حرب أمريكا النقدية ضد إيران.. الدينار العراقي أبرز المصابين
الدينار العراقي يهتز مع محاربة الولايات المتحدة تدفق العملة إلى إيران

ترجمات - السياق
كشف مسؤولون حكوميون وتجار، أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات الأمريكية، لتشديد تحويل الدولار من العراق إلى إيران، أدت إلى انخفاض الدينار العراقي في السوق السوداء.
وبلغ سعر الصرف الثلاثاء 1580 دينارًا لكل دولار، كما أفادت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، بأن سعر الصرف المحدّد من البنك المركزي يبلغ 1460 ديناراً لكل دولار.
وحسب صحيفة ذا ناشيونال، تكافح الحكومة العراقية -المدعومة من إيران- للسيطرة على سعر الصرف، لاحتواء الغضب الشعبي المتزايد من ارتفاع أسعار السلع.
ونقلت الصحيفة عن ضرغام حميد، وهو صاحب شركة صرافة مقرها بغداد، قوله: سعر صرف الدولار في السوق السوداء كان يتأرجح حول 1550 دينارًا عراقيًا من نحو 1470 دينارًا.
وأضاف حميد (44 عامًا): "الدينار يرتجف مقابل الدولار منذ بداية هذا الشهر، ما أحدث فوضى في السوق".
وعلقت الصحيفة على ذلك بالقول: الدينار العراقي يهتز مع محاربة الولايات المتحدة تدفق العملة إلى إيران، مشيرة إلى أنه على مدى سنوات، كانت تمرر دولارات إلى إيران وسوريا الخاضعتين لمظلة العقوبات الأمريكية، من خلال مزادات عملة أجنبية تديرها الدولة.
محاولات ضبط سعر الصرف
وبينت "ذا ناشيونال" أنه عام 2004، قدَّم البنك المركزي العراقي مزاد العملات الأجنبية، كأحدى أدوات سياسته لتحقيق الاستقرار النقدي.
ومن خلال ذلك المزاد، نجحت الحكومة في ضبط سعر الصرف بالسوق السوداء.
ولسنوات كان السعر الرسمي للبنوك وشركات الصرافة 1182 دينارًا، بينما بلغ السعر في الشارع نحو 1200 دينار.
لكن العملية تعج باتهامات بالفساد وغسل الأموال وتحويل الدولارات إلى جيران العراق، إيران وسوريا -وكلا البلدين يخضعان لعقوبات أمريكية- باستخدام سندات مزورة.
ومنذ ذلك الحين، أدرجت الولايات المتحدة في القائمة السوداء عددًا من البنوك العراقية، التي تتعامل مع إيران.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على بنك البلاد الإسلامي العراقي، بسبب تعامله مع الحرس الثوري الإيراني في مايو 2018.
ووسط أزمة سيولة بسبب انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، خفّض البنك المركزي العراقي قيمة الدينار في ديسمبر 2020 إلى 1460 دينارًا للدولار للبنوك و 1470 دينارًا للأفراد.
وقالت الحكومة المؤقتة إن هذه الخطوة ستحد أيضًا من هروب "الدولار الرخيص" خارج البلاد.
لكن ذلك لم يوقف تدفق العملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها.
وقال مسؤول بالبنك المركزي للصحيفة: السفير الأمريكي في العراق اشتكى للمسؤولين العراقيين في مناسبات عدة من استمرار إرسال الدولار إلى إيران.
لكن رد المسؤولين العراقيين على السفير الأمريكي، كان بأن حكومة محمد شياع السوداني، التي تولت السلطة أواخر أكتوبر الماضي، والمقربة من إيران، لم تتخذ أي إجراء.
وقال مسؤول البنك المركزي -الذي تحدث بشرط عدم كشف هويته، حيث لا يوجد بيان حكومي للإجراءات الأمريكية الأخيرة: "لأنه لم يكن هناك أي إجراء من الحكومة، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي تطبيق إجراءات تدقيق على المعاملات الخارجية، ما أخر الإفراج عن الأموال من الولايات المتحدة، لتغطية الواردات والاحتياجات الأخرى".
كيف تسير العملية؟
وعن طريقة نقل الدولار إلى إيران وسوريا عبر العراق، بينت "ذا ناشيونال" أن كل دولار يكسبه العراق من بيع النفط الخام، يذهب إلى حساب في بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، ومن ثمّ يسحب العراق رواتب الحكومة ووارداتها.
