اللبنانيون... تحت رحمة قطاع مصرفي مفلس...!

يواجه لبنان أزمة اقتصادية حادة وخصوصا أزمة السيولة التي يشهدها قطاع البنوك

اللبنانيون... تحت رحمة قطاع مصرفي مفلس...!
أزمة لبنان الاقتصادية تتفاقم

لم يتمكن المودعون، لدى البنك في لبنان، من سحب حيازاتهم من العملات الأجنبية، أو تحويلها إلى الخارج، رغم أن جمود الطبقة السياسية يُدمِّر البلاد.

في أكتوبر 2019، عندما اندلعت احتجاجات غير مسبوقة، ضد السلطة اللبنانية، أغلقت البنوك أبوابها، بقرار من الجهات الأمنية، وذلك ما صُرح به آنذاك.

لكن الحقيقة غير ذلك، لأن القرار المُتَّخذ بغلق البنوك، لم يكن مرتبطًا بأمن البلاد، وإنما بأزمة السيولة، التي شهدها القطاع، أي أن كل القطاع المصرفي، باختصار، كان في حالة إفلاس، وهو لا يزال يرفض الاعتراف بهذا الأمر حتى يومنا هذا.

ورغم أن هذا القرار كان قد اتُّخِذَ باتِّفاق مع السلطة التنظيمية للقطاع، فإنه بمرور الوقت، تبيَّن أن البنك المركزي، لا يتحكَّم في تسيير أموره، لدرجة أنه لا يستطيع تسيير حساباته بشكل دقيق، وكل ذلك ذلك راجع إلى تراكُم ديونه، التي قُدرت بنحو 40 مليار دولار، وفقًا لمؤسسة لازارد، التي صرَّحت بذلك.

في الحقيقة، يجب على المرء أن يكون مُتخصصًا في الاقتصاد والتمويل، كي يستطيع فهم التعقيد، والخطورة التي وصل إليها القطاع، فبالنسبة للمودعين اللبنانيين، لم تكن لديهم إمكانية الوصول إلى حساباتهم بالدولار، في البنوك اللبنانية، والمُقدَّرة بأكثر من 100 مليار دولار، أي ضعف حجم الاقتصاد، قبل الأزمة .

كانت عملية الدولرة، إحدى سمات النموذج اللبناني، الذي انهار اليوم، بسبب المُغالاة المُعتَمدة في تقييم عملة البلاد، لأكثر من عشرين عامًا .

أعادت البنوك فتح أبوابها، لمدة عام ونصف العام، دون أن تعتمد السلطات قانون مراقبة رأس المال، في ما يتعلق بإدارة الأزمات المالية، إذ طُبقت هذه القواعد التقديرية على المودعين، لكنها مكَّنت بعض أصحاب الحسابات، الذين لديهم اتصالات على أعلى المستويات، من سحب مدخراتهم، أو الجزء الأكبر منها، رغم وجود كل تلك القيود، بشكل عام، منذ خريف 2019، وهو اختراق واضح للمساوة في المعاملة، لأن أغلبية المودعين، لم يتمكَّنوا من الوصول إلى أموالهم، ولم يُسمح لهم حتى بتمويل أبنائهم في الخارج، وكل ما استطاعوا فعله، هو سحب جزء من ودائعهم بالدولار شهريًا، وكان هذا السحب يختلف من مؤسسة إلى أخرى، فهناك مؤسسات اشترطت الخضوع لتقدير البنك المركزي، وهناك مَنْ لم تفعل ذلك، والنتيجة، معاناة حقيقية في كل عملية سحب، لأن كل ما يحصل عليه المودعون، جزء قليل من أموالهم، يقدَّر في الحقيقة بـ 70 في المائة مقارنة بالسعر الحقيقي للدولار، لأنهم لا يحصلون على المبلغ كاملًا، نظراً للظروف التي تمر بها البلاد.

ومع كل ذلك، لم يكن هناك مفر، من تحميل المودعين مسؤولية الخسائر المتراكمة في النظام، رغم أن عملية السحب، كان لابد من أن تتم في إطار قانوني، مع تطبيق مجموعة من القواعد التي تنظم توزيعها، بدءًا من المساهمين، وقيل بعدها إن كل ما حدث، كان عبارة عن خُطة اعتمدتها حكومة حسان دياب، التي كانت تنوي الشروع في مفاوضات، مع صندوق النقد الدولي.

أقر رئيس الدبلوماسية الفرنسية، جان إيف لودريان، بعض الوقائع، من بينها ذكره لانفجار ميناء بيروت، وما حدث بعده، إضافة إلى الخسائر المسجلة في القطاع المصرفي، إذ كتب: في مارس 2020، وبتصريح من مؤسسة لازارد، قُدرت الخسائر بأكثر من 80 مليار دولار، أي نحو ضعف حجم الاقتصاد اللبناني، وحينما أُصدر هذا التصريح، أسرعت السلطات إلى إثبات عدم قدرتها على تنفيذ أي قرار، يُرفض من قِبَلِ القادة السياسيين، سواء أكان هذا القرار في المجتمع، أو القطاع المصرفي، أو حتى في البنك المركزي.

في الرابع من أغسطس 2020، كان من المُفترض أن يفسح حسان دياب، الطريق إلى سعد الحريري، وهذا ما كان منتظرًا ،غير أن الحكومة الجديدة، فعلت ما لم يكن متوقعًا، وفاجأت الجميع، بظهورها بشكل مخالف لما كان معتادًا.

والأمر لا يقتصر، على صغار المودعين، الذين يدفعون قبل المساهمين، بل امتد إلى المجتمع كله، وذلك بسبب التخفيض غير المنضبط لقيمة العملة، وهذا ما أكدته الخبيرة الاقتصادية عالية موبيض، التي قالت إن ما يحدث، بسبب الحفاظ على المصالح المباشرة لمساهمي البنوك، وبعض دوائر السلطة، وهذا الأمر أزَّم الوضع أكثر، بدلًا من تنظيف القطاع، فلن يُضخ أموال جديدة، لأن ما هو مطلوب غير كاف، ومع ذلك، فالمبلغ الذي حدَّده البنك المركزي، أقل بكثير من المستوى الحقيقي للخسائر، بحسب "جين رياشي" المدير التنفيذي لبنك FFA عندما طُرح عليه سؤال يتعلَّق بالموضوع، لاسيما أنه أُنفق 60 في المائة من أصول العملات الأجنبية المودعة في بنك لبنان.

وأرسل رياض سلامة، إلى رئيس الوزراء، الذي عُيَّنَ في يوليو 2020، رسالة بخط اليد، من أجل التدخُّل في قضية الميزانية، لكنه لم يتلق حتى الآن بيانات الأزمة المتعلِّقة بالتدقيق الجنائي لمصرف لبنان، الذي كان مسؤولًا عنه.