العراق بعد الانتخابات.. تحديات الأمن والفساد والمحاصصة
النتائج التي كشفت عنها انتخابات أكتوبر، تؤشر على متغيرات مهمة وكبيرة، على مستوى الأرقام والأسماء والعناوين، وسيكون لها دور واضح وملموس في تغيير طبيعة المعطيات، التي تستثمر في صُنع التوازنات السياسية للسنوات الأربع المقبلة

السياق
حملت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية المبكرة في العراق، مفاجآت كبرى، إذ تصدَّر التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الانتخابات، بينما أعلنت قوى موالية لإيران، نيتها الطعن في نتائج الاقتراع، بعد تكبدها خسائر كبيرة، وسط مخاوف من اندلاع عنف، في البلد الذي يبحث عن استقرار بعد سنوات من الحرب والدمار.
"السياق" فتحت نقاشًا بين عدد من الباحثين العراقيين، لقراءة نتائج الانتخابات الأولية، وطبيعة التحالفات المتوقعة لتشكيل الحكومة المقبلة، وهل يمكن أن تنطوي على مفاجأة تتجاوز الجانب الطائفي؟
متغيرات كبيرة
علي الكاتب، المحلل السياسي العراقي يقول لـ"السياق": "إن النتائج التي كشفت عنها انتخابات أكتوبر، تؤشر على متغيرات مهمة وكبيرة، على مستوى الأرقام والأسماء والعناوين، وسيكون لها دور واضح وملموس في تغيير طبيعة المدخلات والمعطيات، التي تستثمر في صُنع التوازنات السياسية للسنوات الأربع المقبلة".
وأشار إلى "غياب قوى رئيسة، ظلت حتى الأمس القريب جزءاً مهمًا في صناعة المشهد السياسي وصعود قوى أخرى، فضلاً عن التفرد الكاسح للتيار الصدري، وابتعاده عن أقرب منافسيه في الفوز، بحسب نتائج الانتخابات المعلنة، سيضع البلاد أمام لاعبين وحلفاء وربما أصدقاء جدد".
وما يمكن التعويل عليه في تلك الانتخابات، بحسب المحلل السياسي العراقي، هو "صعود شخصيات مستقلة وقوى منبثقة من رحم الشارع الاحتجاجي، ورغم قلة المقاعد التي أحرزتها مقارنة ببقية الفائزين، فإن ذلك يؤشر على نقلة في الوعي الجماهيري، وبداية التحول من بوصلة التمذهب والطائفة، باتجاه الأفق والمصلحة الوطنية".
وفي ما يخص التحالفات المتوقعة، قبيل تشكيل الحكومة الجديدة... يقول علي الكاتب: "أعتقد -بحسب متابعتي للمشهدين السياسي والانتخابي في العراق- أن هناك خندقين يسعى كل منهما لصناعة الكتلة الأكبر، التي تؤهل لدخول البرلمان وكسب بطاقة ترشيح منصب رئيس الوزراء، ولكل منهما حظوظه وثقله الانتخابي".
إلا أنه يلفت إلى معطيات أولية، وهي الأقرب إلى الواقع، قائلًا: "إن التيار الصدري الذي حصل على 73 مقعداً، يقترب مزاجاً وبرنامجاً من تحالف تقدُّم الذي يرأسه محمد الحلبوسي، وهي سابقة غير معهودة إذا تحققت، لأن أغلبية ظروف تشكل الكتل الأكبر خلال الانتخابات السابقة، جاءت من تحالف الأصوات ذات اللون المذهبي الواحد بالأساس".
ومن المتوقع -بحسب الكاتب- أن ينضم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي حصد 32 مقعداً، لأنه يعد الحليف الأقرب إلى الصدر والحلبوسي من بقية الأطراف.
حراك مضاد
في جانب آخر، يلفت الباحث العراقي، إلى أن هناك حراكـًا قد يقوده رئيس دولة القانون نوري المالكي، الذي يتحرك بـ 32 مقعداً، بالاقتراب من حليفه التقليدي تحالف الفتح ذي الـ14 مقعداً، ومن ثم حزم الأمتعة باتجاه تحالف عزم، الذي يرأسه الخنجر والاتحاد الوطني الكردستاني.
من جانبه، يقول أحمد الملاح، كاتب وباحث عراقي لـ"السياق": يمكن القول إن الكتلة الأكبر هي الكتلة المقاطعة للانتخابات، نتيجة الوعي الجمعي، بأن تغيُّـر الوجوه لن يغير المنظومة الفاسدة، التي تحكم العراق اليوم.
