بعد الضربة الصاروخية على بولندا... هل يفعِّل الناتو المادة 4؟؟
تنص المادة 4 على أنه يمكن الدعوة للتشاور عندما يشعر أي عضو في حلف شمال الأطلسي بأن وحدة أراضيه أو استقلاله السياسي أو أمنه معرضة للخطر.

ترجمات - السياق
سلَّطت الضربة الصاروخية، التي استهدفت منطقة بولندية قرب الحدود مع أوكرانيا، الضوء على خطر تصعيد الحرب الدائرة منذ فبراير الماضي، ورغم أن وارسو أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فإنه من غير المرجح أن يدخل الحلف في رد فعل، لحين التأكد من مصدر الهجوم، وفق هنري فوي، الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي والسياسي الروسي.
كانت بولندا أعلنت رفع درجة التأهب لوحداتها العسكرية، عقب سقوط صاروخين على أراضيها، قالت إنهما تابعان للقوات الروسية.
وفي حين نفت موسكو هذه الاتهامات، عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن اجتماعًا طارئًا مع زعماء الدول الحليفة لواشنطن والمشاركين في قمة العشرين بإندونيسيا، لبحث تطورات الأوضاع.
وأوضح البيت الأبيض أن "الطاولة المستديرة" عُقدت بعد وقت قصير بمشاركة بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة في بالي، حيث يوجد زعماء هذه الدول لحضور قمة مجموعة العشرين للاقتصادات الكبيرة في العالم.
أتت هذه القمة الطارئة، بعدما تحدث الرئيس البولندي أندريه دودا إلى الرئيس الأمريكي، الذي تعهد بإرسال "خبراء أمريكيين للمساعدة بالتحقيق في موقع هذا الحادث المأساوي".
وقال رجال إطفاء بولنديون، إن شخصين قُتلا في انفجار بمنطقة برزيودوف شرقي البلاد، على بُعد نحو 12 كيلومترًا من الحدود مع أوكرانيا.
كان الرئيس البولندي قد قال إنه من "المرجح للغاية" أن يطلب مندوب بولندا لدى حلف شمال الأطلسي، إجراء مشاورات عاجلة بموجب المادة 4 من ميثاق الحلف، خلال اجتماع مع مندوبي دول الحلف الآخرين في بروكسل الأربعاء.
وتنص المادة 4 على أنه يمكن الدعوة للتشاور عندما يشعر أي عضو في حلف شمال الأطلسي بأن "وحدة أراضيه أو استقلاله السياسي أو أمنه" معرضة للخطر.
تحول الصراع
ويرى هنري فوي -في تحليل لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية- أن الضربة الصاروخية التي استهدفت إحدى القرى البولندية القريبة من الحدود الأوكرانية، مساء الثلاثاء الماضي، فتحت الباب أمام أكبر مخاوف الحرب في أوكرانيا، وهو أن يتحول الصراع إلى مواجهة أوسع بين موسكو وحلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة.
ففي الساعة 15.40 بالتوقيت المحلي من مساء الثلاثاء، أصاب صاروخ قرية برزيودوف بالقرب من الحدود الجنوبية الشرقية لبولندا مع أوكرانيا، ما أسفر عن قتل شخصين، قالت وسائل الإعلام المحلية إنهما من عمال المزارع.
وأفاد الكاتب، بأن هذا الجزء من بولندا تفاعل بشكل أو بآخر مع الحرب، منذ أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو واسع النطاق لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، حيث استُغل لنقل ملايين اللاجئين الفارين من الصراع، وفي الاتجاه الآخر، نقل مليارات الدولارات من المعدات العسكرية الغربية لمساعدة أوكرانيا في القتال.
ومن ثمّ -حسب الكاتب- فقد أدى انفجار الثلاثاء إلى وصول الحرب مباشرة إلى الأراضي البولندية لأول مرة، في تذكير بالتهديد الهائل بالتصعيد الناجم عن الصراع، ومدى خطورة اقتراب أوروبا من حرب بين أكبر قوتين نوويتين في العالم.
وفي أعقاب الفوضى الأولية للحادث، تباينت الاتهامات عن المسؤول ورائه، وقال تقرير لوكالة أسوشيتيد برس الأمريكية، نقلاً عن مسؤول استخباراتي أمريكي كبير، رفض ذكر اسمه: إن الانفجارات نجمت عن صواريخ روسية عبرت الحدود إلى بولندا، إلا أن هذا التفسير بدأ يتفكك ببطء.
فمن جانبها، رفضت القنوات الأمريكية الرسمية تأكيد قصة وكالة الأسوشييتد برس، ثم قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه "من غير المحتمل" إطلاق الصاروخ من روسيا.
صباح الأربعاء، قالت المعلومات الاستخباراتية المشتركة، في اجتماع طارئ لمسؤولي حلف الناتو ومجموعة السبع، إنه قد يكون صاروخ دفاع جوي أوكراني أُطلق على قذيفة روسية قادمة، إلا أنه أخطأ الهدف وسقط في الأراضي البولندية.
