تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كارثية على الأفغان

قالت هاريسون، إن الأفغان يرغبون في الحديث عن الأشياء السعيدة في حياتهم، ولكن بالنسبة للكثير منهم، خاصة النساء المتعلِّمات العاملات، فإن وجود جماعة متطرفة على أعتاب بيوتهم، يجعل ذلك شِبه مستحيل.

تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كارثية على الأفغان

ترجمات - السياق

رصدت مراسلة صحيفة "ذا غارديان"، البريطانية، إيما جراهام هاريسون، في العاصمة الأفغانية، كابل، تداعيات الانسحاب الأمريكي من البلاد، قائلة إنه بعيداً عن تأثير هذا الانسحاب، في الجغرافيا السياسية للمنطقة، فإنه يجب التركيز على ما وصفتها بـ"التكاليف البشرية" له.

وأوضحت هاريسون، في مقال نُشر لها في "ذا غارديان"، أن المسلحين قد اجتاحوا البلاد في الأسابيع الأخيرة، واستولوا على أراض من بينها أماكن كانت معاقل لحركة لطالبان، وحاصروا المدن الكبرى، مشيرة إلى أن قادة الحركة يمنعون الفتيات من الذهاب إلى المدرسة، في المناطق التي تخضع لسيطرتهم.

 

مصير مجهول

وقالت هاريسون، إن الأفغان يرغبون في الحديث عن الأشياء السعيدة في حياتهم، ولكن بالنسبة للكثير منهم، خاصة المتعلِّمات العاملات، فإن وجود جماعة متطرفة على أعتاب بيوتهم، يجعل ذلك شِبه مستحيل.

ووصفت الكاتبة، المناقشات المتعلِّقة بأفغانستان، ومستقبلها، بالقاسية، وهو ما رأت أنه أمر مقلق للغاية، إذ يتم التعامل مع الوضع الحالي، على أنه مجرَّد مشكلة جيوسياسية، يجب حلها أو ربما تركها جانباً، وليس كدولة فيها 38 مليون نسمة، لديهم حياة وأحباء وأحلام، ويتساءلون بشدة عن مستقبلهم.

وقالت هاريسون، التي شغلت منصب مدير مكتب وكالة رويترز، في كابل: رغم أنه غالباً ما يكون حجم انتقاد طبيعة وتوقيت رحيل الجيش الأمريكي من أفغانستان، مساويًا للدعوة إلى وجود أجنبي دائم في البلاد، أو لتجاهل السجل المقلق من عمليات القتل والانتهاكات والفساد المستشري، الذي خلفته القوات الغربية، فإن الحقيقة هي أنه يمكن قضاء سنوات طويلة، في الانتقاد العميق لكيفية إدارة هذه الحرب.

طريقة متهورة وقاسية

قالت هاريسون، إنها شهدت سوء معاملة وإخفاقات، على مدى أكثر من عقد، وما زالت حتى الآن، تشعر بأن الطريقة التي يتم بها إنهاء الحرب متهورة وقاسية.

وأضافت أنه من المتوقَّع أن تكون لهذا السباق نحو الخروج من أفغانستان، تداعيات بشرية كارثية، تتجاوز أي انتهاكات لحقوق الإنسان في حُكم طالبان، وذلك بالنظر لعودة ظهور الميليشيات وزيادة معدل العنف، وهو ما قالت إنه حتماً سيؤدي إلى مزيد من القتلى والجرحى المدنيين، بخلاف دوره في انهيار المساعدات وتجفيف منابعها بشكل كارثي.

وتابعت: "قد يثبت أن قرار الانسحاب، كان غير مسؤول من الناحية الأمنية أيضاً، إذ إنه من غير الواضح، ما إذا كانت طالبان قد أوفت بوعدها، بقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة أم لا، وما إذا كان فرع تنظيم داعش في أفغانستان سيزدهر أم لا، فقد ساعدت فوضى الحرب الأهلية الوحشية، التي أعقبت انسحاب الاتحاد السوفييتي في صعود طالبان، التي وفرت ملاذًا آمناً لزعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن.

 

مهمة انتقامية

وأشارت مديرة مكتب وكالة رويترز السابقة للأخبار في كابل، إلى أن العديد من الجنرالات والسياسيين، الذين أداروا الحرب الأفغانية منذ عام 2001، أبدوا تجاهلًا لدروس التاريخ، دعمهم في ذلك، شعورهم بالثقة في الاستثنائية الأمريكية.

