أسبوع حافل في ليبيا... مشهد مأزوم ومساعي الحل تتعثر على صخرة المليشيات
المشهد الليبي تأزم أكثر بعد أن رفضت حكومة عبدالحميد الدبيبة المقالة، تسليم السلطة إلى حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، ما جعل شبح سيناريو الحكومتين يطل برأسه مجددًا

السياق
أسبوع حافل بالتطورات السياسية والعسكرية المتسارعة في الملف الليبي، قد تغيِّـر شكل الأزمة الحالية، بعد أن توشك نتائجها على إفراز تحولات جديدة، في مواقف القوى المحلية والغربية، المؤثرة في المشهد.
فالبلد الإفريقي الذي عانى عشرية من الصراعات، أدمت أوصاله، مازال يبحث عن متنفس للخروج من المأزق الحالي، بعد أن كانت عقده أوشكت على الحل، على صخرة التوافق السياسي، الذي حدث بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، قبل أشهر.
إلا أن المشهد تأزم أكثر بعد أن رفضت حكومة عبدالحميد الدبيبة المقالة، تسليم السلطة إلى حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، التي منحها البرلمان الليبي الثقة في مارس الماضي، ما جعل شبح سيناريو الحكومتين يطل برأسه مجددًا، بعد أن تخلصت منه ليبيا، قبل أشهر معدودة فقط.
عراقيل جديدة
أمام هذا المشهد المعقد، أصر الدبيبة على تسليم السلطة لحكومة منتخبة، في خطوة تعجيزية يحاول من خلالها التمسك بالسلطة، ووضع عراقيل أمام تسلم باشاغا مهامه، بينما كان الأخير رافعًا راية عدم دخول العاصمة طرابلس إلا سلمًا من دون إراقة نقطة دماء واحدة.
وما إن طال وقت انتظار دخول طرابلس سلمًا، حتى ضاق باشاغا ذرعًا، وأقدم على دخول العاصمة فجر الثلاثاء الماضي، ما ألقى بكرة لهب في حقل للمتفجرات، وأعادت المدينة، التي تتمركز فيها السفارات الدبلوماسية والمؤسسات السيادية، إلى واجهة التنافس والصراع.
دخول رئيس حكومة الاستقرار العاصمة طرابلس، جعل الدبيبة يدفع بمليشياته لمحاولة إخراجه منها، ما أدى إلى مواجهات قُتل فيها عدد من الطرفين، بينهم مرافق باشاغا، الأمر الذي دفع الأخير إلى الخروج بقواته إلى مدينة سرت، حيث أعدت مقرًا مؤقتًا لحكومته.
تحولات جذرية
خروج باشاغا من طرابلس وعدم تمكنه من السيطرة عليها، وما تلا ذلك من اجتماعات عقدها الدبيبة، ألقت بتحولات جذرية في الأزمة الليبية، فبعد أن كان رئيس حكومة الاستقرار رافضًا دخول العاصمة بالقوة، أصبح السلاح الذي في يديه غير ذي جدوى.
فالرجل الذي أقدم على «مغامرة» دخول طرابلس، خسر فيها الكثير من الدعم الذي كان يؤيده، وباتت محاولته كارثة سياسية عليه، حتى إن بعض مؤيديه بدأ التفكير في سحب تأييده إلى منافسه، الذي أثبت جدارة في عدم التنازل عن العاصمة.
وبحسب مصادر ليبية، فإن حجة باشاغا التي كثيرًا ما رددها، مؤكدًا أنه يحظى بدعم فصائل مسلحة في الغرب الليبي، لاسيما في طرابلس، تحولت ضده، مشيرة إلى أن تراجع رئيس حكومة الاستقرار سيؤدي إلى ضعف موقفه، وقد يعيد لأمد قريب مشهد انقسام الحكومتين إلى ليبيا.
وتوقعت مصادر «السياق»، أن يلجأ الدبيبة إلى خطة التماسك والاستماتة في الدفاع وتقوية نظامه، خاصة بعد أن أرسل رسائل إلى السفارات الغربية، لطمأنتهم على استقرار الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس، بينما لم يستطع باشاغا ذلك.
إشارات عدة
وفي محاولة من الدبيبة لقطع الطريق أمام باشاغا لعدم تكرار المحاولة، قرر إعفاء اللواء أسامة الجويلي من منصبه مديرًا للاستخبارات العسكرية، وكلف مساعد الجويلي بالمهام المنوطة بمدير الإدارة إلى حين تعيين مدير جديد.
