هآرتس: هل باكستان الوِجهة المقبلة للتطبيع مع إسرائيل؟
تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يناقش داخل باكستان بمصطلحات جوهرية وليست ديماغوجية بحتة، ما يعد علامة على مدى تطور هذه المباحثات.

ترجمات – السياق
مع انطلاق قطار التطبيع بين إسرائيل وبلدان في الوطن العربي، اتجهت الأنظار إلى القوة النووية الإسلامية الوحيدة في العالم، كوِجهة جديدة للانفتاح على إسرائيل وإقامة علاقات معها.
إلا أن التطبيع بين إسلام أباد وتل أبيب، يتطلب جهودًا سياسية كبيرة، خاصة أن كل جواز سفر باكستاني يتضمن تحذيرًا بأحرف كبيرة، أنه صالح لجميع البلدان باستثناء إسرائيل.
ورغم الجهود التي يُنتظر القيام بها على الصعيد السياسي، فإن المؤسسة العسكرية الباكستانية، التي تعد اللاعب المهيمن في العلاقات الخارجية لباكستان، هي نفسها منفتحة على فكرة العلاقات مع إسرائيل، خاصة أنها شاركت في مناورات عسكرية مشتركة في أوقات مختلفة مع تل أبيب.
لكن ما سبب معاداة السامية في باكستان؟
تقول صحيفة هآرتس، إن معاداة السامية جرى قبولها في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، مشيرة إلى أن مواطني تلك البلدان يتغذون -منذ فترة طويلة- على نظام ثابت من «المبالغات» التي تصوِّر اليهود في ضوء تآمري سلبي، على حد قولها.
وأوضحت أن هناك اعتقادًا شائعًا -لكن لا أساس له- بين العديد من الباكستانيين، أن اليهود يتحكمون في التمويل والصناعات الإعلامية في العالم، مشيرة إلى أن وزير الخارجية الباكستاني السابق شاه محمود قريشي زعم، في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» العام الماضي، أن لدى إسرائيل «جيوبًا عميقة» وأنها "تسيطر على وسائل الإعلام".
وأشارت إلى أن الادعاء بأن إسرائيل أو اليهود متورطون بقلق شديد في مؤامرة طويلة الأمد لزعزعة استقرار باكستان أو نزع فتيلها (بالتواطؤ مع أعداء إسلام أباد)، وأن لباكستان واجبًا أساسيًا إن لم يكن مقدسًا لتفكيك إسرائيل، هو عمليًا شيء متجذر في باكستان وفي الخطاب السياسي هناك.
وتقول «هآرتس»، إنه نتيجة لهذا «التحيز» المستمر، فإن العديد من المسلمين، ليس أقلهم في باكستان، «يرون أن اليهود يستحقون الكراهية والازدراء».
وفد باكستاني إلى إسرائيل
وتساءلت الصحيفة الإسرائيلية: هل هذه الكراهية قائمة على عدم الفهم؟ وإذا فهم المسلمون واليهود قصص بعضهم، هل يظلون يكرهون بعضهم؟ وكيف يمكن أن تتغير العلاقات بين المسلمين واليهود الباكستانيين، لا سيما في إسرائيل؟ وكيف يمكن أن تبدو العلاقات بين باكستان وإسرائيل، وهما التوأمان التاريخيان اللذان جرى تأسيسهما كملاذ آمن للمسلمين واليهود على التوالي؟!
تساؤلات، أجابت عنها الصحيفة الإسرائيلية قائلة، إن محاولة أخيرة لاختبار هذه الفرضية، أثارت جدلًا كبيرًا في باكستان، بعد أن زار وفد من 15 عضوًا بقيادة مجموعتين من المجتمع المدني، إسرائيل لتعزيز الانسجام بين المسلمين واليهود.
الرحلة نظمها مجلس تمكين المرأة الأمريكية المسلمة ومتعددة الأديان، وهي منظمة غير حكومية تأسست في أعقاب اتفاقات إبراهيم، لترسيخ التطبيع بين الشعبين، بين إسرائيل والدول ذات الأغلبية المسلمة، بمشاركة باكستانيين أمريكيين وباكستاني بريطاني وصحفي باكستاني بارز أحمد قريشي ويهودي باكستاني فيشل بن خالد.
