فورين بوليسي: لماذا فشل مشروع مقتدى الصدر في العراق؟

سعى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، بخلاف قوى الإطار التنسيقي التي تحاول جاهدة إيجاد موطئ قدم لها في الحكومة المقبلة، عبر تشكيل حكومة توافقية على غرار الحكومات السابقة.

فورين بوليسي: لماذا فشل مشروع مقتدى الصدر في العراق؟

ترجمات - السياق

توقعت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن يتراجع زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، عن رهان تشكيل حكومة أغلبية، مشيرة إلى أن التطورات السياسية الأخيرة كشفت تقاربًا بينه وبين غريمه نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، فضلاً عن قادة الإطار التنسيقي للتوصل إلى تسوية لشكل الحكومة المقبلة.

وكشفت المجلة، عن اتصالات بين الجانبين، وأنهما اتفقا على اجتماع مرتقب خلال الأيام المقبلة، بين الصدر وشخصيات سياسية، في تطور هو الأول من نوعه، بعد الانسداد السياسي الذي شهده العراق منذ إجراء الانتخابات في أكتوبر الماضي.

وسعى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، بخلاف قوى الإطار التنسيقي التي تحاول جاهدة إيجاد موطئ قدم لها في الحكومة المقبلة، عبر تشكيل حكومة توافقية على غرار الحكومات السابقة.

وتصدرت الكتلة الصدرية الانتخابات بـ 73 مقعدًا، بينما يبلغ مجموع مقاعد قوى الإطار التنسيقي نحو 60 مقعدًا، موزعة على ائتلاف دولة القانون 33 مقعدًا، وتحالف الفتح 17 مقعدًا، وقوى الدولة 4 مقاعد، فضلاً عن كتل أخرى فاز منها نائب على الأقل في الانتخابات الأخيرة.

 

صانع الملوك

وعددّت "فورين بوليسي" التحديات التي واجهت الصدر لتشكيل الحكومة، وإصلاح العراق، مشيرة إلى أن العديد من المراقبين توقعوا أن تكون الانتخابات العراقية التي جرت في أكتوبر الماضي، نقطة تحول في نضال البلاد الطويل نحو الاستقرار منذ عام 2003، إلا أنه بدلاً من ذلك، شهدت عملية تشكيل الحكومة -التي طال أمدها- عنفًا سياسيًا ضد المعارضين، بما في ذلك الاغتيالات المتبادلة في الجنوب، وتفجيرات المكاتب السياسية والجهات المرتبطة بها، حتى محاولة اغتيال رئيس الوزراء، كما شهدت استهداف المعارضين بدعاوى قضائية واستبعاد المرشحين، وتدخلات القوى الأجنبية، بما في ذلك إيران، بشكل مباشر لمنع تغيير نظام الحكم.

وترى المجلة الأمريكية، أن كل ذلك يشير إلى أن التغيير ليس في الأفق بالنسبة للعراق، إذ لا تزال البلاد عالقة في دورات مألوفة من العنف، بلا طريق واضح للخروج من هذا المأزق.

ووصفت استمرار الخلافات بأنه مخيب للآمال، لأن نتائج الانتخابات ألمحت -في البداية- إلى التغيير، خصوصًا مع تقدم الكتلة الصدرية (73 مقعدًا)، أمام تحالف الفتح المتحالف مع إيران، الذي خسر 31 مقعدًا، ولم يعد يمتلك سوى 17 مقعدًا فقط، مشيرة إلى أنه كان من المتوقع -على نطاق واسع- أن يلعب الصدر دور صانع الملوك، بديلًا لإيران التي كانت تمتلك هذا الدور طوال السنوات الأخيرة.

 

نظام الحكم

وأوضحت أنه أمام ذلك، واستشعارًا لفرصة التغيير الجذري، دعا الصدريون إلى وضع حد لنظام الحكم التوافقي، حيث تقتسم جميع الأحزاب الدولة في ما بينها، على حساب الفساد والركود، وبدلاً من ذلك، أصر الصدر على تشكيل حكومة أغلبية، مشيرة إلى أن المفتاح لتحقيق ذلك، كان استبعاد منافسه القديم وحليف إيران "المالكي"، خصوصًا أن الولايات المتحدة غيرت سياستها الخاصة، وأصبحت تدعم الصدر، بل وترى في صعوده فرصة لطرد النفوذ الإيراني وتغيير السياسة العراقية.

وذكرت المجلة الأمريكية، أنه لإعادة تشكيل السياسة العراقية، احتاجت حملة الصدر -القائمة على الأغلبية- إلى تحالف جديد هو  التحالف الثلاثي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي أصبح أقوى حزب كردي، وكتلة السيادة، التي تمثل السُّنة الذين اتحدوا مؤخرًا، مشيرة إلى أن التحالف اجتاز أول اختبار له، في 9 يناير الماضي، عندما فاز مرشحه لرئاسة البرلمان، محمد الحلبوسي، بأغلبية واضحة بحصوله على 200 صوت.

 

خيار العنف

وحسب وصف "فورين بوليسي" فإن الإطار التنسيقي المعارض بقيادة المالكي والفتح -بدعم من إيران- لا يزال يملك خيار العنف، مشيرة إلى أن فتح حشدت أعضاءها ومقاتليها لتنظيم الاحتجاجات، وأغلقت نقاط الدخول الرئيسة إلى المنطقة الحكومية والمؤسسات القضائية.

