بيان الخريف... مستقبل قاتم ينتظر الاقتصاد البريطاني
خلال ثمانية أسابيع تحوَّلت بريطانيا من إجراء أكبر تخفيضات ضريبية منذ 50 عامًا، إلى حزمة الإجراءات الأكثر صرامة، لزيادة الإيرادات وقيود الإنفاق، لأكثر من عشر سنوات

ترجمات - السياق
رأت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن مستقبلًا قاتمًا ينتظر الاقتصاد البريطاني، ما لم توضع استراتيجية مناسبة تنقذ البلاد من هذا المصير المحتوم، مشيرة إلى أن "بيان الخريف" الذي أصدره وزير الخزانة جيريمي هانت، كان مخالفًا تمامًا للميزانية "المصغرة" التي وضعها سلفه كواسي كوارتنغ، "لدرجة أن البعض تصور أن حزبًا مختلفًا قد وصل إلى السلطة".
وأشارت إلى أنه رغم أن "بيان الخريف" يساعد في استعادة المصداقية المالية، إلا أن بريطانيا لا تزال بحاجة إلى استراتيجية نمو مناسبة.
كان وزير الخزانة البريطاني جيرمي هانت أعلن خططه لجمع 24 مليار جنيه استرليني وتقليص دعم فواتير الطاقة، إضافة إلى تخفيضات في الإنفاق بنحو 30 مليار استرليني، في إطار خطته المالية للخريف.
ونقلت صحيفة إيفيننغ ستاندارد البريطانية دعمه الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، لمساعدته في تجاوز أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة مع تمويل إضافي قصير الأجل لخدمات الرعاية الصحية والمدارس والرعاية الاجتماعية.
وكُشف عن الحالة المزرية للاقتصاد، من خلال الأرقام الرسمية التي تنبأت بمستويات التضخم السنوي بأكثر من 7% العام المقبل، عندما كان من المقرر أن ينكمش الاقتصاد 1.4% وكان معدل البطالة يرتفع من 3.6% إلى 4.9%.
وفي بيان الخريف الذي وُصف بأنه حاسم لاقتصاد بريطانيا، قال هانت: "اليوم نقدِّم خطة لمعالجة أزمة تكلفة المعيشة وإعادة بناء اقتصادنا، أولوياتنا الاستقرار والنمو والخدمات العامة، نحن أيضًا نحمي المستضعفين لأن كونك بريطانيًا يعني أن تكون رحيمًا، وهذه حكومة محافظة وعطوف".
كان الدواء المرير في "بيان الخريف" يهدف إلى خفض التضخم الذي وصل إلى 11.1% في أكتوبر، وهو أعلى مستوى في 41 عامًا.
واهتز اقتصاد المملكة المتحدة بسبب حرب أوكرانيا، ووباء كورونا، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والميزانية المصغرة الكارثية، التي قدَّمها وزير الخزانة في الحكومة السابقة كواسي كوارتنغ.
إجراءات أكثر صرامة
وبينت "فايننشال تايمز" أنه خلال ثمانية أسابيع تحوَّلت بريطانيا من إجراء أكبر تخفيضات ضريبية منذ 50 عامًا، إلى حزمة الإجراءات الأكثر صرامة، لزيادة الإيرادات وقيود الإنفاق، لأكثر من عشر سنوات.
ورأت أن أن رد فعل السوق يشير إلى أن عملية "شد الحزام" التي تبلغ قيمتها 55 مليار جنيه استرليني، تمكنت من تهدئة المستثمرين.
ومع ذلك -حسب الصحيفة البريطانية- كان اللافت للانتباه النظرة القاتمة للاقتصاد البريطاني، التي جاءت في بيان الخريف، حيث سجلت مستويات المعيشة أكبر انخفاض لها منذ ستة عقود.
بينما أشار البيان إلى أن الاقتصاد البريطاني سيستعيد مستواه الذي كان عليه قبل وباء كورونا فقط بحلول نهاية عام 2024.
وتعلق الصحيفة على ذلك بالقول: "حتى لو استقرت الأوضاع المالية للبلاد، ستظل مشكلات النمو في بريطانيا مزمنة".
وأوضحت، أنه كان على هانت أن يتخذ ما يكفي من إجراءات لإقناع الأسواق بأنه جاد بشأن ضبط أوضاع المالية العامة.
وأشارت الافتتاحية إلى أن استعادة المصداقية جاءت في الطريقة التي أدلى بهما هانت بالبيان، ما أقنع المستثمرين بأن وزير الخزانة ورئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك يتسمان بالجدية.