الرحلة الأولى
وتقول «هآرتس»: رغم أن كل جواز سفر باكستاني يتضمن تحذيرًا بأحرف كبيرة أنه صالح لجميع البلدان باستثناء إسرائيل، فإن قريشي وبنخل دخلا إسرائيل بجوازي سفر باكستانيين، ما جعلها أول رحلة من نوعها على الإطلاق، فصحفي باكستاني يحمل جواز سفر باكستانيًا، وشخص يذكر جواز سفره الباكستاني أنه يهودي، يسافر كلاهما لإسرائيل ويعودان إلى باكستان من دون عوائق، يعد حدثًا مهمًا، يشير إلى تغيير في المواقف تجاه إسرائيل واليهود داخل الدولة الباكستانية.
ويعد قريشي، الذي يعمل في الإذاعة الحكومية الباكستانية، وتلفزيون باكستان، خبيرًا في شؤون الشرق الأوسط، ويتمتع بسمعة ممتازة في الأوساط المدنية والعسكرية القوية في باكستان، وهو ما انعكس في حقيقة أن الحكومة السابقة عينته لاستضافة عرض عبر تلفزيون باكستان، كان فيه أحد المعلقين على العرض العسكري لعيد باكستان في 23 مارس 2022.
ويقول قريشي عن زيارته لتل أبيب: لقد بذل جميع الإسرائيليين الذين التقيناهم شوطًا إضافيًا، ليثبتوا لنا أنه ليس لديهم أي شيء ضد المسلمين، وأنهم يحترمون المسلمين، ويحترمون المسلمين الفلسطينيين، ويحترمون المسلمين من دول أخرى، ويريدون أن تجعل التجربة من الفلسطينيين المحليين والزوار من الخارج، الذين يرغبون في زيارة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وغيرها من الأماكن المقدسة في القدس، بأقصى قدر ممكن من السلاسة.
وأشار قريشي إلى أن الحاخامات الرئيسين في إسرائيل منعوا اليهود من دخول الحرم الشريف، الذي يحيط بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، المعروفين عند اليهود باسم جبل الهيكل، وهو موقف كرره حاخامات بارزون منذ التوقيع على اتفاقيات إبراهيم.
معاداة السامية
هذه الشهادة التي أدلى بها صحفي مسلم، في ما يتعلق بالضيافة الإسرائيلية، تؤثر بشكل كبير في تصور إسرائيل داخل باكستان، خاصة أن عدد الباكستانيين، الذين سبق لهم التعامل مع أي إسرائيلي أو يهودي، صغير للغاية.
بدورها، قالت أنيلا علي التي قادت الوفد: يجب محاربة الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، ويمكن للمسلمين أن يتعلموا من اليهود كيفية تغيير المواقف البغيضة، مشيرة إلى أن الوفد زار ياد فاشيم، المركز الوطني الإسرائيلي لإحياء ذكرى المحرقة، للتضامن مع ضحاياها.
وتعد زيارة ياد فاشيم مهمة، لأن عددًا كبيرًا من الأشخاص في باكستان يحاولون إنكار الهولوكوست أو التقليل من أهمية الفظائع التي لا يمكن تصورها.
وتقول أنيلا علي، مؤسسة مجلس تمكين المرأة الأمريكية المسلمة والمتعددة الأديان، عن اجتماع مجموعتها مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ: "في البداية، اعتقدت أن الرئيس لن يمنحنا سوى خمس دقائق، لكن بدلاً من ذلك اختار إجراء محادثة طويلة معنا، قدمت كتابًا لوالدي والرئيس إنه سيجد وقتًا لقراءته".
وأشارت أنيلا إلى أن الرئيس الإسرائيلي قال إن تل أبيب ستكون منفتحة على العلاقات الدبلوماسية مع جميع الدول الإسلامية.
تفاعلات نادرة
تقول صحيفة هآرتس، إن هذه الرحلات التي أجراها الوفد الباكستاني، وتتضمن تفاعلات بين الباكستانيين والإسرائيليين، نادرة للغاية، لكنها ليست الأولى من نوعها، ففي عام 2015، زار المحاضر الإسرائيلي رمزي سليمان، الذي درس في قسم علم النفس بجامعة حيفا، باكستان في مؤتمر برعاية جامعة البنجاب، ما يعكس الروابط «الهادئة» بين الأكاديميين الباكستانيين والإسرائيليين.
