فشل محاولة الصلح يكشف أسرارًا عن كيفية قيادة الإخوان... من يحسم الصراع؟

دعوة جبهة إسطنبول لمجموعة إبراهيم منير، ليس الهدف منها احتواء الأخيرة، بل ضربها أمام القواعد الداعمة لها، لاستنزافها ومحاولة حصارها.

فشل محاولة الصلح يكشف أسرارًا عن كيفية قيادة الإخوان... من يحسم الصراع؟

السياق

خلال الأسابيع الماضية، بُذلت جهود حثيثة لحل الخلاف، وإعادته إلى السرية، وعدم الحديث عنه لوسائل الإعلام، أو من خلال البيانات، لكن هذه الجهود فشلت، لالتزام كل طرف بموقفه الرافض للتنازل عن منصبه، والانصياع لقرارات الطرف الآخر.

انشقاق جديد في قواعد «الإخوان» شقَّ طريقه إلى التنظيم الإرهابي، بعد تحول محاولة الصلح بين جبهتي اسطنبول إلى جولة من الصراع.

وسعت محاولة الصلح الأخيرة، التي قادها عبدالله بن منصور رئيس مجلس مسلمي أوروبا، إلى حل وسط يشمل الاتفاق على محمد البحيري قائمًا بأعمال المرشد.

الاجتماع الذي شهد لقاءً هو الأول من نوعه بين محمود حسين قائد جبهة اسطنبول، ومحيي الدين الزايط القيادي في جبهة لندن، حاول تمرير حل وسط يشمل الاتفاق على محمد البحيري قائمًا بأعمال المرشد، وإعادة هيكلة جماعة الإخوان، وتشكيل لجنة إدارية تضم في عضويتها محمود حسين، إلا أن الأخير رفض تلك الاقتراحات، التي رأى أنها تقلل من مكانته وتاريخه التنظيمي.

رفض حسين الحلول التي طرحت خلال الاجتماع، أعاد الأزمة بين جبهتي اسطنبول ولندن إلى المربع صفر، وألقى بثقله على مستقبل التنظيم الإرهابي، ودق جرس إنذار من أن إرث حسن البنا في النزع الأخير.

إلى ذلك، يقول الدكتور عمرو عبدالمنعم، الباحث المتخصص في الحركات الأصولية، في تصريحات لـ«السياق»، إن دعوة جبهة اسطنبول لمجموعة إبراهيم منير، ليس الهدف منها احتواء الأخيرة، بل ضربها أمام القواعد الداعمة لها، لاستنزافها ومحاولة حصارها.

ودلل الباحث في الحركات الأصولية على رؤيته، بما جاء في بيان جبهة محمود حسين، الذي قالت فيه: «حاولنا الصلح مع جبهة إبراهيم منير، لكن جميع المحاولات رُفضت».

وتوقع عمرو عبدالمنعم، أن يزداد الصراع داخل جماعة الإخوان، بعد أن شحذت جبهة اسطنبول -بقيادة محمود حسين- جهودها لمحاصرة جبهة لندن وإضعافها، سواء عبر الإعلام الموالي لهم، أم من خلال اللجان الإلكترونية، التي تنشط منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي، لترويج مفاهيم «المتساقطون والمنشقون والراحلون والمغادرون»، وجميع الأوصاف التي تطلق على جبهة منير في الداخل والخارج.

هل يتمتع محمود حسين بالشرعية؟

يقول الباحث المتخصص في الحركات الأصولية، إن محمود حسين يخالف لوائح جماعة الإخوان ونظمها، مشيرًا إلى أن بيان جبهة اسطنبول، التي يرأسها، بتشكيل كيانات موازية وغير شرعية وفرض أشخاص على رأسها، بالمخالفة الصريحة لنظم الجماعة وأعرافها ولوائحها، تعد هي والعدم سواء، ولا محل لها عند جموع الإخوان في الداخل والخارج.

وأوضح أن الانشقاقات والانشطارات العمودية (على مستوى القيادات وأتباعهم) داخل تنظيم الإخوان تتوالى، بين جبهة محمود حسين وجبهة الراحل إبراهيم منير، ما تبعه حالات فكرية أدت إلى ظهور خلايا عنقودية جديدة، لا تستطيع حسم الصراع، وتؤكد استحالة لم الشمل.

ما دور قيادات الإخوان في السجون؟

استبعد عبدالمنعم، أن يكون لقيادات الإخوان بالسجون المصرية أي دور في ذلك الصراع، مؤكدًا أنهم في قبضة الأمن المصري.

بينما قال المحلل السياسي المختص في شؤون الجماعات الإرهابية أحمد بان، في تصريحات لـ«السياق»: من الصعوبة بمكان حسم الصراع داخل جماعة الإخوان، خاصة بين جبهتي اسطنبول ولندن، مؤكدًا أن الخلاف بين الجبهتين يتركز في أموال الجماعة ومصالحها الاقتصادية والسياسية.

