ما التحديات التي تواجه طالبان في أفغانستان؟
التحدي الأول يتمثل في تحقيق التماسك الداخلي، في ظل تنامي الانقسامات والنزاعات الداخلية بين القبائل، وتصاعد الضغط على طالبان من قِبل حركات المقاومة المناهضة لها في مناطق مثل بنجشير

ترجمات - السياق
سلَّطت مجلة أوراسيا ريفيو -المعنية بالشأن الآسيوي- الضوء على أبرز التحديات التي تواجه حركة طالبان في أفغانستان، منذ استيلائها على السلطة في أغسطس 2021، سواء على الصعيد الداخلي أم الإقليمي.
وأشارت المجلة، في تحليل لكبير تانيجا، محلل مكافحة الإرهاب المقيم في نيودلهي، إلى بعض المؤشرات على وجود تطور نسبي في العلاقات، بين طالبان وبعض القوى الإقليمية في الآونة الأخيرة، لاسيما الهند، مشيرة إلى الزيارة الأخيرة لعبدالله عبد الله رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، إلى الهند خلال الأيام الماضية، فضلًا عن إرسال الهند شحنات من القمح إلى أفغانستان، إضافة إلى التقارير الأخيرة التي تُشير إلى تطلع نيودلهي إلى إعادة بعثتها في كابل، لتسهيل وصول المساعدات والخدمات القنصلية.
وذكرت المجلة أن هذه المناورات والزيارات، محاولة لاستيعاب الإمارة الإسلامية من قِبل القوى الإقليمية بجنوب آسيا وآسيا الوسطى والخليج الفارسي، وهم يطورون بحذر مواقفهم السياسية تجاهها.
تحديات طالبان
وفي طريقها لبناء دولة متكاملة، ذكرت "أوراسيا ريفيو" أن هناك تحديين رئيسين تواجههما حركة طالبان في المرحلة الحالية.
وأشارت إلى أن التحدي الأول يتمثل في تحقيق التماسك الداخلي، في ظل تنامي الانقسامات والنزاعات الداخلية بين القبائل، وتصاعد الضغط على طالبان من قِبل حركات المقاومة المناهضة لها في مناطق مثل بنجشير، إضافة إلى انقسامات داخل الحركة نفسها بشأن تعليم الفتيات وحقوق المرأة، على سبيل المثال، وأخيرًا التهديد المحتمل لداعش خراسان، الذي يتركز في بعض المقاطعات الشمالية والشمالية الشرقية للبلاد.
وتكمن غرابة القصة الأفغانية -حسب المجلة- في أن مجموعة إرهابية قاتلت الدولة ووصلت إلى السلطة وعليها مكافحة الإرهاب ضد "داعش خراسان" وآخرين، باستخدام فريق لديه خبرة في لعب دور مشابه لما يمثله داعش اليوم.
ومع ذلك -تضيف المجلة الآسيوية- فإن المناوشات الأخيرة بين طالبان وداعميها، باكستان، هي التي تحل محل قضايا أخرى باعتبارها اللغز الاستراتيجي الأهم الذي يواجه طالبان اليوم.
وأمام هذه التحديات، أوضحت "أوراسيا ريفيو" أنه لا تزال قوة القيادة العليا لطالبان راسخة بيد المرشد الأعلى هبة الله أخوندزاده ورئيس الوزراء بالإنابة محمد حسن أخوند، وكلاهما من زمرة "قندهار" ، وكثيرون منهم عملوا مباشرة مع أو تحت إمرة مؤسس الجماعة، الملا عمر.
وأضافت أن الفريق الآخر البارز في الحركة يتمثل في الحقانيين -نسبة إلى جلال الدين حقاني مؤسس شبكة حقاني المتشددة، إحدى أقوى الجماعات في حركة التمرد بأفغانستان- القريبون من الدولة الباكستانية، الذين لعبوا مؤخرًا دور "البراغماتيين"، من خلال دعم تعليم الفتيات ومحاولة حشد علماء الدين، لتأييد موقفهم في هذا الإطار.
وما يؤكد ذلك، ما قاله سراج الدين حقاني -نجل جلال الدين حقاني، القائد الفعلي لشبكة حقاني وأحد أبرز حلفاء القاعدة- في مقابلة نادرة مع شبكة سي إن إن الأمريكية: "ستكون هناك أخبار سارة بشأن تعليم الفتيات".
الصراعات الحدودية
وعلى الصعيد الإقليمي، أشارت "أوراسيا ريفيو" إلى تنامي الصراعات الحدودية في الآونة الأخيرة مع إيران وباكستان والصين والهند، وبشكل رئيس تصاعد المناوشات مؤخرًا بين نظام طالبان وباكستان.
