فورين بوليسي: حان الوقت لتفعيل آلية جديدة لمعاقبة إيران
تدرس أوروبا فرض جولة جديدة من العقوبات على إيران بسبب قمعها المميت للمتظاهرين ونقل الأسلحة إلى روسيا.

ترجمات -السياق
بينما تدرس أوروبا فرض جولة جديدة من العقوبات على إيران، بسبب قمعها المميت للمتظاهرين ونقل الأسلحة إلى روسيا، رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن هناك أداة عقابية موجودة بالفعل، وسيؤدي تفعيلها إلى توجيه رسالة لا لبس فيها إلى طهران.
ووفقًا للمجلة، فإن بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بصفتهم مشاركين أصليين في الاتفاق النووي الإيراني، فإنهم يملكون القوة لاتخاذ أهم خطوة، وهي (إطلاق آلية الزناد الأممية)، في إشارة إلى أن العقوبات موجودة بالفعل ولكن في السجلات الأممية، ومن ثمّ تحتاج إلى من يُفعلها.
يذكر أن "آلية الزناد"، هي آلية الضغط القصوى، التي فُرضت خلال السنوات الماضية على طهران، لعدم التزامها ببنود الاتفاق النووي، لاسيما منذ عام 2018 إثر الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية.
وذكَّرت المجلة، في تحليل لـريتشارد غولدبرغ وأندريا ستريكر من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بعدد من العقوبات الدولية السابقة على طهران، مشيرة إلى أن مجلس الأمن كان قد فرض عام 2006 عقوبات دولية وقيودًا تصاعدية على إيران، خوفًا من مساعيها النووية وأنشطتها الصاروخية، لافتة إلى أن هذا الحظر حرّم نقل الأسلحة والأخرى التقليدية، بما في ذلك المسيّرات، داخل إيران وخارجها.
كما فرض حظر الصواريخ القيود نفسها على الأنظمة والمكونات المرتبطة بالصواريخ.
وحسب المجلة، دعت قرارات أممية عدة إيران إلى وقف أنشطتها المتعلقة بالتخصيب النووي، ومنعتها من اختبار صواريخ قادرة على نقل رؤوس نووية.
إضافة إلى ذلك، وضع مجلس الأمن قائمة عقوبات دولية على المرتبطين بأنشطة إيران النووية والصاروخية، وشجع على عزل النظام دوليًا، إلا أن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 قلب إطار عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
فقد حدد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، الذي صدق على الصفقة، انتهاء حظر الأسلحة عام 2020 وانتهاء حظر الصواريخ والعقوبات الفردية عام 2023.
ومن المقرر أيضًا خلال عام 2024، أن تنتهي القيود النووية الرئيسة المفروضة على إيران، فضلًا عن أن القرار خفّف من حظر الأمم المتحدة على تجارب إيران الصاروخية.
آلية الزناد
وتابعت "فورين بوليسي": "لكن قرار مجلس الأمن هذا جاء أيضًا بآلية الزناد، وهي وسيلة للأطراف الأساسية في الاتفاق النووي -الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا- لإعادة فرض جميع العقوبات الأممية على طهران إذا انتهكت التزاماتها.
وأوضحت المجلة الأمريكية، أنه مع قيام إيران اليوم بتدوير عدد كافٍ من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب، يكفي لتصنيع قنابل نووية عدة، يمكن لأي طرف في أي وقت إخطار مجلس الأمن بأن إيران تخرق التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، لافتة إلى أن ذلك سيطلق فترة 30 يومًا قبل أن تعود القرارات السابقة وقيودها إلى حيز التنفيذ.
أمام ذلك -حسب المجلة- تتمتع روسيا والصين بفرصة عرض قرار آخر صادر من مجلس الأمن لوقف آلية الزناد، لكنه سيتعرض لحق النقض الذي تمتلكه الدول الأخرى الدائمة العضوية في المجلس: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
وأشارت إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حاولت تفعيل آلية الزناد في أغسطس 2020، لكن أعضاء مجلس الأمن الآخرين اعترضوا على ذلك، على أساس أن واشنطن فقدت الحق في بدء الآلية عندما انسحبت من الاتفاق عام 2018.
بينما ألغت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن خطوة إدارة ترامب، بعد فترة وجيزة من توليه منصبه عام 2021، لكنها ذكرت -الأسبوع الماضي- أن لندن وباريس وبرلين قادرة على المضي قدمًا في تلك الآلية.
ولفتت المجلة الانتباه إلى أن إطلاق دولة واحدة الآلية أمر كافٍ، لفتح المجال أمام محاسبة إيران على انتهاكاتها الأخيرة، خصوصًا مع اقترابها من صُنع السلاح النووي، فضلًا عن دعمها لروسيا بالطائرات من دون طيار، في تحدٍ واضح للإرادة الدولية.
وأشارت إلى أنه بإمكان رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك، الذي تقول التقارير إنه يدعم إجراءات قاسية بحق إيران، بينها آلية الزناد أن يبدأ المسار.