وبعد سويعات من أحداث طرابلس، عقد الدبيبة اجتماعًا مع عدد من أعيان وحكماء بلدية مصراتة (مسقط رأسه وباشاغا)، في إشارة إلى أن المدينة التي كان يشاع عنها أنها تؤيد باشاغا، في قبضته.
ولم يكتفِ الدبيبة بتلك الإشارة، بل عقد اجتماعًا حضره رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية سليمان الشنطي، ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، ورئيس لجنة المالية بمجلس النواب عمر تنتوش، ووزير المالية بالحكومة خالد المبروك، لبحث تحقيق أعلى معدلات الشفافية والإفصاح، في ما يخص الإيرادات والإنفاق، والتشاور بين مؤسسات الدولة في هذا الجانب.
مهمة مستحيلة
الاجتماع الأخير، فسَّره مراقبون بأنه إشارة إلى أن المؤسسات السياسية في طرابلس ما زالت في قبضة الدبيبة، ما يجعل مهمة باشاغا مستحيلة في السيطرة على طرابلس، من دون تحييد تلك المؤسسات.
إلا أن باشاغا كان يتخذ خطوات في الاتجاه المعاكس، لشرح أسباب خطوته والسيناريوهات المقبلة مع سفراء غربيين، آخرهم كارولين هارندل، سفيرة المملكة المتحدة لدى ليبيا، التي ناقش معها مساء الخميس، التصعيد العسكري في طرابلس الذي أقدمت عليه جماعات مسلحة.
وقال باشاغا، عبر «فيسبوك»، إنه أكد التزامه وحكومته بمبدأ الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار وسلامة المدنيين، مطالبًا المجتمع الدولي بأن يقوم بدوره تجاه هذه التصرفات.
كما أعرب عن شكره وتقديره للجهود التي تبذلها المملكة المتحدة، في دعم المسار الديمقراطي وتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا.
المسار السياسي
وعلى وقع التصعيد العسكري، كان المسار السياسي يشق طريقه بشق الأنفس، محاولًا الوصول إلى شيء من الاستقرار، بعد أن أصبحت الآمال معلقة عليه، لإخراج البلد الإفريقي من أزمته.
فالمشاورات المحمومة للجنة المسار الدستوري الليبي -المؤلفة من 12 عضوًا من مجلسي النواب طبرق والأعلى للدولة- تختتم اليوم أعمالها في العاصمة المصرية القاهرة، بينما الطريق إلى التوافق مازال بعيد المنال.
وقالت المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، إن الهدف هو الوصول، بحلول اليوم الجمعة، إلى صيغة توافقية للوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بأسرع ما يمكن.
بينما قالت مصادر ليبية، إنه لن يكون من السهل التوصل إلى اتفاق، مشيرة إلى أن تحريك الأمور يتطلب معجزة، فالسيناريو الأكثر احتمالاً أن يتفق الوفدان على المبادئ الأساسية، ثم يحصلان على الضوء الأخضر من برلمانيهما، ما يطيل الوقت ويقوِّض عملية بناء الثقة.
وأكدت وكالة «نوفا» الإيطالية، أنه في حال استطاعة ويليامز إيجاد توافق أيضًا على قانون الانتخابات، لاسيما بشأن معايير الأهلية لرئيس الجمهورية المقبل، يمكن إجراء الانتخابات نهاية العام.
الوقت ينفد
وأشارت إلى أن الوقت ينفد، فخارطة الطريق لمنتدى الحوار السياسي الليبي، التي أُنشئت بموجبها المؤسسات المؤقتة القائمة في طرابلس، وهي حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، ستنتهي في 22 يونيو المقبل.
وأكدت أنه «موعد نهائي دقيق ولكنه سياسي وليس قانونيًا، ربما لن يحدث شيء مهم في الأسابيع القليلة المقبلة، وكذلك في 22 يونيو».
من جانبه، قال عضو مجلس النواب الليبي سالم قنان، إن الأمور العالقة في مشاورات القاهرة، سترفع للمجلسين للبت فيها، مؤكدًا أنها بحاجة إلى مزيد من الجهد والتشاور لحسم الخلاف.
البرلماني الليبي أكد -في تصريحات صحفية- أنه توجد نقاط تحتاج إلى إعادة صياغة مثل: المكونات، واللغة، وغيرها، وثمّة اقتراحات بشأنها،، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لـ20 شخصًا اتخاذ قرار نهائي بشأن إقرار القاعدة الدستورية في لقاءات ومفاوضات، بينما أنظار الناس تتطلع إلى ضرورة إجراء الانتخابات، والمطالبة بإنهاء المراحل الانتقالية.