تُصنع في أمريكا وتبيعها إيران لروسيا... لغز المسيرات
إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تبذل جهودًا واسعة النطاق للحد من قدرة إيران على إنتاج وتسليم الطائرات المسيرة إلى روسيا

ترجمات – السياق
عقوبات اقتصادية وضغوط دولية على إيران، حليفة روسيا في حربها ضد أوكرانيا، ليس لبرنامجها النووي غير السلمي، ولا أنشطتها المزعزعة للاستقرار، لكن لدعمها موسكو الوفير بطائرات من دون طيار، تستخدمها في قصف الأعيان المدنية والبنى التحتية الأوكرانية.
وتسارع الولايات المتحدة الأمريكية لمنع إيران من إنتاج وتوفير طائرات من دون طيار لروسيا، حسبما كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، التي أشارت إلى أنه مع استمرار الحرب في أوكرانيا، أصبح المسؤولون الأمريكيون يتخوفون من مواصلة إيران وروسيا بناء تحالف جديد.
وإزاء ذلك، شددت الصحيفة الأمريكية، على أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تبذل جهودًا واسعة النطاق للحد من قدرة إيران على إنتاج وتسليم الطائرات المسيرة إلى روسيا، وهو مسعى يعكس صدى برنامجها المستمر منذ سنوات لقطع وصول طهران إلى التكنولوجيا النووية.
وتشير التقارير إلى أن طهران زودت القوات الروسية -حتى الآن- بنحو 1700 طائرة من دون طيار هجومية، وتخطط لتزويدها بـ 300 أخرى في المستقبل القريب.
يأتي السعي الأمريكي الجديد ضد إيران وروسيا، بعد أن كشف تقرير نشرته وسائل إعلام إسرائيلية، نقلاً عن مسؤولين في المخابرات الغربية، عن استعداد موسكو لتزويد طهران بطائرات سوخوي سو-35 المقاتلة في المستقبل القريب.
وقال تقرير لقناة 12 الإسرائيلية، إن الصفقة قد تشمل ما يصل إلى 24 طائرة، لافتة إلى أن الصفقة تأتي مقابل الطائرات من دون طيار التي سلمتها طهران لموسكو.
وبيّن التقرير أن الروس تسلموا 250 طائرة خلال الأيام القليلة الماضية، وسيتسلمون دفعة أخرى من 300 طائرة من دون طيار قريبًا، مشيرًا إلى أنها ليست الصفقة الوحيدة، وأن هناك اتفاقًا متجددًا يحصل بموجبه الإيرانيون على سرب من 24 طائرة مقاتلة متطورة من طراز سوخوي 35.
تضييق الخناق
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين في المخابرات والجيش والأمن القومي -خلال مقابلات أجرتها معهم الصحيفة في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط- قولهم: إن هناك برنامجًا أمريكيًا موسعًا يهدف إلى التضييق على قدرة إيران في تصنيع الطائرات من دون طيار، ما يصعب على الروس تنفيذ هجمات باستخدامها، مشيرين إلى أنه حال فشل ذلك، سيزوَّد الأوكرانيون بالدفاعات اللازمة لإسقاطها.
وأوضحت الصحيفة أن جهود إدارة بايدن ضد الصفقات العسكرية بين روسيا وإيران، تسارعت خلال الأسابيع الأخيرة، في محاولة لحرمان إيران من المكونات غربية الصُنع، اللازمة لتصنيع الطائرات من دون طيار التي تبيعها لروسيا، بعد أن تبين من فحص حطام الطائرات، التي اعتُرضت أنها مزودة بتكنولوجيا أمريكية الصُنع.
وفي نوفمبر الماضي، أظهرت معلومات استخبارية جديدة من طائرات من دون طيار إيرانية أسقِطت في أوكرانيا، أن أغلبية أجزاء الطائرات تُصنع من شركات في الولايات المتحدة وأوروبا ودول حليفة.
وأثارت المعلومات القلق بين المسؤولين والمحللين الغربيين، ودفعت الحكومة الأمريكية إلى إجراء تحقيق، وفقًا لمطلعين على القضية.
بينما تقدر المخابرات الأوكرانية أن ثلاثة أرباع مكونات الطائرات الإيرانية المسيرة، التي أسقطت في أوكرانيا، أمريكية الصُنع.
وحسب الصحيفة الأمريكية، تساعد الإدارة الأمريكية، الجيش الأوكراني في استهداف المواقع التي تُجهز فيها الطائرات من دون طيار للإطلاق، وهي مهمة صعبة لأن الروس ينقلون مواقع الإطلاق، من ملاعب كرة القدم إلى ساحات الانتظار.
ويُسارع الأمريكيون إلى استخدام تقنيات جديدة مُصممة لإعطاء إنذار مبكر بالاقتراب من أسراب الطائرات من دون طيار، لتحسين فرص أوكرانيا في إسقاطها، من خلال كل شيء، من إطلاق النار إلى الصواريخ.
