قيس سعيد يرد على أردوغان: تونس ليست ولاية عثمانية
أعربت وزارة الخارجية التونسية عن بالغ استغرابها من تصريح الرئيس التركي بخصوص تونس.

السياق
منعرج جديد في العلاقات التونسية التركية، التي شهدت تطورًا كبيرًا خلال العشرية الماضية، والتي استفادت منها أنقرة لتقوية نفوذها في تونس، إبان فترة حكم حركة النهضة الإخوانية للبلد الإفريقي.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أصبح لبلاده نفوذ كبير في تونس، خلال عشرية الإخوان، استنكر قرار الرئيس التونسي قيس سعيد بحل البرلمان، الذي تهيمن عليه حركة النهضة، واصفًا إياه بـ«التشويه للديمقراطية» وبأنه ضربة لإرادة الشعب التونسي.
وأعرب أردوغان، في تصريحات صحفية، مساء الثلاثاء، عن آماله بـ «ألا تؤدي هذه التطورات إلى إلحاق الضرر بالمرحلة الانتقالية الجارية نحو إرساء الشرعية الديمقراطية في تونس»، مؤكدًا أن بلاده تولي أهمية لتنفيذ خارطة الطريق المعلنة بشأن الانتخابات.
وشدد الرئيس التركي، على أن «العملية الانتقالية لا يمكن أن تنجح إلا من خلال حوار شامل وهادف تشارك فيه كل فئات المجتمع، بما في ذلك البرلمان الذي يجسد الإرادة الوطنية»، مشيرًا إلى أن بلاده «ستواصل الوقوف إلى جانب تونس وشعبها الشقيق والصديق في هذه المرحلة الحرجة».
كان الرئيس التونسي قيس سعيد أعلن في 30 مارس الماضي، حل البرلمان بدعوى الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، بعد ساعات من عقد أعضاء المجلس النيابي جلسة عبر الإنترنت، الأربعاء.
تدخل غير مقبول
تصريحات الرئيس التركي عن حل البرلمان التونسي، استنكرتها السلطات التونسية، مشيرة إلى أنها «تدخل غير مقبول في الشأن الداخلي للبلاد »، واستدعت السفير التركي.
وأعربت وزارة الخارجية التونسية -في بيان عبر صفحتها بـ «فيسبوك»- عن بالغ استغرابها من تصريح الرئيس التركي بخصوص تونس، مشيرة إلى أنه يتعارض مع الروابط التي تجمع البلدين والشعبين، ومع مبدأ الاحترام المتبادل في العلاقات بين الدول.
وأكدت الخارجية التونسية، أن تونس «بقدر التزامها بثوابت سياستها الخارجية وحرصها على بناء علاقات وثيقة مع الدول الشقيقة والصديقة، قوامها التعاون والتضامن والتشاور والثقة المتبادلة، فإنها تتمسك باستقلال قرارها الوطني، وترفض بشدّة كل محاولة للتدخل في سيادتها وخيارات شعبها، أو التشكيك في مسارها الديمقراطي الذي لا رجعة فيه».
وشددت وزارة الخارجية على أن «تونس دولة حرة مستقلة والشعب فيها هو صاحب السيادة، وهو المخوّل الوحيد لاختيار مسار تحقيق الحرية، التي تحفظ أمنه وتصون كرامته، وتدعم حقوقه وتعزز مكاسبه، وتقطع مع رواسب الماضي ومع مسار الديمقراطية الشكلية، التي لا علاقة لها بإرادة التونسيين».
استدعاء السفير التركي
وفي بيان لاحق، أعلنت وزارة الخارجية التونسية، أن الوزير عثمان الجرندي، أجرى اتصالًا هاتفيًا بنظيره التركي مولود شاويش أوغلو، كما استدعى السفير التركي بتونس إلى مقر الوزارة، على خلفية التصريح الأخير الذي أدلى به الرئيس التركي بشأن الوضع في تونس.
وقال الجرندي، في تغريدة عبر«تويتر»، إنه أبلغ نظيره التركي وسفير أنقرة في بلاده، برفض تونس تصريح الرئيس أردوغان وأنه تدخل في الشأن التونسي، مشيرًا إلى أن علاقات البلدين يجب أن تقوم على احترام استقلالية القرار الوطني واختيارات الشعب التونسي من دون سواه، وأن بلادنا لا تسمح بالتشكيك في مسارها الديمقراطي.
لسنا ولاية عثمانية
الرئاسة التونسية دخلت على خط أزمة تصريحات أردوغان، فالرئيس سعيد قال -اليوم الأربعاء- خلال كلمة من أمام ضريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، إن تونس ليست ولاية عثمانية تنتظر فرمانًا، في إشارة إلى زمن السلطنة العثمانية، التي احتلت العديد من البلدان العربية لسنوات.
وقال سعيد: «نحن لا ننسى مَنْ قدَّموا أنفسهم فداءً لهذا الوطن... وتعلمون موقف الرئيس بورقيبة من أي تدخل أجنبي، رغم المغريات، لكنه لم يفرّط في أي ذرة من الوطن(..) نحن أيضاً لنا سيادتنا واختيارتنا... لسنا إيالةً وعزتنا وكرامتنا قبل كل اعتبار ولا يمكن أن ننتقل من مرحلة إلى أخرى بناءً على الارتماء في أحضان الأجانب».
