هل تتحمل إيران تكلفة عدم التوصل إلى اتفاق نووي؟

ذكرت المجلة الأمريكية، أن بعض التصرفات الإيرانية بدت كأنها تراجع من طهران، رغم الظهور بمظهر القوي الذي يملي شروطه، إذ لا يخفى على أحد الذوبان الأخير في علاقات إيران مع المملكة العربية السعودية، وهو ما قد يساعد في تسهيل التقارب المستمر بين الإيرانيين وجيرانهم في الخليج العربي

هل تتحمل إيران تكلفة عدم التوصل إلى اتفاق نووي؟
طهران لن تستطيع الاستمرار في تحمُّل تكلفة عدم التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الكبرى

ترجمات-السياق

بعد أيام من انتهاء الجولة السابعة لمحادثات فيينا، بين الدول الغربية وإيران من دون إحراز تقدم، وسط تعنُّت إيران، قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن طهران لن تستطيع الاستمرار في تحمُّل تكلفة عدم التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الكبرى، في ضوء ما تشهده من أزمات اقتصادية وأمنية وبيئية، مشيرة إلى أنه من دون اتفاق نووي فعال، يضع حدًا للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، لن تتمكن أي إدارة إيرانية من حل الأزمات الراهنة.

وأوضحت "فورين بوليسي" أنه مع غياب اتفاق نووي، سيكون من الصعب -إن لم يكن مستحيلًا- الوفاء بالوعود الاقتصادية التي قطعها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على نفسه، والتي تتمحور حول بناء مليون وحدة سكنية سنويًا، واحتواء معدلات التضخم الآخذة في التصاعد، فضلًا عن مواجهة تداعيات تقلبات العملة المحلية على النواحي المعيشية للمواطنين، وتوفير مليون فرصة عمل، وكذلك إيجاد مخرج لأزمة الانقطاع المتكرر للكهرباء.

 وأكدت أن محاولات "رئيسي" لتوسيع دائرة تحالفاته الإقليمية والدولية، بانتهاج سياسة التوجُّه شرقًا لن تُجدي نفعًا في التغلب على العقوبات الأمريكية، وما خلَّفته من تداعيات كارثية على الاقتصاد الإيراني.

تداعيات وخيمة

وبشأن التداعيات الوخيمة للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، قالت "فورين بوليسي": رغم القدرة التي أظهرتها طهران على التعايش مع العقوبات الدولية خلال السنوات الماضية، فإن هذه العقوبات حرمت طهران من تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات، وأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض القوة الشرائية للإيرانيين، وارتفاع معدلات البطالة، وهجرة العقول الإيرانية، إضافة إلى تزايد مشكلات تدهور البيئة من قبيل تزايد الانبعاثات الكربونية، إذ تعد إيران من أكبر الدول المسببة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري في العالم، وكذلك معاناة البلاد من الندرة المائية، التي تجعلها بؤرة لكثير من الصراعات بسبب الشح المائي، إضافة إلى أزمة انقطاع الكهرباء المستمرة، التي تؤدي لاحتجاجات واسعة في أنحاء البلاد.

وأمام كل هذه التحديات -الفقر والتدهور البيئي ونقص المياه وانقطاع التيار الكهربائي- حذرت المجلة الأمريكية من أن إيران في مهب حرب أهلية محتملة، مشيرة إلى أن ما سمتها (الشرعية المعيبة) لصعود رئيسي إلى السلطة -في إشارة إلى شكوك الإيرانيين في نزاهة الانتخابات الرئاسية الماضية- تعد برميل بارود في انتظار إشعاله من الغضب الجماهيري المحتمل.

وأضافت أنه في ظل استمرار التوتر مع الولايات المتحدة، واحتمالات الحرب الأهلية، التي سيفرضها الواقع الاقتصادي السيئ، لا يمكن لإيران التي تعاني ضائقة مالية ومعزولة عن العالم، أن تستمر على هذا النحو، مشيرة إلى أن الاحتجاجات المتوقعة قد لا تطيح النخبة الحاكمة الحالية سريعًا، لكنها ستترك أثرًا يستمر سنوات طويلة.