وتشكل عائدات النفط ما يقرب من 95 في المئة من الميزانية الفيدرالية، وتعتمد الدولة التي مزقتها الحرب بشكل كبير على الواردات لتلبية الطلب على المواد الغذائية والمواد لقطاعات الاقتصاد الرئيسة.
ويزود بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك العراق بالعملة الصعبة، بناءً على طلب من الحكومة العراقية، سواء نقدًا أم بالمعاملات الأجنبية.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه بينما يستخدم بعض هذه الأموال لتغطية الواردات الحكومية والمتطلبات الأخرى، يمرر الكثير منها إلى البنوك التجارية، ظاهريًا لواردات القطاع الخاص، في عملية اختطفتها كارتلات غسل الأموال في العراق منذ فترة طويلة، بينما تضاف باقي الأموال إلى الاحتياطي الدولي.
كان السوداني أعلن أنه بفضل عائدات النفط المتزايدة في العراق، يمتلك البنك المركزي العراقي قرابة 96 مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي.
الشهر الماضي، باع البنك المركزي العراقي من 240 إلى 250 مليون دولار يوميًا، وفقًا لما قاله مالك آخر لشركة صرافة، طلب عدم كشف هويته.
وأكد صرف 10 إلى 20 في المئة فقط من الأموال لتوزيعها على البنوك وشركات الصرافة ثم للأفراد، بينما أرسِل الباقي إلى حسابات في دبي وتركيا وعمان والصين، لتغطية واردات القطاع الخاص.
وقال مالك شركة الصرافة: "العراق ليس لديه مشكلة بالمال على الإطلاق، لديه احتياطات جيدة"، مضيفًا: "يبدو كما لو أن القضية لها دوافع سياسية لأن الأمريكيين مستاؤون".
وأوضح أنه على مدى الـ19 عامًا الماضية، لم يؤخر الاحتياطي الفيدرالي مطلقًا أي طلب أو معاملة من العراق، وأضاف: "كانوا يوافقون على أي مشروع قانون على الفور".
واستطرد مالك شركة الصرافة: "لكن منذ أوائل هذا الشهر، بدأ الأمريكيون تطبيق إجراءات تدقيق على المعاملات الخارجية" ، مشيرًا إلى أن العملية الجديدة أدت إلى تأخير كل معاملة مدة تصل إلى أسبوعين.
وأضاف أن أغلبية الطلبات رُفضت، للاشتباه في ارتباط بعض البنوك بإيران.
منذ ذلك الحين -حسب الصحيفة- انخفضت المعاملات اليومية من قرابة 200 مليون دولار إلى ما بين 20 و 30 مليون دولار في اليوم.
وقال مالك شركة الصرافة، الذي رفض كشف هويته: "نضبت الاحتياطات في الحسابات بالخارج، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على الدولار في السوق المحلية لتغطية الواردات".
وللسيطرة على السعر في السوق السوداء، طلبت الحكومة من البنك المركزي العراقي اتخاذ خطوات عاجلة لتعويض نقص الدولار في السوق المحلية.
وخفضت السلطات سعر الصرف للأفراد من 1470 إلى 1465 دينارًا لتغطية تكاليف السفر للحج والعلاج والدراسة.
كما طلبت من البنك المركزي العراقي مساعدة البنوك الخاصة في تعزيز احتياطاتها من العملات الأجنبية غير الدولار مثل اليوان الصيني واليورو والدرهم الإماراتي والدينار الأردني، لكن هذه الإجراءات فشلت في تعزيز العملة.
وتعليقًا على ذلك، قال ضرغام حميد: "لسنا متفائلين ونعتقد أن الأسوأ لم يأتِ ما لم تطبق الحكومة إجراءات عاجلة وفورية وفعّالة".
من جانبه، التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الثلاثاء، محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف، لمناقشة هذه القضية، بينما جمع نواب تواقيع لطلب عقد جلسة برلمانية استثنائية بشأن الموضوع.
وأشارت رابطة المصارف العراقية -في بيان- إلى أن ارتفاع سعر الصرف ناتج "عن تعديل آلية عمل نافذة بيع العملة الأجنبية في البنك المركزي العراقي وحسب متطلبات التعاملات الدولية".
في الأثناء، أشار البنك المركزي –الثلاثاء- إلى أن هذا الارتفاع في سعر صرف الدولار ناجم عن "ضغوط مؤقتة ناتجة عن عوامل داخلية وخارجية، نظرًا لاعتماد آليات لحماية القطاع المصرفي والزبائن والنظام المالي".
ويحتل العراق، البلد الغني بالنفط، المنهك بالفساد وتبييض الأموال، المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن "مدركات الفساد".