إسلام.. شاب مصري نجح في إنقاذ عائلات من جحيم الحرب الأوكرانية

على أنغام أغنية -الغزالة رايقة-، حاول العشيري بث الاطمئنان بنفوس أطفال عراقيين، خلال عملية إنقاذهم إلى الحدود البولندية، خاصة أن القصف الروسي كان مستمرًا طوال الرحلة.

إسلام.. شاب مصري نجح في إنقاذ عائلات من جحيم الحرب الأوكرانية

السياق

تحت حطام الحرب ووسط صرخات الأطفال، ونيران الصواريخ والمدافع، يخرج إلى النور أبطال الظل، الذين يسطرون ملاحم إنسانية، نادرًا ما يسلَّط عليهم الضوء، لكي يمنحوا الأمل لاستمرار الحياة وسط الدمار.

من بين هؤلاء الأبطال إسلام العشيري، الذي اتجه من محافظة الفيوم بمصر إلى مدينة كييف الأوكرانية، قبيل الحظر الذي فرضه وباء كورونا مطلع عام 2020، لاستكمال دراسته والعمل مرشدًا سياحيًا يستقبل -بسيارته الخاصة- وفودًا عربية، جاءت للاستمتاع بجبال بوكوفيل الأوكرانية.

ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تحوَّل إسلام العشيري إلى منقذ للعائلات العربية من جحيم الحرب الأوكرانية، عبر سيارته الخاصة، معرضًا حياته للخطر.

العشيري، الذي لم يعرف اسمه إلا بعد توجيه رئيس الوزراء اليمني الشكر له، بعدما أنقذ عائلة يمنية تقيم بأوكرانيا، يروي في حديث خاص لـ"السياق"، شهادته لقصص الأمل، والدمار الذي خلفه الحرب.

 

البداية

في مطار بورسيبل بمدينة كييف، شاهد إسلام أول قصف روسي فجر 24 فبراير، بينما كان ينتظر قدوم وفد عربي لينظم له جولة سياحية.

ورغم توجه الطائرة إلى دولة أخرى بسبب القصف، فإنه لم يتوقع أن تتطور الأحداث على النحو الجاري، حتى أنه رفض الخروج من البلاد مع أصدقائه الذين أوصلهم إلى الحدود البولندية على مسافة تقرب من 650 كيلو مترًا من المنطقة التي يقيمون بها.

وفي طريق عودته إلى مدينة لفيف، تلقى إسلام العشيري، أول طلب استغاثة عبر تطبيق سناب شات، من فتاة عراقية معها 4 أطفال تقيم في مدينة بيلا تسيركاف، تخلى عنها الجميع، بعد تعرض المدينة للقصف، وأنها محاصرة لا تستطيع التحرك بالأطفال.

يقول إسلام لـ"السياق"، إنه تردد في البداية، خاصة أن المسافة بينه وبينها 650 كيلو مترًا... "أي نفس المسافة التي قطعتها في 7 ساعات متواصلة لإيصال أصدقائي من كييف إلى الحدود البولندية".

ولكن بعد قليل، يضيف العشيري، وجد أنه مازالت لديه القدرة للمواصلة، فاتجه إليها مباشرة من دون راحة، وفي الطريق احترقت السيارة، لأنها لم تتوقف عن العمل ما يزيد على 14 ساعة، وتابع: "قبل أن أفقد الأمل في مساعدتهم، تلقيت اتصالًا من صديق لبناني يدعى محمد عبدالرحمن القعقور يمتلك شركة سياحة، وأخبرني باستعداده للمساعدة في إنقاذ الحالات الإنسانية باستخدام سيارات شركته وهو ما حدث بالفعل".

مواجهة الموت بالموسيقى

يواجه إسلام العشيري، الذي لم يتجاوز عمره 27 عامًا، الموت وصوت المدرعات وانفجار الصواريخ، بضحكاته العالية وصوت "الكاسيت" العالي.

على أنغام أغنية أحد الأفلام المصرية "الغزالة رايقة"، حاول العشيري بث الاطمئنان بنفوس الأطفال العراقيين، خلال عملية إنقاذهم إلى الحدود البولندية، خاصة أن القصف الروسي كان مستمرًا طوال الرحلة.

بعد ذلك مباشرة تلقى إسلام استغاثة أخرى من سعودي وزوجته الحامل في شهرها الثامن، خاصة أنهما لم يجدا مكانًا بالمستشفيات، التي أصبحت مكتظة بالمصابين ولا تتوافر فيها الأدوية ولا الأدوات العلاجية اللازمة، وأضاف: "بالفعل أوصلتهما إلى الحدود".

ثم توالت الاستغاثات، بعدما تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي اسم إسلام العشيري، وقدرته على التحرك وسط القصف والموت لإنقاذ الأطفال والمدنيين.

 

خارج العقل

"لم أكن أستوعب ما يحدث، وشعرت بأنني جزء من فيلم أكشن أو لعبة فيديو"... بهذه العبارة وصف إسلام العشيري لـ"السياق" أصعب عملية إجلاء قام بها منذ بدء القصف الروسي لأوكرانيا، بدأت باستغاثات متلاحقة لأب يمني سافر من أوكرانيا، وعاد إلى بلده باليمن قبل الحرب مباشرة، تاركـًا خلفه بقرية تشرنيجف أوبلست زوجته الأوكرانية وطفليه وطفلة من زوجته، لكنها لأب مصري، ولم يتمكن -بسبب الحرب- من العودة إليهم في ظل تعرض القرية لقصف مستمر.

خلال رحلته من لفيف إلى تشرنيجيف، تعرض إسلام العشيري إلى إطلاق نار، من مدرعة روسية دمرت السيارة التي كان يقودها، لكنه تمكن من مواصلة الرحلة، بعد الحصول على سيارة أخرى من صديقه اللبناني.

6 أيام متواصلة بلا نوم وهو يحاول دخول القرية التي تتعرض إلى القصف، لإنقاذ الأم بأطفالها الثلاثة، وهنا يقول إسلام إنه لجأ إلى الطرق الفرعية إلى القرية، التي تؤمنها اللجان الشعبية، لأن الجيش الروسي يسيطر على الطريق الرئيس، وبعد تواصلهم مع السيدة الأوكرانية والتأكد من وجود الأطفال معه،ا وافقوا على السماح لي بالمرور، لكنهم أخبروني بأن العشرة كيلومترات المتبقية للوصول إلى منزلها، هي الأخطر في رحلتي، وكنت قد قطعت نحو 700 كيلومتر، حتى وصلت إليهم، فقلت: لن أعود من دونهم.

ويتابع إسلام العشري لـ"السياق": رائحة الموت كانت تملأ المكان، وكان الشارع الممتد إلى منزل السيدة الأوكرانية، يمتلئ بالجثث الملقاة على الأرصفة، أو داخل سياراتهم المتفحم جزء منها نتيجة القصف، وكنت وصديق سعودي متواصل معي عبر الإنترنت، فقال لي: ردد خلفي الشهادة وتوكل على الله، وبعدما تلوت الشهادة أدرت السيارة إلى أعلى سرعة، وانطلقت نحو منزل السيدة وسط القصف.

المفاجأة التي كانت بانتظاره حينما وصل للسيدة الأوكرانية، التي كانت كموقف كوميدي وسط خراب الحرب، أنه وجدها غير جاهزة واستغرقت أكثر من ساعة لجمع أغراضها وأغراض أطفالها اللازمة للرحيل، مؤكدة أنها كانت تعتقد أنه سيموت في الطريق ولن يتمكن من الوصول إليهم، لذا استسلمت للبقاء ولم تجهز أغراضها للرحيل.

لجان شعبية

خلال الرحلة إلى الحدود البولندية، تعرف إسلام العشيري، إلى بعض الأوكرانيين باللجان الشعبية، الذين ساعدوه في المرور من خلال طرق جانبية، بعيدة عن مناطق القصف.

إسلام العشيري، الذي كان يستعد -خلال تواصلنا معه فجر الجمعة- للتوجه لإجلاء أسرة عربية، يقول إنه شعر بالحزن حينما لم يتمكن من إنقاذ إمام مسجد بمزرعة يمتلكها أحد رجال الأعمال المصريين، بعدما فشل في الوصول إليه، لأن المنطقة التي تقع بها المزرعة تشهد اشتباكًا حادًا بين الطرفين الروسي والأوكراني، ولا أحد يتمكن من الدخول أو الخروج، سوى عربات الصليب الأحمر التي تتمتع بحصانة دولية في أماكن النزاعات والحروب.

ونهاية حديثه، يؤكد المصري إسلام العشيري رفضه الخروج من أوكرانيا، متمسكـًا بمساعدة الحالات الإنسانية، التي توجه إليه استغاثة بطلب المساعدة.