وأشار الرئيس التونسي إلى أن «ما يحدث اليوم غير مقبول، فالشعب سيقول كلمته بعيدًا عن أي تدخل خارجي»، مؤكدًا أنه «لا عودة إلى الوراء ولا قيمة قانونية للاجتماعات الافتراضية».
وأضاف الرئيس سعيد: «كل ما سيفعلونه مردود عليهم بجميع المقاييس... تم حل البرلمان لأن الأمر صار يتعلق بوحدة الدولة، والشعب التونسي ليس لعبة يمكن تحريكها من وراء الستار، ولا يمكن له أن يقبل بهذه المناورات لأنها تتعارض مع القوانين».
وتعهد الرئيس التونسي، بالمضي قدمًا في التغييرات السياسية في البلاد، قائلً، إن التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة المتوقعة في ديسمبر المقبل، سيكون على الأفراد وليس على القائمات وسيجرى على مرحلتين.
وأكد أن الهيئة المستقلة للانتخابا،ت هي التي ستشرف على الاستحقاق الانتخابي، ولكن ليس بالتركيبة الحالية، مشيرًا إلى أنه سيتم إما تعديل الدستور وإما وضع دستور جديد بناءً على ما يترتب على الاستفتاء المقرر في 25 يوليو.
العلاقات التونسية التركية
دخلت العلاقات الثنائية بين تونس وتركيا مرحلة متطورة عقب أحداث 2010، بعد أن بدأت أنقرة تنظر إلى تونس على أنها أحد محاور الحركة التي يمكن من خلالها تحقيق الاستراتيجية التركية التوسعية بالمنطقة.
وبحسب المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، فإن أنقرة قطعت شوطًا مهمًا في تقديم المساعدات الاقتصادية إلي تونس، فضلاً عما شهده السوق التونسي من إغراق بالبضائع التركية، ما دفع رجال الأعمال التونسيين للضغط على النظام لمواجهة ذلك الإغراق.
وأشار المركز إلى أنه ثمة تأثير أيديولوجي متبادل بين حركة النهضة التونسية وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، خاصة بعد أن أعرب الرئيس التركي مرارًا عن إعجابه بالتجربة الإسلامية التونسية، واعترف بأنه استفاد من أفكار زعيم الحركة، الذي يرى حزب العدالة والتنمية «نموذجًا للنجاح تتبعه بلاده».
وكشفت تحركات راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي المنحل، زعيم الحركة وعدد من أعضائها، تنسيقًا على مستوى عال مع تركيا، في عدد من الملفات الثنائية والإقليمية.
ووجهت زيارات الغنوشي لتركيا بانتقادات شديدة من التيارات العلمانية التونسية، المناهضة للدور التركي في تونس، التي طالبت بعزل الغنوشي عن رئاسة البرلمان عن طريق سحب الثقة منه، لتعديه على اعتبارات الدبلوماسية ومهامه البرلمانية.
وفي 25 ديسمبر 2019، أجرى الرئيس التركي زيارة مفاجئة إلى تونس بعدما أصبح قيس سعيد رئيسًا، في محاولة من أردوغان لتقديم الدعم العسكري للجيش التونسي، في ظل تزايد أعباء المهام مراقبة الحدود وحمايتها، ومكافحة الإرهاب والتهديدات غير التقليدية في السنوات الماضية.
إلى ذلك، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، أن التصويت في الانتخابات البرلمانية المتوقعة في ديسمبر المقبل سيجرى على مرحلتين، وسيكون على الأفراد وليس على القوائم، كما كان الحال في الانتخابات السابقة.
وأكد سعيد أن الهيئة المستقلة للانتخابات، هي التي ستشرف على الانتخابات، ولكن ليس بالتركيبة الحالية.
إقصاء الإخوان
من جهة أخرى، بدأ الرئيس التونسي قيس سعيّد مشاورات موسعة مع فعاليات سياسية، تحضيرًا للحوار الوطني المرتقب، ضمن خطوات بناء الجمهورية الجديدة، بعد تحركه الأخير الذي حل من خلاله البرلمان المجمّد منذ أكثر من ثمانية أشهر.
وقال قيس سعيد إن الحوار انطلق ولن يشارك فيه "اللصوص والانقلابيون"، في إشارة إلى زعيم الإخوان راشد الغنوشي، الذي تمرد على قوانين البلاد ونظّم جلسة عبر الإنترنت في البرلمان المنحل.
وأضاف أن الحوار سيجرى بناءً على نتائج الاستشارة الوطنية إلكترونيًا، التي أُعلنت نتائجها الأولية قبل أيام، وأشارت إلى أغلبية مؤيدة للنظام الرئاسي.
وشدد على أن "اللصوص لابد من محاسبتهم وتطهير البلاد من هؤلاء الذين عبثوا بمقدراتها وسالت الدماء، وليتذكروا كيف سالت دماء الشهداء من الأمنيين والعسكريين والأبرياء المدنيين... لا مجال للإرهاب وسنتصدى بكل قوة لكل مَنْ يحاول ضرب السيادة التونسية أو المس باستقلالها".
وعن آليات الإعداد للحوار، كشف رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، عقب لقائه الرئيس سعيّد، أن "الحوار سيشمل كل القوى المدنية الوطنية والأحزاب التي ليس لها ماض في العشرية الأخيرة، ولم تسهم في الوضع السيئ للبلاد ولا تتحمل مسؤولية الوضع الراهن"، في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية وائتلاف الكرامة والأحزاب الموالية لهما.