ووفقًا لأنيلا علي، فإن الأكاديميين الإسرائيليين أبدوا اهتمامًا بالتعاون مع الأكاديميين الباكستانيين، لاسيما في مجال التكنولوجيا الزراعية، إلا أن الاهتمام ليس من جانب واحد، فأكاديميان باكستانيان أطلقا نداءً لافتًا في صحيفة هآرتس لباكستان، التي من المرجح أن تكون أكثر دولة تعاني الإجهاد المائي في منطقتها عام 2040، للتعاون بشكل عاجل مع إسرائيل، في قضايا ندرة المياه وإعادة التدوير والزراعة لإنقاذ الباكستانيين.
وأشارت إلى أن Fiverr ، وهي شركة إسرائيلية، تفاخرت بآلاف العاملين المستقلين الباكستانيين، الذين كانوا يكسبون مليارات الروبيات سنويًا عبر المنصة الإسرائيلية، ما يشير إلى أن زيادة التعاون بين البلدين، يمكن أن تعود بالفائدة عليهما.
وبحسب «هآرتس»، فإن المجال الرياضي شهد أول ازدهار للتعاون والشراكة الباكستانية والإسرائيلية، فعام 2002، شهد تعاون نجم التنس الباكستاني عصام الحق مع اللاعب الإسرائيلي أمير حداد، خلال بطولات ويمبلدون وأمريكا المفتوحة.
جذور تاريخية
تقول الصحيفة الإسرائيلية، إن العلاقات بين الباكستانيين والإسرائيليين قائمة منذ فترة طويلة، مع أو من دون موافقة أو دعم رسمي، فلا يمكن لأي قدر من الخطاب السياسي المحموم أن يتراجع عن ذلك.
وأشارت إلى أن قليلين في باكستان يتذكرون أنه كان هناك ذات يوم مجتمع يهودي مزدهر من الآلاف، يتمركز حول كراتشي ولاهور وبيشاور وكويتا، مؤكدة أن اليهود الذين غادروا باكستان، لا يزالون يشعرون بالحنين إلى وطنهم السابق.
إيمانويل ماتات أحدهم، وهو يهودي ولد في كراتشي وغادر باكستان قبل نحو ثلاثة عقود إلى إسرائيل، يتذكر كيف أنه يفتقد طبق البرياني المميز في باكستان، ويأمل بزيارة أخرى.
الجانب العسكري كان أيضًا محطة للتعاون بين البلدين، فباكستان وإسرائيل شاركتا في مناورات عسكرية، بحسب «هآرتس»، التي قالت إن المؤسسة العسكرية الباكستانية، التي تعد اللاعب المهيمن في العلاقات الخارجية لباكستان، هي نفسها منفتحة على فكرة العلاقات مع إسرائيل.
إلا أنه ومع ذلك، يخشى كبار المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين، النقاش العام المحيط بالزعم القائل إن الجيش القوي هو الذي يدفع باتجاه إقامة علاقات مع إسرائيل.
وشنت وزيرة حقوق الإنسان الباكستانية السابقة شيرين مزاري، حملة مكثفة على "تويتر" تنتقد فيها مشاركة قريشي في الرحلة إلى إسرائيل، مشيرة إلى أن الجيش الباكستاني أيد الزيارة.
واتهمت الحكومة الباكستانية التي جرى تشكيلها مؤخرًا بالضغط لإقامة علاقات، على النقيض من المعارضة القوية لهذا التطبيع، التي كان يمثلها رئيس الوزراء السابق عمران خان.
مواجهة قوية
وبحسب «هآرتس»، فإن مزاري وضعت وسمًا على حساب "تويتر" الخاص بـ Inter-Services Public Relations (جناح العلاقات العامة للجيش الباكستاني)، في إشارة إلى أحمد قريشي بأنه «ولدهم»، ويهدد بالكشف عن أسرار الدولة بشأن التنسيق الاستخباراتي الباكستاني المزعوم.