وبنيّت المجلة أنه سرعان ما أدرك الصدريون أن جماعتهم المسلحة –سرايا السلام– لم تكن ندًا من حيث القوة البشرية والأسلحة لصراع مسلح أوسع، مشيرة إلى أنه مع عدم رغبة القوات الحكومية وعدم قدرتها على التدخل رسميا، أظهر الإطار التنسيقي قوته القسرية.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى تصاعد العنف المباشر بين الصدريين والجماعات المتحالفة مع إيران، وتحديدًا عصائب أهل الحق، خلال أشهر تشكيل الحكومة.

وأوضحت أنه في ميسان، وهي محافظة عراقية متاخمة لإيران، استهدف كل جانب الآخر، ما أدى إلى سلسلة من الاغتيالات المتبادلة للصدريين والمسؤولين المحليين التابعين لعصائب أهل الحق، مشيرة إلى أنه في 7 نوفمبر 2021، شنت الجماعات المسلحة غارات بطائرات من دون طيار على مقر إقامة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي ينظر إليه على أنه حليف مقرب من الصدر، مشيرة إلى أنها المرة الأولى في العراق منذ عام 2003، التي يتعرض فيها رئيس وزراء لمحاولة اغتيال.

وذكرت المجلة أنه في اليوم التالي، قرر الكاظمي التشاور مع قوات الحشد الشعبي، وهي شبكة جامعة من الجماعات المسلحة المرتبطة بتحالف الفتح، وحلفائها لتهدئة الوضع.

وتضيف "فورين بوليسي" أن الأطراف الخاسرة استهدفت الأجزاء الرئيسة من التحالف الثلاثي بزعامة الصدر، إذ شنت الجماعات هجمات ضد مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد وكركوك بالعراق، وكذلك ضد البنوك والشركات المرتبطة بالحزب، كما هاجموا المقرات السياسية السُّنية في بغداد ومحافظة الأنبار بالعراق، بل وأطلقوا صواريخ على أحد مساكن الحلبوسي الخاصة في الأنبار، وقد استخدم هذا العنف بنجاح لبث الخوف في نفوس كل من فكر في التعاون مع الصدر.

 

 

حرب قضائية

من الأمور التي أعاقت الصدر –أيضًا- عن تشكيل الحكومة، حسب "فورين بوليسي" الدعاوى القضائية، إذ لجأ معارضو التحالف الثلاثي إلى الدعاوى القضائية والإجراءات القانونية –بالعمل مع حلفائهم داخل السلطة القضائية– لتعطيل حكومة الأغلبية.

وأشارت إلى أنه في اليوم التالي للانتخابات، أعلن زعيم حركة الفتح هادي العامري، الذي صُدم بالنتيجة، أنه سيقدم شكاوى تزعم تزوير الناخبين، موضحة أن من شأن ذلك أن يتحول إلى عملية تهدف إلى تشويه سمعة نتيجة الانتخابات.

وأضافت أنه في حين أن الخلاف على الانتخابات، أدى إلى تأخير التصديق على نتائج الانتخابات، إلا أن الدعاوى القضائية الأكثر تعقيدًا كانت وسيلة فعالة لتعطيل تحالف الصدر نفسه، مبينة أنه عندما طرح التحالف الثلاثي هوشيار زيباري كمرشح رئاسي لحكومة الأغلبية، عمل إطار التنسيق على إعادة دعاوى الفساد القديمة التي شككت في ترشيح زيباري، ومن ثمّ فقد استبعد القضاء زيباري، الذي وافق عليه البرلمان، ما شكل ضربة للضغط لتشكيل حكومة ذات أغلبية.

وذكرت المجلة الأمريكية أنه، من خلال العمل مع الرئيس الحالي برهم صالح، روَّج الإطار التنسيقي أيضًا لحكم قانوني، ينص على أن البرلمان يتطلب ثلثي النصاب القانوني لإجراء أي تصويت على الرئاسة، وذلك يعني أن هناك حاجة إلى اتفاق في الكواليس، ما يضمن استمرار نظام الحكم التوافقي.

من الأمور التي تعيق نجاح الصدر أيضًا في تشكيل حكومته -حسب "فورين بوليسي"- التدخل الإيراني، مشيرة إلى أن لإيران تاريخيًا كصانعة ملوك مهمة في تشكيل الحكومات العراقية.

وأوضحت المجلة الأمريكية، أن هناك مصدر قلق آخر هو انعدام الثقة بالصدر نفسه بين حلفائه، مشيرة إلى أن الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني يعتقدان أن الصدر خاطر بشكل كبير جدًا بتنفير المعارضين السياسيين الأقوياء وحلفائهم الإيرانيين، كما يخشون الصدر كحليف يمكن الاعتماد عليه، مشيرين إلى تخليه عن مرشح ائتلافه للرئاسة زيباري، بعد أن واجه مزاعم فساد.

ورأت "فورين بوليسي" أن محاولة الصدر فرض رؤيته للإصلاح السياسي –تحت ذريعة تغيير طبيعة النظام السياسي العراقي بشكل جذري– لم تنجح، مشيرة إلى أن القوة الانتخابية ليست سوى عنصر واحد من المعادلة التي تحدد تشكيل الحكومة، لذا فإن النظام العراقي الضعيف -على ما يبدو والمدفوع بالإجماع- أثبت مرة أخرى مرونته في مواجهة التغيير.