هل تتدخل أمريكا لفك الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية؟

الحصار الروسي لصادرات الحبوب الأوكرانية، قد يمكّن شبكات إرهابية في أجزاء أخرى من العالم، وقد يتطلب تدخلاً عسكريًا أمريكيًا، لضمان عدم زعزعة استقرار الأسواق العالمية

هل تتدخل أمريكا لفك الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية؟

ترجمات - السياق

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تعطلت صادرات الحبوب من أوكرانيا، التي تطلق عليها سلة الخبز لأوروبا، ما يهدد الأمن الغذائي العالمي، إذ تفرض موسكو حصارًا محكما على الموانئ الأوكرانية.

ومع بلوغ الأمن الغذائي في العالم مرحلة حرجة، لم يشهدها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، تساءلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن إمكانية اضطرار الولايات المتحدة، إلى التدخل لفك الحصار الروسي على صادرات الحبوب الأوكرانية.

وتستحوذ روسيا وأوكرانيا معًا على نحو 30 في المئة من صادرات القمح العالمية، وتتعرض صادرات أوكرانيا لتباطؤ شديد، لأن الحرب أجبرتها على إغلاق موانئها، بينما تضررت الصادرات الروسية من العقوبات الغربية.

وقفزت أسعار القمح في العالم إلى مستوى قياسي في مارس الماضي، عقب غزو روسيا لأوكرانيا، وباتت أغلى بـ80% مما كانت عليه العام الماضي، وهو ما أسهم في دفع تكاليف الغذاء إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.

القمح والإرهاب

ونقلت "واشنطن بوست" عن الجنرال الأمريكي كريستوفر كافولي -المتوقع أن يصبح القائد الأعلى لقوات الحلفاء القادمة لحلف شمال الأطلسي- تحذيره من أن الحصار الروسي لصادرات الحبوب الأوكرانية، قد يمكّن شبكات إرهابية في أجزاء أخرى من العالم، وقد يتطلب تدخلاً عسكريًا أمريكيًا، لضمان عدم زعزعة استقرار الأسواق العالمية.

وأبلغ كافولي -قائد قوات الجيش الأمريكي في أوروبا وإفريقيا- أعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، بأن الجماعات المتشددة، بما في ذلك (داعش) وحركة الشباب الصومالية، وبوكو حرام، ستستفيد من نقص الغذاء الناتج عن الحرب في أوكرانيا.

وقال: إن هذه المجموعات "تتغذى على ضعف الحوكمة وانعدام الأمن الغذائي والفساد والفقر".

وأشارت الصحيفة، إلى أن أوكرانيا تُعد أكبر مصدر لزيت دوار الشمس في العالم، ورابع أكبر مُصدر للذرة، وخامس أكبر مُصدر للقمح، لافتة إلى أنه كان يُنظر إليها قبل الحرب، على أنها سلة خبز العالم، حيث كانت تصدر 4.5 مليون طن من المنتجات الزراعية شهريًا عبر موانئها.

لكن منذ أن شنت روسيا عملياتها العسكرية على أوكرانيا في فبراير، انهارت الصادرات وارتفعت الأسعار بشكل كبير، وزادت الأسعار أكثر بعد أن حظرت الهند صادرات القمح.

وتقول الأمم المتحدة: إن نحو 20 مليون طن من الحبوب عالقة حاليًا في أوكرانيا، منذ موسم الحصاد السابق، وإذا ما جرى السماح بمغادرتها، يمكن أن تخفف الضغط على الأسواق العالمية.

ويمتلك المزارعون الأوكرانيون حاليًا 20 مليون طن من الحبوب، لكنهم لا يستطيعون إيصالها إلى الأسواق الدولية، كما أن موسم الحصاد الجديد على وشك البدء.

وحسب الصحيفة الأمريكية، اتهم مسؤولون غربيون، موسكو باستخدام الطعام كشكل من أشكال الابتزاز، حيث تسيطر البحرية الروسية بشكل فعّال على حركة المرور في الثلث الشمالي من البحر الأسود، وفقًا لتقديرات المخابرات الأمريكية.

