معركة صعبة... ماكرون يقاتل لإصلاح المعاشات التقاعدية

تحاول حكومة ماكرون إحياء حملته للإصلاح الاقتصادي، وتحقيق نصر سياسي كبير هذا الأسبوع، بإصلاح شامل لنظام التقاعد، في مواجهة معارضة نقابية شديدة

معركة صعبة... ماكرون يقاتل لإصلاح المعاشات التقاعدية

ترجمات - السياق

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يستعد لمعركة صعبة لتمرير إصلاح المعاشات التقاعدية، مشيرة إلى أن تمرير هذا القانون يُعد اختبارًا لإمكان تنفيذ الرئيس أجندة أعمال ولايته الرئاسية الثانية.

وتحاول حكومة ماكرون إحياء حملته للإصلاح الاقتصادي، وتحقيق نصر سياسي كبير هذا الأسبوع، بإصلاح شامل لنظام التقاعد، في مواجهة معارضة نقابية شديدة، ومن المقرر أن تقدم رئيسة الوزراء إليزابيث بورن بالتفصيل، الثلاثاء، خططًا لجعل الفرنسيين يعملون فترة أطول، على الأرجح برفع سن التقاعد إلى 64 أو 65 من 62 حاليًا.

ومن المقرر أن يمضي الرئيس الفرنسي قدمًا -هذا الأسبوع- بخطته التي وعد بها منذ فترة طويلة، التي لا تحظى بشعبية، لإصلاح نظام المعاشات التقاعدية المكلف في بلاده، من خلال رفع سن التقاعد، رغم المخاطرة بتجدد الاحتجاجات في الشوار،ع ورد فعل عنيف من المعارضين السياسيين.

ورغم المعارضة الشديدة من النقابات العمالية، والشارع الفرنسي، فإنه في محاولة لكسب الدعم، ستقدم الحكومة أيضًا مواد لإرضاء الغاضبين، مثل زيادة الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية والامتيازات لكبار السن، الذين لديهم وظائف تتطلب جهدًا بدنيًا.

ويثير إصلاح أنظمة التقاعد في فرنسا مظاهرات واحتجاجات أسبوعية منذ أشهر، شلت البلاد نهاية عام 2019 من خلال إضرابات مست خصوصًا وسائل النقل والمواصلات.

نظام التقاعد شديد الحساسية في فرنسا، حيث لا يزال السكان متمسكين بنظام تقاعد قائم على التوزيع، يعد من أكثر الأنظمة التي تؤمن حماية للعاملين في العالم.

ويقوم نظام النقاط الجديد، الذي تريده الحكومة، على دمج الـ42 نظامًا الحالية، ومن بينهما أنظمة خاصة تسمح لسائقي القطارات بالتقاعد مبكرًا وغيرها من مسائل تراعي خصوصيات مهنية.

وتؤكد الحكومة أن النظام المزمع "أكثر عدلًا"، بينما يندد معارضو الإصلاح بـ"انعدام الأمان" الذي يرون أنه يسببه، إذ ينص على تأخير التقاعد مع خفض المعاشات التقاعدية.

 

اختبار صعب

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه مع تهديد النقابات العمالية بالإضراب، حال وضع أي زيادة على سن التقاعد، واستعداد أحزاب اليسار واليمين المتطرف للطعن في الإصلاحات، تتشكل المعركة لتكون اختبارًا لما إذا كان بإمكان ماكرون الوفاء بأجندة ولايته الثانية.

وحسب الصحيفة، أصبحت المعاشات التقاعدية قضية أساسية للرئيس الفرنسي، ورمزًا لطموحاته الإصلاحية وقدرته على سن السياسات، رغم خسارته الأغلبية البرلمانية العام الماضي.

يشغل تحالف ماكرون الوسطي 251 مقعدًا في الجمعية الوطنية -وهو ما يقل عن العتبة البالغة 289 مقعدًا اللازمة لتمرير القوانين- لذا فقد أصبح تمرير التشريعات أكثر صعوبة.

وبينت الصحيفة، أنه حتى حلفاء ماكرون يعترفون بأن المخاطر كبيرة، وأن احتمال حدوث اضطرابات اجتماعية كبير، لأن الأسر تشعر بالضغط الناجم عن ارتفاع التضخم والتباطؤ الاقتصادي.