إلا أنه بعد أيام من هذه المواجهة على «تويتر»، ألقي القبض على مزاري من قِبل وحدة مكافحة الفساد التابعة للشرطة في إسلام أباد، في ما يتعلق بنزاع على الملكية، يشمل عائلتها يعود تاريخه إلى 50 عامًا، بينما قدمت ابنتها إيمان، التماساً زعمت فيه أن القبض على والدتها «اختطاف غير قانوني». وبعد ساعات قليلة، أمرت المحكمة العليا في إسلام أباد بالإفراج عن شيرين وإجراء تحقيق في هذه القضية.
وعن تطورات تلك القضية، تقول «هآرتس»، إن هذه الاتهامات «الصاخبة» قد تكون محاولة لصرف المحادثة، بعيدًا عن التقارير الموثوقة التي ذكرت أنه لم تقم فقط طائرة أعمال إسرائيلية برحلة قصيرة إلى إسلام أباد عام 2018 خلال فترة رئاسة خان للوزراء، بل إن العام الماضي سافر فيه مسؤول كبير في إدارة خان إلى إسرائيل، لإجراء محادثات مع قادة إسرائيليين كبار.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفةIsrael Hayom، سافر الزلفي بخاري، المساعد المقرب من رئيس الوزراء آنذاك عمران خان، إلى إسرائيل بجواز سفره البريطاني، لمقابلة رئيس الموساد آنذاك يوسي كوهين، إلا أن البخاري نفى هذه التقارير بعدما كشفت مصادر موثوقة أنه نقل رسالة من باكستان إلى إسرائيل.
محاولات خان للتطبيع
تقول «هآرتس»، إنه من أجل التحايل على محاولات حكومة خان التعامل مع إسرائيل، يلقي قادة حزبه والمروِّجون باللوم على المؤسسة العسكرية، لدعوتها إلى إقامة علاقات مع إسرائيل.
ويصر قريشي على أن عمران خان كان مستعدًا لإقامة علاقات مع إسرائيل واستخدم علاقاته الأسرية كقناة، في إشارة إلى عائلة جميما جولدسميث، زوجة عمران خان السابقة.
وخرج كل من بن وزاك جولدسميث علانية لدعم عمران خان منذ إطاحته، ما دفع الحكومة البريطانية إلى النأي بنفسها عما وصفته بتدخلها في السياسة الباكستانية.
وبقدر ما يتعلق الأمر بباكستان، أعلن قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا تحولاً في السياسة الخارجية الباكستانية، من الجغرافيا السياسية إلى الجيواقتصادية، مشيرًا إلى إمكانية التضحية بالاختلافات الجيوسياسية بين باكستان وإسرائيل، لصالح الفوائد الاقتصادية التي يمكن تحقيقها من العلاقات الرسمية مع إسرائيل، في صناعات مثل الزراعة والتكنولوجيا والأمن السيبراني وسوق العمل الحر.
وتقول «هآرتس»، إن قيام صحفي باكستاني يعمل في الإذاعة الحكومية بهذه الرحلة، يعكس أن الدولة الباكستانية منفتحة بشكل متزايد على التطبيع، مشيرة إلى أنه يشير إلى إمكانية قيام وفد متبادل مستقبلي من الإسرائيليين بزيارة باكستان.
تطور المواقف
وأكدت الصحيفة الإسرائيلية، أنه من دون تنبيه علني على الأقل من الجهات القوية، لا يمكن لأي صحفي باكستاني القيام بهذه الرحلة العامة إلى إسرائيل والعودة بأمان، ما يعكس كيف تطورت المواقف المتعلقة بإسرائيل، في القوة النووية الإسلامية الوحيدة في العالم.
وأكدت «هآرتس»، أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يناقش داخل باكستان بمصطلحات جوهرية وليست ديماغوجية بحتة، ما يعد علامة على مدى تطور هذه المباحثات، مشيرة إلى أن الإيحاء بأن دولة يهودية ودولة مسلمة، لديهما أسباب قوية لإقامة علاقات دبلوماسية مع بعضهما، أبعد ما يكون عما كان خياليًا في الخطاب العام الباكستاني.
ويمكن الآن اعتبار العلاقات مع إسرائيل مناسبة جدًا لرؤية باكستان الجيواقتصادية: يجب أن نرى أنفسنا كدولة تسعى إلى بناء علاقات تجارية واقتصادية قوية مع الدول الأخرى، لرفاهية مواطنينا، بصرف النظر عن التعقيد السياسي أو الانحراف، قد يكون هؤلاء الشركاء.