ومن ثمَّ يتمثل التحدي الرئيس لطالبان في ضرورة تهدئة المخاوف الأمنية مع تلك الدول، والوفاء بوعودها الخاصة بمكافحة الإرهاب، وعدم دعم الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة وحركة طالبان باكستان، التي تستخدم الأراضي الأفغانية في شن هجمات على الدول المجاورة لأفغانستان، وفي مقدمتها باكستان.
وترى المجلة، أن قادة طالبان يواصلون حماية الجماعات الإرهابية الأخرى، مثل القاعدة، والأهم من ذلك بالنسبة لإسلام أباد، دعم طالبان باكستان.
وذكرت أن باكستان شهدت مؤخرًا ارتفاعًا طفيفًا في قضايا الإرهاب من قِبل حركة طالبان باكستان، وتنظيم داعش خراسان، وداعش في باكستان، مشيرة إلى أن هذا الأمر زاد الضغط على حركة طالبان نفسها، حيث ورد أن باكستان شنت غارات جوية داخل أفغانستان في مقاطعتي كونار وخوست، مستهدفة الجماعات الإرهابية التي شنت هجمات ضد القوات المسلحة الباكستانية.
من بين التحديات التي تواجه طالبان أيضًا -حسب المجلة- محاولات التضييق على زراعة الخشخاش -وهي تجارة ذات أهمية كبيرة في البلاد- بل تعد الداعم الرئيس للاقتصاد منذ عودة طالبان للسلطة في أغسطس الماضي، فضلًا عن الارتفاع المحتمل للمقاومة في مناطق مثل بنجشير، حيث تعهدت مجموعات أصغر بالولاء للقادة السابقين وأفراد المشهد القبلي الأفغاني، الذين قاتلوا ضد طالبان، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط على جيش طالبان في هذه المقاطعات.
يذكر أنه قبل وصول طالبان إلى السلطة، كانت قوات داعش تقدر بنحو 2000 رجل على الأكثر، ومنذ ذلك الحين، تضخمت أعداد مقاتلي التنظيم مع تجنيد الشباب الريفيين، الذين ليس لديهم آفاق مستقبلية، ومقاتلي طالبان الراديكاليين، الذين يرفضون استراتيجية الاعتراف الدولي، التي اعتمدتها الحكومة الجديدة، فضلًا عن المقاتلين الأجانب من آسيا الوسطى وشمال القوقاز وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.
ورغم أنه لا يزال من الصعب تحديد عددهم بدقة، فإن قدرة داعش خراسان على إحداث ضرر، كافية لإثارة القلق بين القوى الإقليمية، التي تخشى ظهور داعش جديد داخل حدودها، أو لمنح الرغبة في شن عمليات هناك لمنظمات مثل الحركة الإسلامية لأوزبكستان، والحزب الإسلامي لتركستان (الاسم السابق لبلاد الإيغور).
عودة القاعدة
من التحديات المهمة أيضًا، التي تواجه طالبان أفغانستان، عودة تنظيم القاعدة للظهور، إذ تشير "أوراسيا ريفيو" إلى أنه على مدى الأشهر القليلة الماضية، خرج زعيم القاعدة أيمن الظواهري -الذي كانت هناك تكهنات على نطاق واسع بوفاته العام الماضي- للظهور وتوجيه بعض الخطابات الدعائية للتنظيم.
وحسب المجلة، تتزامن عودة الظواهري مع عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، ومن ثمّ تشير التقييمات الأخيرة للمسؤولين الأمريكيين بأن طالبان قد تخفف القيود التي فرضتها على القاعدة خلال مفاوضات الدوحة والانهيار النهائي لحكومة الرئيس أشرف غني.
وشددت على أن مستقبل حركة طالبان مرهون بمعالجة الخلافات السياسية والأمنية مع دول الجوار الإقليمي، خصوصًا باكستان وإيران، علاوة على الوفاء بالتزاماتها ذات الصلة بالتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية.
وذكرت أنه في حين أن معظم الاهتمام العالمي يوجه حاليًا إلى دراسة الأزمة الداخلية في أفغانستان، بدءًا من الكوارث الإنسانية الناجمة عن الفقر، إلى تعليم الفتيات، وحقوق المرأة، ونقص الضرورات، فإن التحديات الجيوسياسية التي تواجه طالبان نفسها لا تزال غير مستكشفة إلى حد كبير.