ووصف وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، عرض روسيا برفع الحصار عن موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود، مقابل رفع العقوبات عنها بـ "الابتزاز".

إشارات متضاربة

وذكرت "واشنطن بوست" أنه كانت هناك إشارات متضاربة، بشأن استعداد روسيا للإفراج عن بعض سفن القمح، خوفًا من تعرضه للتعفن، إلا أن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف استبعد ذلك، وقال: لن يُسمح لسفن تحمل حبوبًا أوكرانية بالمغادرة حتى ترفع الحكومات الغربية عقوباتها عن روسيا.

وبعد ساعات من تصريح بيسكوف، قال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي للصحفيين: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وافق في مكالمة هاتفية -من حيث المبدأ- على تحرير ملايين من الأطنان.

وقال دراغي: إنه قرر الاتصال ببوتين لأن "ملايين الأرواح في العالم معرضة للخطر"، موضحًا أن الرئيس الروسي يلوم أوكرانيا على إغلاق موانئها البحرية بزرع ألغام عائمة لدرء أي هجوم.

واقترح رئيس الوزراء الإيطالي تعاونًا بين روسيا وأوكرانيا  "لإزالة الألغام، ومن ناحية أخرى لضمان عدم شن أي هجمات أثناء شحن القمح"، مضيفًا أنه يعتزم الاستفسار من كييف، عما إذا كان سيدعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذا الترتيب.

بينما أدانت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، موسكو لمحاولتها "فرض فِدية على العالم" و"تسليح الجوع بشكل أساسي"، ودعت بوتين إلى إنهاء الحصار، ورفضت فكرة رفع العقوبات أولًا، وقالت إن "أي استرضاء" لن يؤدي إلا إلى جعل الزعيم الروسي "أقوى على المدى الطويل".

هل يتدخل "الناتو"؟

بالعودة إلى شهادة كافولي أمام مجلس الشيوخ، فقد ألمح -حسب الصحيفة الأمريكية- إلى أنه في مرحلة ما، يمكن للجيش الأمريكي أن يشارك في محاولة، لضمان استئناف الصادرات من أوكرانيا، إلا أنه رفض الإفصاح عما إذا كان سيوصي بهذا النهج، إذا تأكد توليه مهام "الناتو"، بصرف النظر عن الخيارات التي يطلبها القادة المدنيون.

وأضاف: "سيكون هناك مزيج من وسائل النقل، التي سنضطر إلى استخدامها للالتفاف على الجهود الروسية، لمنع شحنات الحبوب من مغادرة أوكرانيا"، مشيرًا إلى أن رومانيا أتاحت بالفعل ميناء كونستانتا المطل على البحر الأسود لتصدير الحبوب الأوكرانية، لكن هذا الميناء لن يسمح إلا بنحو 90 ألف طن من الحبوب يوميًا، بينما يوجد نحو 22 مليون طن من الحبوب احتياطيًا".

وتابع: "كما أعلنت وكالة السكك الحديدية الألمانية (دويتشه بان) خطة جديدة، لتخصيص القطارات لنقل القمح مباشرة من أوكرانيا إلى أوروبا الغربية، بينما أنشأت بولندا نظامًا جديدًا لعبور الحدود مع ألمانيا لتسهيل ذلك"، وقال: "أعتقد أن بعض الجهود تبذل، ولا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به".

وترى "واشنطن بوست" أن هذه الخطة، تشبه جسر برلين الجوي عامي 1948 و1949، عندما نقلت قوات الحلفاء الطعام والإمدادات الحيوية الأخرى إلى برلين، للتحايل على الحصار السوفييتي حينها.

بينما قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، للصحفيين تعليقًا على ذلك: "لا توجد خطط لاستخدام الجيش الأمريكي، أو المصادر أو الأصول العسكرية، للمساعدة في نقل الحبوب خارج أوكرانيا"، وأضاف أن إدارة بايدن "تجري مناقشات مع شركائنا الدوليين وحلفائنا لأفضل السبل لمعالجة هذا الأمر".