ماذا لو؟
وعن خطورة إثبات وقوف روسيا وراء الهجوم، والرد المتوقع من "الناتو"، بيّن هنري فوي، أنه إذا خلص المحققون إلى أن الصاروخ أطلقته روسيا، ستكون هذه المرة الأولى التي تضرب فيها القوات المسلحة الروسية أراضي "الناتو" منذ بدء الغزو.
وأشار إلى أنه "سواء كان ذلك متعمدًا أم لا، فإن ذلك من شأنه أن يضطر بـ "الناتو" لاتخاذ قرار بالغ الأهمية"، لافتًا إلى أنه لدى التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة بند دفاع متبادل، إذا تم تفعيله، يدعو جميع الحلفاء إلى الرد على هذا الهجوم، في إشارة إلى (المادة 4 من ميثاق الحلف).
وأوضح، أنه بينما سارع المسؤولون الأوكرانيون إلى اتهام موسكو بالمسؤولية عن الهجوم، كانت تصريحات بولندا ملتبسة، إذ ترك إعلان وارسو عن استدعاء السفير الروسي ردًا على الصاروخ "الروسي الصنع" مجالًا لتفسيرات عدة.
وقال الرئيس البولندي أندريه دودا للصحفيين، بعد اجتماع أمني طارئ للحكومة البولندية: "ليس لدينا دليل قاطع في الوقت الحالي على من أطلق هذا الصاروخ"، مضيفًا: "على الأرجح هو صاروخ روسي الصنع، لكن كل شيء ما زال قيد التحقيق في الوقت الحالي".
والأربعاء، قال الرئيس البولندي: "احتمال كبير جدًا أن الصاروخ الذي سقط داخل حدودنا من الدفاعات الأوكرانية"، مضيفًا: "لا مؤشرات على أن الصاروخ ناجم عن هجوم متعمد".
في المقابل، نفت وزارة الدفاع الروسية مسؤوليتها عن الانفجار، مدعية أن المزاعم بأنها أطلقت الصاروخ كانت "استفزازًا متعمدًا بهدف تصعيد الموقف".
وفي سلسلة من المكالمات -مساء الثلاثاء- بين دودا والقادة الغربيين بمن في ذلك بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ، تكررت الرسالة الحاسمة نفسها، وهي "وقوف الحلفاء إلى جانب بولندا لكنهم أرادوا المزيد من التفاصيل قبل اتخاذ أي قرار".
وقالت وارسو إنها ستطلب خلال اجتماع للناتو، الأربعاء، إجراء مشاورات بموجب المادة 4 من معاهدة التحالف العسكري، التي يمكن الاحتجاج بها عندما "تتعرض سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي أو أمن أي من الأطراف للخطر".
كان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، قال في مارس الماضي: "إذا أطلقت روسيا رصاصة واحدة على أراضي بلد عضو في حلف الناتو، سيتم تفعيل المادة الخامسة من معاهدة الحلف، وسيجنّد الناتو كل قوته للرد على ذلك".
وتنص المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو على أن "أي هجوم، أو عدوان مسلح ضد طرف منهم (أطراف الناتو)، يعد عدوانًا عليهم جميعًا، وبناءً عليه، فإنهم متفقون على حق الدفاع الذاتي عن أنفسهم، المعترف به في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بشكل فردي أو جماعي، وتقديم المساندة والعون للطرف أو الأطراف التي تتعرض للهجوم".
مشاورات منطقية
ويرى هنري فوي، أن هذه المشاورات منطقية بصرف النظر عن منفذي الانفجار الذي وقع مساء الثلاثاء، لافتًا إلى أن الأراضي البولندية تعرضت للقصف، وقُتل مواطنوها، ومن ثمّ يجب على "الناتو" إظهار الوحدة في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا.
لكن من غير المرجح -وفق الكاتب- أن يستسلم "الناتو" لردود الفعل المفاجئة، موضحًا أن مبدأ "تجنُّب التصعيد" بات المسيطر على كل قوى الحلف.
في الوقت نفسه، أكدت الولايات المتحدة وقيادة "الناتو" مرارًا التزامهما "الصارم" بالدفاع عن "كل شبر" من أراضي الحلف، الأمر الذي كرره بايدن لدودا مساء الثلاثاء، وفقًا للبيت الأبيض.
وحسب الكاتب، تؤكد حادثة الثلاثاء أيضًا أنه في حين أن احتواء الحرب على الأراضي الأوكرانية أولوية سياسية بالنسبة لمعظم حلف الناتو، إلا أنه يعد أمرًا ضروريًا للأمن القومي لأولئك الموجودين على الحدود الغربية للبلاد، الذين لا ينفصل امتدادهم عن التدخل المباشر في أي لحظة.
وأضاف: "من أطلق النار على ماذا ومتى؟... من المحتمل أن يصبح ذلك أكثر وضوحًا بينما تجري بولندا وأوكرانيا وروسيا تحقيقاتهما، لكن هناك شيئًا واحدًا صارخًا بالفعل، هو أن الحرب بين روسيا -المسلحة نوويًا- وحلف شمال الأطلسي، لا يمكن أن تكون سوى خطأ في أي تقدير".