وأوضح المختص في شؤون الجماعات الإرهابية، أن الخلاف سيظل قائمًا، ولن تكون له نهاية قريبة، طالما لزمت قيادات الجماعة داخل السجون المصرية الصمت، كونها الوحيدة القادرة على حسم الخلاف ومنح الشرعية لأي من الجبهتين.

وأشار إلى أن تاريخ التنظيم يقول إن من يمضي فترة أطول في السجون، تصبح حظوظه أفضل في إدارتها حين يخرج، مؤكدًا أن من بالسجون المصرية، لن يتحرك أحد منهم لحسم الصراع، حتى لا يزيدوا هوة الخلاف بين الجبهتين، فضلًا عن احتياجهم لدعم الطرفين.

في الوقت نفسه، استبعد أن يكون هناك توجه داخل القيادة السياسية في مصر لإصدار عفو عن قيادات الإخوان، لأن الدولة المصرية تعلم جيدًا أن الخلاف سيظل قائمًا، طالما لم تخرج قيادات الجماعة من السجون، ما يؤجل أي محاولة لحل الخلاف القائم إلى حين.

إلا أن الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية سامح عيد كانت له رؤية مختلفة، إذ أكد في تصريحات لـ«السياق» أن قيادات جماعة الإخوان في السجون المصرية غير قادرة على حسم الصراع بين جبهتي اسطنبول ولندن.

ورغم ذلك، فإنه قلل -في الوقت نفسه- من أي محاولة للم الشمل أو التقارب، قائلًا: «أي محاولة من خارج القيادات بالسجون سيضرب بها عرض الحائط»، مشددًا على استحالة حل الخلاف بين جبهتي التنظيم، لأن كلًا منهما متمسكة بأصول مالية ومنابع دعم لن تتخلى عنها، فضلًا عن رفض كل طرف لفكرة الخضوع بالسمع والطاعة للطرف الآخر.

دور الشباب

الباحث في الحركات الإسلامية، قال إن كل طرف في جبهتي التنظيم له قاعدة شبابية، تعد طرفًا أصيلًا في الصراع، مشيرًا إلى أن تلك القاعدة لن تقبل بالانصياع للطرف الآخر.

وأشار إلى أن المشكلة التنظيمية تعقدت، ما يجعل تفكك الجماعة وانهيارها أمرًا لا مفر منه، مستدلًا على رؤيته، بقوله: تبادل الاتهامات سيضعف الثقة بجماعة الإخوان من أتباعها، ويقوض استمرارها.

ورجح عيد، انهيار جبهة اسطنبول، التي يتزعمها محمود حسين بمجرد وفاته، لأنه يتحكم بجميع الخيوط في يده، بينما تحظى جبهة لندن بالتماسك بشكل أكبر بين أعضائها.

من يدير الإخوان؟

وبينما قال عبدالمنعم، إن عدم تسمية جبهة لندن، قائمًا بالأعمال -حتى الآن- يشير إلى خلافات جوهرية، خاصة على شخصية صلاح عبدالحق، الذي تردد اختياره وقدومه إلى تركيا مؤخرًا، أكد أن المرشد -أيًا كانت شخصيته- يعد صورة أو واجهة، بينما هناك من يدير الأمر من وراء الستار.

وأكد أن تاريخ الإخوان لم يعرف سوى مرشدين اثنين، كانا يقودان الجماعة، من القمة إلى القاع، الأول هو المؤسس حسن البنا، الذي كان يعرف كواليس التنظيم وخباياه، وكانت بيعته بيعة السمع والطاعة، أو ما يعرف بـ«البيعة المؤسسة».

أما المرشد الآخر فهو مصطفى مشهور، الذي كان يعرف بـ«المرشد الأقوى والأشرس»، ويعد أحد كوادر النظام الخاص بالجهاز السري للجماعة، بحسب عبدالمنعم.

وأشار إلى أن المرشد حسن الهضيبي، الذي كان يقال عنه إنه أمل الجماعة في البقاء والاستمرار، كان منهجه مرهونًا بمنهج رفقائه أواخر الستينيات، بينما كان المرشد الفعلي الذي يقود الجماعة في عهد الهضيبي، الثلاثي: منير الدلة وحسن عشماوي وصالح أبو رقيق.

وأشار الباحث المتخصص في الحركات الأصولية، إلى أن أي مرشد أو مسؤول مجموعة، تتحكم فيه مجموعة «النظام الخاص»، وهذا مبدأ داخل الإخوان، إذ إن الحفاظ على التنظيم أهم كثيرًا من الحفاظ على الشخصيات والكيانات، في فكر الجماعة عبر تاريخها.

وأوضح أن هذه المجموعة لا تسمح بأي تغلغل في هذا التكوين الداخلي، مؤكدًا أن أي شخص ينتقد أو يعارض يكون مصيره واحدًا من ثلاثة: «الإبعاد، أو عدم الاستماع، أو التهميش».