لكن -حسب الصحيفة- المناهج الثلاثة واجهت تحديات كبيرة، لافتة إلى أن الحملة لمنع إيران من الحصول على بعض الأجزاء المهمة للطائرات من دون طيار أثبتت بالفعل أنها صعبة، مثل الحملة المستمرة منذ عقود، لحرمان طهران من المكونات اللازمة لبناء أجهزة الطرد المركزي الحساسة، التي تستخدمها لتخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع القنبلة النووية.
وقال مسؤولون استخباراتيون أمريكيون، إن الإيرانيين يطبقون خبراتهم لكيفية نشر الأسلحة النووية في جميع أنحاء البلاد، على برنامج الطائرات من دون طيار، وتحديدًا في ما يخص إيجاد تقنيات "مزدوجة الاستخدام" في السوق السوداء لتجاوز ضوابط التصدير.
بينما ظهرت "طيران القدس" -وهي إحدى الشركات الإيرانية التي سمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا كشركة مصنعة رئيسة لأحد نوعي الطائرات من دون طيار التي يشتريها الروس- منذ سنوات على قوائم الأمم المتحدة لموردي البرامج النووية والصاروخية الإيرانية، إذ وسعت الشركة المملوكة للجيش الإيراني خط طائراتها من دون طيار، رغم موجات العقوبات الغربية المتلاحقة.
دعم مستمر
وحسب "نيويورك تايمز" يأتي تسارع الإدارة الأمريكية للتعامل مع الطائرات من دون طيار التي قدمتها إيران في لحظة مهمة من الحرب، في وقت تستخدم فيه أوكرانيا طائراتها من دون طيار لضرب عمق روسيا، بما في ذلك هجوم هذا الأسبوع، على قاعدة تضم بعض القاذفات الاستراتيجية للبلاد.
كما يأتي ذلك أيضًا في الوقت الذي حذر فيه مسؤولون في واشنطن ولندن، من أن إيران ربما تكون على وشك تزويد روسيا بالصواريخ، ما يساعد في تخفيف النقص الحاد في المعدات العسكرية، الذي يعانيه الجيش الروسي.
ويقول المسؤولون -عبر التحالف الغربي- إنهم مقتنعون بأن إيران وروسيا، المعزولتين بفعل العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، يبنيان تحالفًا جديدًا.
ونقلت الصحيفة عن أحد كبار المسؤولين العسكريين، قوله، إن الشراكة تعمقت بسرعة، بعد اتفاق إيران على تزويد الروس بطائرات من دون طيار الصيف الماضي "لإنقاذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين" بعد تراجع جيشه، أمام تقدم القوات الأوكرانية، في عدد من المدن التي سبق أن احتلها الروس.
وأشارت إلى أنه بعد أن تخلت إدارة بايدن عن آمالها في إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع طهران، تضيف عقوبات جديدة كل بضعة أسابيع.
وفي محاولة لوقف هجمات الطائرات من دون طيار، يتواصل مساعدو بايدن أيضًا مع حليف له تاريخ طويل في تقويض برنامج إيران النووي (إسرائيل).
وفي اجتماع بالفيديو الخميس الماضي مع كبار مسؤولي الأمن القومي والجيش والاستخبارات الإسرائيلي، ناقش جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، علاقة إيران العسكرية المتنامية بروسيا، بما في ذلك نقل أسلحة ينشرها الكرملين ضد أوكرانيا واستهداف البنية التحتية المدنية بها، وتوفير روسيا تكنولوجيا فنية لإيران مقابل ذلك.
لكن حقيقة أن الإدارة اختارت تسليط الضوء على مناقشة التعاون العسكري الروسي الإيراني، في اجتماع ربع سنوي يركز عادة على تعطيل قدرات إيران النووية، كانت جديرة بالملاحظة، وفق الصحيفة الأمريكية.
وأشارت الصحيفة، إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة تمتلكان تاريخًا طويلًا من التعامل مع التهديدات التكنولوجية المنبثقة من طهران، لافتة إلى أنهما سبق أن طورا معًا واحدة من أشهر الهجمات الإلكترونية وأكثرها تطورًا في العالم، باستخدام رمز الكمبيوتر الذي أطلق عليه لاحقًا "ستوكسنت"، لمهاجمة منشآت الطرد المركزي النووية الإيرانية.
منذ ذلك الحين، لم تُخفِ إسرائيل سوى القليل عن محاولاتها لتخريب مراكز التخصيب النووي.
وفي بيان، أقرت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، بنطاق الحملة الواسعة ضد برنامج الطائرات من دون طيار الإيراني.
وقالت: "نحن ندرس طرقًا عدة لاستهداف إنتاج الطائرات من دون طيار الإيرانية من خلال العقوبات، وضوابط التصدير، والتحدث إلى الشركات الخاصة التي استخدمت أجزاءها في الإنتاج".