وتظهر استطلاعات الرأي أن قرابة 70 في المئة من الفرنسيين يُعارضون رفع سن التقاعد.

ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإنه مع حد أدنى سن للتقاعد في الدول الصناعية، تنفق فرنسا أكثر من معظم البلدان الأخرى على معاشات تقاعدية تقارب 14% من الناتج الاقتصادي.

ومع ذلك، فإن تمرير قانون الإصلاح في البرلمان لن يكون سهلاً، حيث يفتقر ماكرون إلى الأغلبية، ويحتاج إلى كسب موقف عشرات المشرِّعين المحافظين، أو استخدام سلطاته الدستورية لتجاوز المجلس، الأمر الذي قد يُغضب المعارضة، ويزيد تفاقم موقف الرأي العام.

ونقلت الصحيفة عن مارك فيراتشي، النائب عن حزب النهضة الذي يتزعمه ماكرون، قوله: "إذا لم يمرر هذا الإصلاح، من المحتمل أن يُزيد ولاية الرئيس الثانية تعقيدًا، حيث يمكن للبعض أن يراها علامة على الضعف، لكنني لا أعتقد أن هذا ما سيحدث، أعتقد أننا سنحصل على شيء ما، حتى لو تغير بعض التفاصيل".

ويُعد تجديد نظام المعاشات التقاعدية في فرنسا من الركائز الأساسية لحملة إعادة انتخاب ماكرون، بعد أن حاول طرح نسخة مختلفة من الإصلاح عام 2019 تخلى عنها خلال جائحة كورونا.

في المقابل، يتمسك الموظفون في فرنسا، بالحق في التقاعد على معاش كامل عند سن 62، وهو دائمًا موضوع حساس للغاية خاصة مع تصاعد الاستياء الاجتماعي، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.

تقول الحكومة إن الإصلاح ضروري لإبقاء الموارد المالية لنظام المعاشات في السنوات المقبلة، لكن نجاحها في تمرير القانون قد يُغير قواعد اللعبة السياسية لماكرون، بعد أن فقد السيطرة على البرلمان، العام الماضي.

 

جدل ماكرون

وحسب "فايننشال تايمز"، يجادل الرئيس الفرنسي بأن رفع سن التقاعد هو السبيل الوحيد للحفاظ على النظام، حيث تنخفض نسبة العمال إلى المتقاعدين في العقود المقبلة، لكنه استبعد مناهج أخرى، مثل زيادة الضرائب وخفض المعاشات أو زيادة الدين العام.

وقال ماكرون للفرنسيين، في خطاب ليلة رأس السنة الجديدة: 2023 سيكون عام إصلاح نظام التقاعد الذي تأخر كثيرًا.

كان إصلاح نظام التقاعد المكلف والمعقد في فرنسا من الركائز الأساسية لبرنامج انتخاب ماكرون، عندما تولى السلطة عام 2017، لكن مقترحاته الأولية أثارت أسابيع من الاحتجاجات وإضرابات النقل، قبل أن تنتشر جائحة كورونا، فما كان من ماكرون إلا أن اضطر لتعليق المبادرة، بعد أن أمر بإغلاق البلاد أوائل عام 2020.

وقال في كلمة متلفزة: "نحتاج إلى العمل فترة أطول" مضيفًا أن الإصلاح سينفذ نهاية الصيف، فالهدف منه "تعزيز نظام المعاشات التقاعدية، الذي إذا لم نفعل شيئًا، سيكون عُرضة للتهديد لأننا سنعتمد على الديون لتمويله".

وحثَّ ماكرون، الذي فاز بولاية رئاسية ثانية في أبريل، لكنه خسر أغلبيته الصريحة في البرلمان في يونيو -ما جعل تنفيذ الإصلاحات أكثر صعوبة بالنسبة له- الفرنسيين على الوحدة.

وأوضح ماكرون -منذ فترة طويلة- أنه يريد رفع سن التقاعد، لكن ذلك واجه مقاومة شرسة من النقابات، ووفقًا لاستطلاعات الرأي، لا يحظى هذا المقترح بشعبية كبيرة لدى الجمهور.