ومضت هاريسون تقول: "لقد تم الترويج لهذه الحملة العسكرية، بناءً على وعد لتحقيق العدالة، لهجمات 11 سبتمبر 2001، لكنها تمت كمهمة انتقامية، صحيح أن حركة طالبان، التي هُزمت بسرعة، طالبت بالسلام، وأرادت التفاوض قبل عقدين من الزمن، عندما أطاحتها القوات الأمريكية الخاصة بالتحالف مع أعدائها القدامى، لكن تم تجاهلها من المؤسسة الأمريكية، التي اعتقدت أنها تستطيع إعادة بناء بلد، بالشكل الذي ترغب فيه بسهولة، وهي الغطرسة التي ربما كانت ترجع إلى أن أمريكا دولة غنية، بالنسبة لأفغانستان الفقيرة، أو للقوة الهائلة لقواتها العسكرية المنتشرة في البلاد، ضد حرب العصابات".

وأوضحت هاريسون، أنه طالما تجاهل المسوؤلون الأمريكيون في كابل أسئلة الصحفيين، عن حاجة هذا التهديد المتناقص في البلاد، إلى قوة لمواجهته، مشيرة إلى أن فريق الرئيس الأمريكي جو بايدن، كان في البداية قد اختار 4 يوليو، الذي يوافق أحد أهم الأعياد الوطنية في أمريكا، كيوم مغادرة آخر القوات الموجودة في كابل، وهو ما قالت إنه يشير إلى أن ما يراه كثيرون تراجعًا مذلًا، اعتبره الأمريكيون من أشكال الانتصار، رغم تراجع الإدارة عن هذا التاريخ، إذ إنه من المتوقَّع أن تغادر القوات الأخيرة في أغسطس المقبل.

 

أمراء الحرب

من الناحية اللوجستية، فإن بعض الذين يدعمون قرار بايدن، بمغادرة أفغانستان بأسرع ما يمكن، يجادلون بأن هناك العديد من الأماكن الأخرى في العالم، التي تعاني فيها النساء والأقليات المعاملة الوحشية، وربما أكثر وحشية مما يواجهه الأفغان، في ظِل حُكم طالبان، لكن أمريكا لا تتدخل هناك، وهو ما رأت هاريسون أنه يكشف عن تجاهل السنوات العشرين، التي دفعت أفغانستان إلى هذه النقطة الحالية، معتبرة أن شكل البلد، الذي تغادره أمريكا وحلفاؤها اليوم، هو نفسه الذي شكَّـلوه بأنفسهم.

وأضافت هاريسون، أن الفساد المستشري، في جميع أنحاء النظام الأفغاني، طال السكان الأفغان والغربيين أيضاً، إذ تم ترسيخ أمراء الحرب، الذين ساعدوا الولايات المتحدة في إطاحة طالبان، في السُّلطة، وتم تجاهل انتهاكاتهم، كما اعتمد الأمريكيون على القادة الأصغر سناً، ورقوهم رغم سجلاتهم الحافلة بالتعذيب والقتل، خارج نطاق القانون.

كما تم تجاهل تحذيرات جماعات حقوق الإنسان، من أن هذا العنف قد يشعل حلقة جديدة من الحرب الأهلية.

ولكن في هذين العقدين، كان هناك أيضاً سلام واستقرار نسبي، في كابل والمدن الكبرى الأخرى، إذ نشأ جيل علَّم نفسه، وأسس عائلات، وأعمالاً، وحارب من أجل حياة أفضل، فما يقرب من ثلثي الأفغان، تقل أعمارهم عن 25 عاماً، وهؤلاء لم يختبروا، أو ربما لا يتذكرون، السنوات التي سيطرت فيها أيديولوجية طالبان المتطرفة على البلاد، حسب الكاتبة.

 

نخبة معزولة

كشفت هاريسون، عن دراسة استقصائية حديثة، عن الأفغانيات في المناطق الريفية، قالت إنها تتحدى فِكرة أن الناشطات اللاتي يناضلن من أجل التعليم وحرية الحركة وغيرها من الحقوق، مجرَّد نخبة معزولة، إذ وجدت أن هذه الأهداف، كانت مشتركة لدى بقية الأفغانيات، حتى في أكثر مناطق الريف تحفظاً.

وقالت مراسلة "جارديان" إنه مع اقتراب طالبان من السيطرة على البلاد، يجب على أولئك الذين يدعمون كفاح نساء أفغانستان، في البلدان الأخرى، إيجاد طرق لمواصلة دعمهن، معتبرة أنه لا تزال هناك فرص متاحة، في حال اهتمام المجتمع الدولي، باستخدام رأسماله الدبلوماسي في هذا الشأن.

وفي نهاية مقالها، ناشدت هاريسون المجتمع الدولي، قائلة: "نحن بحاجة إلى التأكد من استمرارنا في تمويل الخدمات المقدَّمة للنساء في أفغانستان، فضلاً عن الأنشطة الخاصة بهن، وكذلك الاستماع إلى أصواتهن، وتأكيد أنه لن تتمتع أي حكومة بالشرعية الدولية، في حال تعاملها مع النساء والفتيات مثل طالبان، وذلك بصرف النظر عن الأراضي، التي قد تسيطر عليها هذه الحكومة".