وأضافت: "نقيم أيضًا المزيد من الخطوات، التي يمكننا اتخاذها في ما يتعلق بضوابط التصدير لتقييد وصول إيران إلى التقنيات المستخدمة في الطائرات من دون طيار".
وفي تصريحات صحفية، قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي: "يمكن لإيران وروسيا الكذب على العالم، لكن لا يمكنهما إخفاء الحقائق، فطهران تساعد في قتل المدنيين الأوكرانيين، من خلال توفير الأسلحة ومساعدة روسيا في عملياتها بكييف، وهو ما يعد علامة على مدى عزلة كل منهما".
وأضافت أدريان واتسون: "تسعى الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها لاستخدام الوسائل المتاحة، لفضح وردع ومواجهة توفير إيران لهذه الذخائر واستخدام روسيا لها ضد الشعب الأوكراني، وسنواصل تزويد كييف بالمساعدة الأمنية الحاسمة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي".
المسيرات وإيران
وبينت "نيويورك تايمز"، أن اهتمام إيران بالطائرات من دون طيار يعود إلى أكثر من ثلاثة عقود، حيث كانت البلاد تبحث عن طرق يمكنها من خلالها مراقبة ومضايقة السفن في الخليج العربي، إذ قامت طائرة مهاجر الأولى، التي سبقت إحدى الطائرات من دون طيار التي تباع الآن للروس، بأول رحلة لها عام 1986.
وحسب الصحيفة، كان التقدم بطيئًا ، لكن ربما جاءت المساعدة عام 2011 عندما أخذت وكالة المخابرات المركزية طائرة آر كيو-170 سنتينال خفية وغير مسلحة من أسطول البنتاغون في أفغانستان وحلقتها فوق إيران، في ما بدت أنها محاولة لرسم خريطة لبعض المئات من أنفاق حفرها الإيرانيون لإخفاء برنامجهم النووي.
ولكن أدى عطل إلى هبوط الطائرة في الصحراء، وقد فكر الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، في إرسال فريق من البحرية الأمريكية لتفجير الطائرة، قبل أن تقع في أيدي المهندسين الإيرانيين، حسبما أفاد مسؤولون كبار في وقت لاحق، إلا أنه في غضون أيام عرض الإيرانيون الطائرة من دون طيار في شوارع طهران، باعتباره "انتصارًا دعائيًا".
لكن مسؤولي المخابرات الأمريكية خلصوا -في وقت لاحق- إلى أن الطائرة من المحتمل أن تكون ثروة لمصممي الطائرات من دون طيار الإيرانية، الذين يمكنهم عكس هندسة الطائرة.
لم تعلن إيران -حتى عام 2016- أنها بدأت تطوير طائرات هجومية من دون طيار، بعضها بالتعاون مع روسيا، لكن ظهرت أولى هذه الطائرات في أيدي الميليشيات المدعومة من إيران، كالمتمردين الحوثيين في اليمن، واستخدمت بشكل أكثر فاعلية عام 2019 في هجمات على منشأتين سعوديتين لمعالجة النفط، تديرهما شركة أرامكو.
ويرى مسؤولون أمريكيون أن استهداف القوات الأمريكية في سوريا وأماكن أخرى، منحهم تقديرًا لقدرات الطائرات من دون طيار الإيرانية، لكن تداعيات غزو أوكرانيا أكدت أن إيران عرفت كيفية إنتاج الطائرات بكميات كبيرة، وهو مصدر قلق خاص، في وقت تجرى فيه مناقشات لافتتاح مصنع إيراني داخل روسيا.
ومع ذلك، رغم سنوات من العقوبات على قطاع الدفاع الإيراني، لا تزال الطائرات من دون طيار الإيرانية تُصنع -إلى حد كبير- بأجزاء أمريكية وغربية.
وفي سبتمبر ، شددت إدارة بايدن العقوبات، وتحديدًا تسمية الشركات المشاركة في بناء الطائرات لروسيا، وتبعت ذلك إجراءات أخرى في نوفمبر ضد شركات مثل "خدمات سفيران للطائرات"، وهي شركة مقرها طهران، اتهمتها واشنطن بشحن الطائرات من دون طيار نيابةً عن الحكومة الروسية.
وفي نوفمبر، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركتين مقرهما الإمارات العربية المتحدة، وهي حليف رئيس للولايات المتحدة، متهمة إياها بالتعاون مع "سفيران".
وقال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في "سي إن إيه"، وهو معهد أبحاث في أرلينغتون بولاية فيرجينيا، إن العقوبات لم تكن حلاً فوريًا.
وأضاف: "سيكون لضوابط التصدير تأثير، لكن عليك أن تكون واقعيًا بشأن الجداول الزمنية التي ستعمل فيها".