تداعيات جيوسياسية

وفي ما يتصل بالتداعيات الجيوسياسية للعقوبات الأمريكية، ترى "فورين بوليسي" أن الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في الداخل الإيراني، قادت إلى تضاؤل القوة الجيوسياسية لطهران، وتجلى ذلك في رد فعل إيران على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، إذ أبدت طهران موقفًا متحفظًا خشية إثارة حفيظة حكومة طالبان، واقتصر دور إيران على استقبال اللاجئين الأفغان الفارين من سلطة طالبان.

وأوضحت، أن إيران تعد الخاسر الأكبر من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، كون دورها يقتصر على استقبال اللاجئين الأفغان، حتى أن أحد أكثر الدبلوماسيين المخضرمين في إيران، وصف بلاده بأنها "الخاسر الإقليمي الرئيس" بعد الانسحاب الأمريكي، بينما وصف باكستان خصم إيران بـ "المنتصر الأول".

واعتبرت المجلة الأمريكية، أن رد فعل طهران العام على استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان، يشبه رد فعل (المتفرج القلق والمتحفظ) من دون أي دور له.

علاوةً على ذلك، أوضحت "فورين بوليسي" أن إيران تدرك جيدًا محدودية خياراتها الجيوسياسية في الوقت الراهن، وأن الدول المجاورة، في طليعتها باكستان وتركيا وأذربيجان، أضحت أكثر ثقة إزاء استفزاز إيران، ولا تجد غضاضة في إجراء تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة، عبر الحدود الشمالية الغربية لإيران، كما أن روسيا -التي تُعد حليفًا قويًا لإيران- تُظهر قدرًا كبيرًا من اللامبالاة إزاء الأزمات التي تعانيها البلاد.

وأضافت: "يبدو أن تكاليف عداء طهران باتت هزيلة للغاية، لدرجة أن أذربيجان، وهي دولة أصغر بـ 19 مرة من إيران، تشعر بالجرأة الكافية لتحويل نفسها إلى قاعدة للأنشطة المناهضة لإيران، ولإثارة التوترات مع جارتها العملاقة في الجنوب".

تراجع إيراني

وذكرت المجلة الأمريكية، أن بعض التصرفات الإيرانية بدت كأنها تراجع من طهران، رغم الظهور بمظهر القوي الذي يملي شروطه، إذ لا يخفى على أحد الذوبان الأخير في علاقات إيران مع المملكة العربية السعودية، وهو ما قد يساعد في تسهيل التقارب المستمر بين الإيرانيين وجيرانهم في الخليج العربي.

وأشارت إلى أن هناك بالطبع خلافات واضحة، بين إيران والولايات المتحدة، بشأن كيفية العودة إلى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015، إلا أن مخاوف طهران من انهيار اقتصادي محتمل خلال الثلاث السنوات المقبلة، سيجعلها ترضخ في النهاية لشروط الغرب.

وأوضحت أنه إذا تمت استعادة الاتفاق النووي خلال محادثات فيينا، سيكون هناك ما لا يقل عن ثلاث سنوات قبل انتهاء رئاسة جو بايدن، وستكون أمام إيران ثلاث سنوات على الأقل، للمضي قدمًا نحو الاندماج في النظام المالي والاقتصادي العالمي.

وتوقعت "فورين بوليسي" أن يُفضي التوصل لاتفاق يُنهي العقوبات الأمريكية على طهران، إلى تعزيز الأمن القومي لحلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى اعتبار الاتفاق نقطة انطلاق دبلوماسية، يمكن من خلالها التعاون وتسوية الملفات العالقة.

وقالت: رغم أن فشل الاتفاق يعني مزيدًا من العزلة الدولية لإيران، ومزيدًا من الترنح والانهيار الاقتصادي المتهاوي، فإن استعادة هذا الاتفاق لن تحول إيران تلقائيًا إلى قوة إقليمية عظمى مهيمنة قادرة على التهام المنطقة، كما يزعم بعض القادة الإسرائيليين، وإنما فقط يمنحها وقتًا أفضل لحل أزماتها الداخلية.

وأكدت "فورين بوليسي" أن عدم التوصل لاتفاق نووي بين واشنطن وطهران، سيفاقم الأزمات الاقتصادية الإيرانية، وقد يوفر أرضًا خصبة لزيادة التوتر بين الجانبين، علاوة على تآكل القوة الإيرانية تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الأمريكية.