ويري الملاح، أن تقدُّم التيار الصدري في الانتخابات، نتيجة حتمية للعمل المنظم والحراك الذي اتبعه التيار الصدري منذ عام 2018، وقد خدم التنظيم الصدري العزوف عن الانتخابات، ما جعل فرص وصول مرشحي التيار للسلطة نتيجة لثبات الجمهور.
لافتًا في الوقت نفسه، إلى أن فكرة تشكيل الحكومة في العراق بعد 2003 تعتمد على التوافق الخارجي، بين اللاعبين الأساسيين في الساحة العراقية "إيران وأمريكا" ومَنْ يستطع إقناع الجانبين، من السهل جمع ثلاثية الشيعة والسُّنة والأكراد "الداخلية" بحكومة تحاصصية كما كان.
تغول الفساد
العراق مشكلته الأساسية ليست الطائفية، وإنما "الفساد الذي تغول على مؤسسات الدولة، واستخدم الطائفية كإحدى أوراقه في البقاء والاستمرار"، يقول الباحث العراقي الملاح.
هل يمكن أن تأخذ الحكومة، أيًا كانت تحالفاتها، في الاعتبار كتلة المقاطعة، وتبدأ اتخاذ إجراءات فعلية لمواجهة الفساد المتغول داخل المؤسسات؟
ردًا على ذلك، يقول الباحث العراقي أحمد الملاح: المقاطعة كانت نتيجة عقل جمعي للمجتمع العراقي، وليست حراكًا سياسيًا، له تنظيم وقيادة، ما يجعل إشراكه في الحكومة مستحيلًا.
وفي ما يتعلق بمواجهته، من الصعب الاعتقاد بأن الحكومة الجديدة قادرة على فِعل شيء تجاه الفساد، خاصة أنها ستخضع لشروط المحاصصة، وللأحزاب ذاتها التي صنعت منظومة الفساد في العراق، ما يجعل التفاؤل غير واقع، بحسب الملاح.
نتائج غير متوقعة
"نتائج غير متوقعة"، هكذا يصف إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي بالعراق لـ"السياق" نتائج الانتخابات، التي كانت -حسب قوله- غير متوقعة لدى بعض القوي السياسية، خصوصًا التقليدية.
تعد إيران -حسب القراءة التحليلية لـلشمري- الخاسر الأكبر بفصائلها المختلفة، إذ تراجعت بشكل كبير جدًا، بخسارة تكاد تكون مدوية.
ولفت إلى أن هناك بعض القوى السياسية الكبرى، تراجعت أيضًا بشكل كبير، كما أن تيار الصدر هو الأكثر تنظيمًا، قياسًا بالقوى الشيعية الأخرى وحتى السياسية، والمقاعد التي حصل عليها تبدو أكثر واقعية، خصوصًا أنه لديه جهور ديني عقائدي متماسك، ما أتاح له الحصول على تلك المقاعد.
ويرى الشمري، أن هناك قوى سياسية أخرى، حشدت على أسس مذهبية، ما اضطر العديد من الناخبين الشيعة للتوجه نحو التيار الصدري، إضافة إلى أن هناك عملية ثأر في ما يبدو من الناخب، بعدم انتخاب القوى الشيعية، لأنها فشلت في إدارة الدولة، إضافة إلى أن التيار الصدري كان يعتمد خطابًا شعبويًا يمثل الفقراء في تطلعاته، وبذلك حشد مقاعد متوقعة، قياسًا بالقوى السياسية الأخرى.
ويوضح رئيس مركز التفكير السياسي بالعراق، أن هناك سيناريوهات عدة في ما يتعلق بتشكيل الحكومة، الأول: أن يكون هناك تحالف بين مقتدي الصدر ومسعود برزاني ومحمد الحلبوسي، والسيناريو الثاني، أن يكون هناك تحالف بعيد عن الصدر، بين دولة القانون والقوى الشيعية الصغيرة، مع قوى سنية كقائمة عزم والقائمتين الكرديتين الجيل الجديد، والاتحاد الوطني.
وهناك سيناريو ثالث، بعودة إلى العرف السياسي المتمثل في البيوت السياسية، مثل البيت الشيعي والسُّني والبيت الكردي، عبر تطبيق "نظام المحاصصة" وتوزيع السلطات بين الرئاسات الثلاث "رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان".