بوتين... بحاجة إلى أن يحترس

مثل الحكام المستبدين الآخرين، أتيحت لبوتين فرصة كبيرة لاختيار كبار ضباطه، على أساس الولاء بدلاً من القدرات، فمثلا وزير دفاعه، سيرجي شويغو، ليست لديه خلفية عسكرية على الإطلاق، فهو مهندس مدني و كان وزيراً لحالات الطوارئ، عندما عيَّنه بوتين مسؤولاً عن القوات المسلحة في البلاد، وفقًا للكاتب.

بوتين... بحاجة إلى أن يحترس
فلاديمير بوتين

ترجمات - السياق

بصرف النظر عن النتيجة، فإن حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا، تنذر بأخبار سيئة لنظامه، ولن تنقذ السيطرة على كييف وإعلان النصر أو بدء مفاوضات سلام، التداعيات المحلية الخطيرة، إن لم تكن المميتة، لهذه الحرب، بحسب الكاتب ليون آرون.

وأضاف ليون -في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية- أنه مع استمرار الحرب، سيأتي الخطر على عهد بوتين -بشكل رئيس- من ثلاث جهات: الأوليغارشية والجيش، والذين نسميهم الروس العاديين.   

 

عقوبات الغرب

وقال ليون، إن الأوليغارشية، الذين سيخسرون أكثر من عقوبات الغرب، حذرون، مهما كانت مشاعرهم الحقيقية، مشيراً إلى أن بعضهم، منذ القبض على ميخائيل خودوركوفسكي عام 2003، غادروا روسيا، في حين يبدو الآخرون متصالحين مع الواقع، مع إدارة شركاتهم، نيابة عن الدولة، بدلاً من أن يكونوا أسيادها.

وقال إن من بين الأربعة الذين سجلوا مخاوفهم حتى الآن، ثلاثة في لندن: ميخائيل فريدمان ورومان أبراموفيتش وأوليج تينكوف، بينما واحد فقط أدلى بتعليق من موسكو، هو أوليغ ديريباسكا، مشيرًا إلى أن جميعهم يشيرون إلى مأساة الحرب ويدعون إلى السلام، من دون لوم بوتين، عدا تينكوف الذي قال صراحة إنه يعارض الحرب.

على مدى التاريخ الروسي، ظل الجيش عمومًا بعيدًا عن السياسة (مع استثناء ملحوظ لثورة الديسمبريست التعيسة عام 1825). 

مثل الحكام المستبدين الآخرين، أتيحت لبوتين فرصة كبيرة لاختيار كبار ضباطه، على أساس الولاء بدلاً من القدرات، فمثلا وزير دفاعه، سيرجي شويغو، ليست لديه خلفية عسكرية على الإطلاق، فهو مهندس مدني و كان وزيراً لحالات الطوارئ، عندما عيَّنه بوتين مسؤولاً عن القوات المسلحة في البلاد، وفقًا للكاتب.

 

رئيس مدى الحياة

بالفِعل اعتُقل الآلاف من عامة الشعب الروسي لاحتجاجهم على الحرب، لكن يكاد يكون من المؤكد أن تلتف أغلبية المواطنين حول بوتين في البداية، كما فعلوا بعد هجومه الأول على أوكرانيا عام 2014.

ومن الواضح أنه يأمل استمرار هذا التأثير حتى الانتخابات الرئاسية في مارس 2024، عندما يبلغ سن 71 عامًا، ومن المحتمل الشروع في رئاسته مدى الحياة. 

من المستحيل التكهن بالوقت الذي ستؤدي فيه ذكريات مستنقع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان -التوابيت المبطنة بالزنك والقبور من غير أسماء- إلى الاستياء، ثم الغضب، ثم الاحتجاجات الجماهيرية.

لمثل هذا الاحتمال بالتحديد، أنشأ بوتين الحرس الوطني، تحت إشراف حارسه الشخصي السابق فيكتور زولوتوف، عام 2016. وقد نما هذا الجسم الأمني في السنوات الست الماضية، ما يقدر بنحو 200000 إلى 400000 رجل، ومن المفترض أن يكونوا موالين للكرملين. 

مع ذلك، فإن ضرب رؤوس الطلاب في موسكو وسانت بطرسبرغ شيء، وإطلاق النار على أمهات الجنود الذين قُتلوا في أوكرانيا شيء آخر. 

إذا تردد الحرس، فلن يأتي الجيش لإنقاذ بوتين، في حين أن الأوليغارشية قد تتشجع بما يكفي للتبرع للمحتجين، كما فعل نظراؤهم الأوكرانيون خلال الثورة البرتقالية عام 2004 وثورة ميدان عام 2014. 

 

تغيير جذري

وقال ليون، إن النكسات العسكرية لا ترحم، وعمليًا كل هزيمة كبرى أدت إلى تغيير جذري، فحرب القرم (1853-1856) عجلت بثورة الإمبراطور ألكسندر الثاني الليبرالية، بينما أدت الحرب الروسية اليابانية (1904-1905) إلى اندلاع الثورة الروسية الأولى، كما أدت كارثة الحرب العالمية الأولى، إلى تنازل الإمبراطور نيكولاس الثاني عن العرش وقيام الثورة البلشفية، كذلك أصبحت الحرب في أفغانستان عاملاً رئيساً في إصلاحات الزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف.

ورأى الكاتب أن بويتن جعل الحرب، أو التهديد بالحرب، أساس دعمه الشعبي، حيث بدأ رئاسته بالوعود بتحديث اقتصادي، لكن عندما تباطأ النمو ثم بدأ التعثر، حوَّل تكتيكاته إلى ما أطلق عليه العلماء الروس "التعبئة الوطنية" أو "الوطنية العسكرية وقت السلم"، وسرعان ما بدأت الدعاية الروسية تأكيد أن الغرب في حالة حرب مع روسيا. 

مقارنة بالماركسية اللينينية، تفتقر أيديولوجية بوتين للوطنية العسكرية إلى التماسك، ولم تختبرها الشدائد، وفقًا للكاتب.

 أما الإرهاب، فإن تطور النظام من استبدادية "أكثر مرونة" إلى دكتاتورية وحشية تقليدية، سيكون أحد أكثر العواقب إثارة للقلق لهذه الحرب. 

لقد بدأت بالفِعل الرقابة في زمن الحرب، مع فرض غرامات ضخمة والسجن مدة تصل إلى 15 عامًا، بتهمة "تشويه هدف ودور ومهام القوات المسلحة"، ومع تراكم الاعتقالات، من المرجح أن يتبعها المزيد من القمع، وفقًا للكاتب.

ومع ذلك، بعد عقدين من الحريات غير المكتملة والمتضائلة بشكل مطرد، فإن التحول المفاجئ إلى شبه الشمولية، يحمل مخاطر هائلة على بوتين، فكل يوم تصمد فيه أوكرانيا يؤدي إلى تآكل نظام بوتين، وقد تكون العواقب بعيدة المدى.

 

*ليون آرون، مؤلف كتاب "يلتسين"، زميل في معهد أمريكان إنتربرايز، ويكتب كتابًا عن طريق فلاديمير بوتين إلى أوكرانيا