لماذا تكره كل من بريطانيا وفرنسا الأخرى؟

بالنسبة لباريس، فإن أزمة صفقة الغواصات، دليل على الانتهازية الدائمة في لندن، وتفضيل الأخيرة لحصولها على مكانة أدنى، في شراكتها مع الولايات المتحدة، على أي ارتباط مهم بأوروبا، وبالنسبة لبريطانيا، فإن رد فعل باريس على تشكيل "أوكوس" يفضح الشوفينية الفرنسية المعادية لأمريكا

لماذا تكره كل من بريطانيا وفرنسا الأخرى؟

ترجمات - السياق

قالت مجلة ذا أتلانتك الأمريكية، إنه يمكن لأي متابع للسرقة "الأنجلو-أمريكية" لصفقة الغواصات، التي كانت فرنسا تعمل على إبرامها مع أستراليا، استنتاج أن المملكة المتحدة وفرنسا قطبان متناقضان في كل شيء، سواء في شخصيات قادتهما، أو استراتيجياتهما الكبرى، أو نماذجهما الاقتصادية، أو حتى أعرافهما الاجتماعية، مشيرة إلى أن المفارقة هي أن الخلاف على تحالف "أوكوس" الجديد بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، يكشف التشابة الكبير بين لندن وباريس.

وأضافت المجلة، في تقرير، أنه بالنسبة لباريس، فإن أزمة صفقة الغواصات، دليل على الانتهازية الدائمة في لندن، وتفضيل الأخيرة لحصولها على مكانة أدنى، في شراكتها مع الولايات المتحدة، على أي ارتباط مهم بأوروبا، وبالنسبة لبريطانيا، فإن رد فعل باريس على تشكيل "أوكوس" يفضح الشوفينية الفرنسية المعادية لأمريكا.

مرآة مشوَّهة

مع ذلك، فإنه بعيدًا عن التعارض بين البلدين، فإن فرنسا وبريطانيا متشابهتان، أكثر من أي دولتين أخريين على وجه الأرض، ليس فقط من حيث عدد السكان، والثروة، والماضي الإمبراطوري، والانتشار العالمي، والتقاليد الديمقراطية، لكن من حيث أشياء أخرى أعمق، تتمثَّل في الشعور بالاستثنائية، والخوف من الانحدار، والشعور بالاستقلال الوطني، والرغبة في الحصول على احترام الآخرين، والقلق من القوة المتزايدة للدول الأخرى، سواء كان ذلك في الولايات المتحدة أو ألمانيا أو الصين، وفقًا للمجلة الأمريكية.

ورأت المجلة أنه ربما تكون لندن وباريس، قد اختارتا تبني استراتيجيات مختلفة، لكن أوجه التشابه بين هاتين الدولتين تبدو واضحة للجميع، لافتة إلى أنه بدلاً من رؤية هذه التشابهات، فإنه يبدو أن كل دولة منهما تعمل باعتبارها مرآة مشوَّهة لصورة الأخرى، حيث تحجب كل منهما الرؤية المعقولة لجارتها، التي تتمثَّل في صورة تشبه آمالها ومخاوفها أكثر من أي شيء آخر.

 

صفقة القرن

وأشارت المجلة، إلى أنه من وِجهة نظر فرنسا، فإن الإعلان عن "أوكوس" لا يمثِّل خسارة ما كانت تطلق عليه "عقد القرن" الخاص بالغواصات فحسب، بل يمثِّل تهديداً كبيراً لطموحات باريس في أن تكون قوة مستقلة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فضلاً عن أنه أدى لإبعادها عن الطريق من الإدارة الأمريكية، التي كان من المفترض أن تكون معادية بشكل "غريزي" لبريطانيا، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وأكثر تفضيلاً لأوروبا.

وبالنسبة لبريطانيا، فإن "أوكوس"، على النقيض من ذلك، يعد خطوة ملموسة لتعميق علاقاتها في المنطقة، وفتح الطريق أمام علاقات أوثق مع اليابان والهند، وغيرهما، كما أنه يساعد في تمهيد الطريق أيضاً إلى حصولها على عضوية في اتفاقية الشراكة التجارية العملاقة عبر المحيط الهادئ.

وأوضحت "ذا أتلانتك" أن الانتقاد الفرنسي يبدو لاذعاً للغاية بالنسبة بريطانيا، لأنه صحيح جزئياً، إذ أنه بالطبع قبلت لندن مكانة الشريك الأدنى للولايات المتحدة، وذلك على حساب انخفاض نفوذها في أوروبا.

فرصة بريطانيا

ورأت المجلة أنه من السهل لأي شخص، أن يرى أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، يرغب في أن تأخذ بلاده إحدى أوراق كتاب قواعد اللعبة الفرنسي، مشيرة إلى أنه يثق بأن باريس كانت ستفعل الشيء نفسه، في مسألة تحالف "أوكوس"، في حال كانت مكان لندن.

ونقلت المجلة، عن أحد كبار المسؤولين في الحكومة البريطانية قوله: "من وِجهة نظر جونسون، لدى بريطانيا الآن فرصة لتحديد دورها في العالم المستقل عن الاتحاد الأوروبي، وأن تكون أكثر إبداعاً وثقة، بشأن مَنْ نختار دعمه وكيف نختار ذلك"، وأضاف: "إذا كان ذلك يبدو شبيهاً بالأسلوب الفرنسي، فليكن".

بينما قال مسؤول بريطاني آخر للمجلة: "رغم أن المقارنة لم تكن دقيقة، فإنه يمكن بالتأكيد العثور على أوجه تشابه بين استراتيجيتي بريطانيا وفرنسا، لا سيما في شعور البلدين بالاستثنائية".

وقالت المجلة: "ربما تبنى البلدان استراتيجيات مختلفة، للحفاظ على قوتهما وأهميتهما واستقلاليتهما، لكن كليهما يحاول البقاء عظيماً، فبالنسبة لباريس، فإن الرؤية تتمثَّل في تمكين فرنسا العالمية، من خلال الاتحاد الأوروبي.

وبالنسبة للندن، تتمثَّل الرؤية في تمكين بريطانيا العالمية خارج الاتحاد الأوروبي، والرؤيتان معقولتان، ولهما حدود واضحة متجذِّرة في علاقتهما ببقية القارة، إذ فقدت فرنسا دورها القيادي في أوروبا لصالح ألمانيا، بينما تخلَّت بريطانيا عن محاولتها قيادة أوروبا، لكنها لم تستقر على شكل العلاقة، التي تريدها مع أقرب جيرانها.