وبالفعل، فقد أكد خطاب هانت -حسب الصحيفة- دعم جهود بنك إنجلترا لمكافحة التضخم واستقلاليته واحترامه للرقابة المالية.
عبء على النمو
وترى "فايننشال تايمز" أن تأجيل الجزء الأكبر من تقليل النفقات حتى عام 2025 وتحقيق ما يقرب من نصفه، من خلال الزيادات الضريبية، أمر منطقي سياسيًا واقتصاديًا.
وأشارت إلى أن تخفيضات الإنفاق لها عبء أكبر على النمو، وسيساعد تأجيلها في تخفيف الركود الذي بدأ بالفعل.
أمام ذلك، تواجه عملية الفصل المرحلي، معضلة لحزب العمل، بشأن ما إذا كان سيلتزم بتخفيضات مماثلة في الإنفاق خلال الانتخابات، التي من المرجح أن تجرى عام 2024، وتترك مجالًا للوقائع الاقتصادية لتصبح أقل كآبة من التوقعات.
ويدعي حزب العمال أن المملكة المتحدة عالقة في "حلقة الهلاك المحافظ من بيانات الطوارئ"، وفق ما جاء على لسان بات مكفادين، سكرتير الظل الرئيس لوزارة الخزانة، في مقابلة مع شبكة سكاي نيوز.
وقال مكفادين: على جيريمي هانت أن يبدأ بيانه الخاص بالخريف بقبول أن الميزانية المصغرة كانت خطأ.
وتوضح الصحيفة أنه مع بلوغ التضخم أعلى مستوى له في 41 عامًا -عند 11.1 بالمئة في أكتوبر الماضي، وما زال من المرجح أن ترتفع أسعار الفائدة- أصبحت الأسر والشركات في بريطانيا في وضع لا يمكنها من تحمل إجراءات تقشف كبيرة على المدى القريب.
وبينت أن ضمان ارتفاع الفوائد والمعاشات، بما يتماشى مع التضخم، وفرض الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة والأثرياء، سيخفف العبء على الضعفاء، مضيفة: "كان توسيع حزمة دعم الطاقة، وإن كان على أساس أقل سخاءً، جنبًا إلى جنب مع المنح لمن هم في أمس الحاجة إليها، خطوة ضرورية أيضًا، لمواجهة الأزمات المتلاحقة".
ورغم ذلك، ترى الصحيفة أن بيان الخريف، افتقر بشدة إلى خطط لتعزيز النمو المحتمل.
وأفادت بأن خطط تجميد الإنفاق الرأسمالي بعد عام 2025 -ما يعني خفضًا كبيرًا مما كان مخططًا له- ستؤدي إلى خسائر فادحة، لافتة إلى أنه لم يعلن -حتى الآن- تعزيز الاستثمار التجاري الضعيف، الذي لا يزال يمثل استنزافًا كبيرًا للإنتاجية.
كانت الحكومة البريطانية، أقرت بالحاجة الملحة لإعادة العمال غير النشطين إلى القوة العاملة، التي لا تزال أصغر مما كانت عليه قبل الوباء، لكنها لم ترق إلى مستوى السياسات المطلوبة.
وشددت الصحيفة على أنه "يجب على الحكومة تطوير خطة جادة وذات مصداقية لنمو الاقتصاد البريطاني مرة أخرى، وإذا فشلت في ذلك، سوف تتخلى عن أي أمل ضئيل قد تحتفظ به في الفوز بالانتخابات المقبلة وتترك بريطانيا في مواجهة سنوات من التقشف المؤلم والركود".
ووفق الصحيفة، كان السبب المباشر الذي دفع إلى إعلان زيادات ضريبية وخفض الإنفاق هو التضخم الذي كان من إرث الوباء، الذي تسببت فيه حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، لكن الوضع تفاقم بسبب الأضرار التي لحقت بمصداقية بريطانيا من قِبل كوارتنغ وخطط خفض الضرائب غير الممولة لرئيسة الوزراء السابقة ليز تروس.
نهاية المطاف، وصلت المملكة المتحدة إلى حيث هي، من خلال دورة التعزيز الذاتي من اتخاذ القرارات السيئة والنمو الهزيل، التي يجب أن يتحمل المحافظون -في السلطة 12 عامًا- الكثير من اللوم بشأنها.
أيضًا -حسب الصحيفة البريطانية- من الأسباب التي تسببت في تراجع الاقتصاد البريطاني، صفقة بريكست الصعبة، التي أسهمت في إضعاف الصادرات أمام الواردات، ما أسهم بدوره في تراجع قيمة العملة البريطانية (الاسترليني).