وبينت أنه مع تسارع برنامج طهران النووي، وتعرض المتظاهرين للمجازر ونشر المُسيّرات والمستشارين العسكريين الإيرانيين في أوكرانيا، وبعد وصف مبعوث أمريكي، الاتفاق النووي الإيراني بالميت، سيكون اتخاذ سوناك لموقف قيادي في هذا الإطار أكثر من مبرر.
عزل إيران
ورأت "فورين بوليسي" أنه إلى جانب الإشارة القوية التي سيوجهها إلى النظام في طهران، فإن إكمال آلية الزناد ستكون لها فوائد أساسية أخرى، منها أن الحظر الأممي على الأسلحة سيعود، والحظر على الصواريخ سيبقى، ومن ثمّ ستكون إيران معزولة على صعيد المجتمع الدولي، مع احتمال توسيع العقوبات التجارية والمالية ضد النظام.
حسب المجلة –أيضًا- سيعاد إحياء مطالب سابقة لمجلس الأمن بوقف إيران جميع أنشطتها التخصيبية والصاروخية القادرة على حمل رؤوس نووية، وهذه الأنشطة أساسية بالنظر إلى استمرار طهران في عدم الامتثال لمعاهدة الحد من الانتشار النووي، ضمنها جهودها لإخفاء منشآت ومواد نووية عن المفتشين الدوليين.
على النقيض من ذلك، فإن إحياء الاتفاق والسماح بإلغاء عقوبات الأمم المتحدة المتبقية يعنيان منح إيران طوق نجاة مالي ينتشلها من ذروة ضعفها الاقتصادي.
وحسب المجلة، فإنه وفق البنود المقترحة للاتفاق النووي الأقصر والأضعف، الذي عرضته الولايات المتحدة على إيران، خلال الأشهر القليلة الماضية، ستحصل طهران على ما يقدر بـ275 مليار دولار كعائدات خلال السنة الأولى، ترتفع إلى تريليون دولار عام 2030.
كما ستحتفظ إيران بالقدرة على توسيع برنامجها لأجهزة الطرد المركزي مع التركيز على انتهاء صلاحية الاتفاق عام 2031.
وتضيف المجلة الأمريكية: "يمكن للنظام تقوية اقتصاده، وسحق الانتفاضات الشعبية، والخروج بقدرة عتبة نووية لا يمكن إيقافها بمجرد قول (نعم) للصفقة المعروضة".
رأي آخر
في المقابل، يزعم مؤيدو الاتفاق النووي في الغرب أن "آلية الزناد" ليست ذات صلة، وأنها خطوة لن توقف تدفق الطائرات من دون طيار والصواريخ من إيران إلى روسيا، أو تضعف النظام في مواجهة الانتفاضة الوطنية، التي اشتعلت مؤخرًا على خلفية قتل فتاة تدعى مهسا أميني على يد الشرطة، بدعوى عدم ارتدائها الحجاب بالشكل اللائق.
وتقول "فورين بوليسي": "لكن حجتهم تتجاهل واقعين أساسيين، أولاً، طالما أن الحكومات الغربية تتحوط في سياساتها للحفاظ على إمكانية إبرام اتفاق مع طهران، فإنها لن تدعم المحتجين أو تحاسب إيران على دعم الحرب الروسية، بينما تمثل "آلية الزناد" تحولًا وطي صفحة عصر استرضاء واستيعاب إيران نحو عصر ضغط ومحاسبة.
ثانيًا -حسب المجلة الأمريكية- تستخدم حكومات عدة قرارات مجلس الأمن كأساس للقوانين والتنظيمات الوطنية، بما فيها عقوبات وإجراءات تنفيذية أخرى ضد إيران".
أمام ذلك، فإن استعادة قرارات سابقة بحق إيران، تمنح تبريرًا لتلك الدول كي توسع الضغط السياسي والاقتصادي، أو على الأقل، كي تفكر مرتين قبل الدخول في تجارة محظورة مع طهران.
كما تدعم العقوبات الدولية -حسب المجلة- أيضًا جهود الإنفاذ العابر للحدود الوطنية، مثل مبادرة أمن انتشار الأسلحة، التي تمكن تحالفات الدول من التحرك لمنع التجارة المرتبطة بالانتشار النووي من إيران وإليها.
ورغم ذلك، فإن إدارة بايدن تزعم أن استعادة الاتفاق النووي لم تعد محط تركيز.
ونقلت المجلة الأمريكية عن مسؤول أوروبي بارز -رفض ذكر اسمه- قوله: إن الاتفاق لم يعد مهمًا بعد اليوم.
بينما في غضون ذلك، يموت الإيرانيون على أيدي النظام، والأوكرانيون يتعرضون لهجمات فتاكة من أسلحة صنعتها إيران، وتم إطلاقها بمساعدة مستشارين عسكريين إيرانيين، لذلك -حسب "فورين بوليسي"- "على الغرب ألا ينتظر أكثر من ذلك، وأن يُشرع في إطلاق آلية الزناد من دون تأخير".