وتجادل الحكومة أيضًا بأن رفع سن التقاعد ضروري، لتحسين سجل فرنسا السيئ نسبيًا، في الحفاظ على كبار السن بالقوة العاملة، إذ يبلغ معدل التوظيف لمن تتراوح أعمارهم بين 55 و 64 عامًا، 56 في المئة، مقارنةً بمتوسط 59 في المائة بالاتحاد الأوروبي و61 في المئة عبر مجموعة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للاقتصادات المتقدمة.

وذكرت الصحيفة، أن نحو نصف الفرنسيين فقط ما زالوا يعملون عندما وصلوا إلى سن 62.

 

الإنفاق والديون

وفقًا لتقرير لجنة استشارية للمعاشات التقاعدية الحكومية، من المقرر أن يحقق نظام معاشات الدولة، الذي يعتمد على العمال الذين يمولون استحقاقات المتقاعدين، فائضًا طفيفًا في الميزانية هذا العام.

لكن من المتوقع حدوث عجز في العقد المقبل وما بعده، حيث ينخفض عدد العمال لكل متقاعد من 2.1 عام 2000 إلى 1.7 عام 2020 ومن المتوقع أن يصل إلى 1.2 بحلول عام 2070.

وأضاف التقرير أنه من دون إصلاح، قد يهدد الإنفاق على معاشات التقاعد في النهاية أهداف الحكومة لخفض العجز، ما يعني أن فرنسا ستخالف قواعد سقف ديون الاتحاد الأوروبي.

وحسب "فايننشال تايمز"، يختلف معارضو ماكرون مع تشخيصه وعلاجه للمعاشات التقاعدية، فبينما تطالب الأحزاب اليسارية بخفض سن التقاعد إلى 60 ورفع الضرائب لتمويله، أعلنت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان "معارضتها المتطرفة" لرفع سن التقاعد، ووصفت مقترحات ماكرون بأنها "غير عادلة وغير فعّالة بشكل رهيب"، خاصة بالنسبة للعاملين من ذوي الياقات الزرقاء "العمال" الذين يبدأون العمل في سن مبكرة.

أما حزب المعارضة الوحيد، الذي أبدى انفتاحًا على دعم مشروع قانون ماكرون، فهو حزب الجمهوريون المحافظ، الذي طالما دافع عن رفع سن التقاعد إلى 64 أو 65 لتعزيز المالية العامة.

لكن في اجتماع مع رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، الجمعة، طرح أوليفييه مارليكس، الذي يرأس مجموعة إل آر المؤلفة من 62 نائبًا في الجمعية الوطنية، مطالب محددة يجب تلبيتها لتأمين أصواتهم.

وشملت المطالب رفع سن التقاعد إلى 64 بدلاً من 65، مع إطالة وقت العمل تدريجيًا للحصول على معاش تقاعدي.

وتطالب المجموعة أيضًا بزيادة الحد الأدنى للمعاشات الشهرية إلى قرابة 1200 يورو من نحو 900 يورو وتطبيق التغيير على المتقاعدين الحاليين والمستقبليين.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن مارليكس قوله: "أخبرت رئيس الوزراء، إما أن هذا سوف يمر بأصواتنا وإما لن يمر على الإطلاق".

وبينت "فايننشال تايمز" أنه إذا لم يتوصل إلى اتفاق مع مجموعة إل آر، من المرجح أن تلجأ الحكومة إلى تمرير مشروع قانون المعاشات بمرسوم، باستخدام المادة 49-3 من الدستور.

وتسمح هذه المادة المثيرة للجدل، للحكومة بتمرير قانون مرة واحدة في السنة، من دون أن يصوت عليه أعضاء الجمعية الوطنية.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التكتيك، الذي نادرًا ما يستخدم، يسمح للحكومات بتجاوز البرلمان، لكنه يسمح أيضًا للمعارضة بالرد بحجب الثقة.

يذكر أن حكومة ماكرون استخدمت هذه المناورة الدستورية 10 مرات في مشاريع القوانين المتعلقة بالميزانية منذ يونيو.

بينما قال وزير العمل أوليفييه دوسوبت لصحيفة لو باريزيان الأسبوع الماضي: "هدفنا ليس تفعيل المادة 49-3، ولكن بناء إجماع على تصويت الأغلبية".