صراع المتوسط معقد وبه العديد من الأطراف، وتتداخل فيه المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للطاقة، مشيرًا إلى أنه ليس من السهل حله في المستقبل القريب.

وأوضح المحلل الليبي، أن نجاح تركيا في توقيع اتفاقات مع حكومتي السراج والدبيبة سيمنحها قوة تفاوضية فقط مع الآخرين، لكنه لن يؤدي حتمًا إلى تمتع تركيا بمخزونات الغاز المهمة في هذه المنطقة.

وأشار إلى أن تركيا لن تستطيع بدء التنقيب في المنطقة البحرية الاقتصادية الليبية، قبل التوصل مع البلدان الأخرى لاتفاق، وهو احتمال بعيد المنال، مطالبًا حكومات ليبيا بألا تتورط في أي اتفاق مع تركيا أو غيرها وهي في حالة ضعف وانقسام، حتى تستطيع المحافظة على حقوقها، التي تقتضي بأن تكون دولة كاملة السيادة وقوية، للتفاوض مع الدول المتجاورة جغرافيًا معها، التي ليست من بينها تركيا.