لماذا لا تستطيع الصين إنقاذ اقتصاد روسيا؟

عدد كروغمان، الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الروسي، جراء قرار بوتين بغزو أوكرانيا، مشيراً إلى أن الغرب منع إلى حد كبير وصول روسيا إلى النظام المصرفي العالمي، وهو إجراء له ما بعده، لأن المصدرين الروس قد يكونون قادرين على إخراج بضاعتهم من البلاد، لكنهم الآن غير قادرين على تقاضي ثمن هذه البضائع، حتى لو كانت هذه البضائع لا يتعدى ثمنها مئة دولار.

لماذا لا تستطيع الصين إنقاذ اقتصاد روسيا؟

ترجمات – السياق

استبعد بول كروغمان، الأكاديمي الأمريكي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، أن تستطيع الصين إنقاذ روسيا، بعد ازدياد حدة العقوبات الغربية التي اتُخذت مؤخرًا، جراء قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا.

ويرى كروغمان -في تحليل بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية- أن بوتين أساء تقدير كل شيء، عندما قرر غزو أوكرانيا، ووصفه بأنه ضخم نفسه وبالغ في تقدير قوة بلاده العسكرية، بينما في المقابل بخس القوة النفسية والبراعة العسكرية لجارته الصغيرة أوكرانيا.

وقال إن بوتين فشل في توقع عزم الحكومات الديمقراطية -على وجه الخصوص- ورد فعلها على غزو جيشه لأوكرانيا، بما في ذلك إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي أدت عملًا رائعًا على جميع الأصعدة، بدءًا من تسليح أوكرانيا، ووصولًا إلى حشد الغرب حول العقوبات المالية.

 

تأثير العقوبات

وقلل كروغمان، من قيمة التعليقات التي تتحدث عن إعادة القوات الروسية لتجميع صفوفها، واستئناف تقدمها على نطاق واسع في غضون يوم أو يومين، خصوصًا أن هذه المقولات تتردد يومًا بعد يوم، لأكثر من أسبوع، ولم يحدث أي جديد حتى الآن، مشددًا على أن تأثير العقوبات الغربية في الاقتصاد الروسي هو الأهم.

وأضاف: علينا بدلًا من التركيز على الأخبار التي تتحدث عن تقدم الروس على الأرض، أن نركز أكثر على تأثير العقوبات في الاقتصاد الروسي، وعلى وجه التحديد الإجابة عن سؤال، هل تستطيع الصين، من خلال تقديم نفسها كشريك تجاري بديل، إنقاذ اقتصاد بوتين؟، ليجيب: إن هذا الاحتمال غير وارد على الإطلاق.

وعن تداعيات تلك العقوبات على روسيا، يؤكد كروغمان أن إعلان بايدن حظر واردات النفط الروسي إلى الولايات المتحدة، خطوة من شأنها زيادة الضغط الاقتصادي على موسكو، مشيرًا إلى أن حظر الولايات المتحدة لواردات النفط الروسي، إنما هو مجرد إجراء رمزي، ذلك أن النفط يتداول في السوق العالمية، ولهذا فإن ذلك سيؤدي فقط إلى فرض بعض التعديلات على هذه التجارة، خصوصًا أن الواردات النفطية الأمريكية من روسيا تمثل نحو 5% فقط من الإنتاج الروسي.

 

النظام المصرفي العالمي

عدد كروغمان، الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الروسي، جراء قرار بوتين بغزو أوكرانيا، مشيراً إلى أن الغرب منع إلى حد كبير وصول روسيا إلى النظام المصرفي العالمي، وهو إجراء له ما بعده، لأن المصدرين الروس قد يكونون قادرين على إخراج بضاعتهم من البلاد، لكنهم الآن غير قادرين على تقاضي ثمن هذه البضائع، حتى لو كانت هذه البضائع لا يتعدى ثمنها مئة دولار.

ويشدد الكاتب، على أن الأهم من ذلك، أنه من الصعب على روسيا سداد ثمن وارداتها، كما أن التجارة الروسية التي لا يزال مسموحًا بها تبدو في واقع الأمر كأنها في حالة احتضار، إذ تشترك الشركات الغربية التي تخشى فرض مزيد من القيود، وردود الفعل السياسية، في ما سماها "المعاقبة الذاتية".

ويتساءل كروغمان، عن أهمية العقاب الذاتي، ويجيب بأن النخبة الروسية ربما تستطيع العيش من دون (حقائب برادا) باهظة الثمن، لكن الأدوية الغربية لها تأثير مختلف، موضحًا أن البضائع الاستهلاكية لا تُمثل سوى ثلث الواردات الروسية تقريبًا، أما الثلثان الآخران فسلع رأسمالية، وسلع وسيطة، أي مكونات تستخدم في إنتاج سلع أخرى، ومواد خام، وهي السلع التي تحتاج إليها روسيا للمحافظة على اقتصادها، والتي قد يتسبب غيابها في توقف قطاعات مهمة.

وأشار إلى أنه على سبيل المثال، فإن منع قطع الغيار والخدمات قد يؤدي سريعًا إلى إصابة الملاحة الجوية المحلية في روسيا بالشلل، ما يمثل مشكلة كبيرة في بلد بحجم روسيا.

 

الدور الصيني

وبالعودة إلى الدور الصيني، وهل تستطيع مد شريان الحياة للاقتصاد الروسي، قال كروغمان إن هذا الأمر يبدو غير متاح، لعدد من الأسباب، أولها أنه رغم أن الصين قوة اقتصادية هائلة، فإنها ليست في وضع يسمح لها بتوفير بعض الأشياء التي تحتاج إليها روسيا، مثل قطع غيار الطائرات المصنعة في الغرب، ورقائق أشباه الموصلات المتطورة.

ويتمثل السبب الثاني، في أنه رغم أن الصين ليست منطوية في قائمة الدول التي فرضت عقوبات أخيرة، فإنها مشتركة بقوة في الاقتصاد العالمي، وهذا يعني أن البنوك والأنشطة التجارية الصينية الأخرى، مثل الشركات الغربية، قد تدخل في "معاقبة الذات"، أي أنها ستُحجب أيضًا عن التعامل مع روسيا، خوفًا من رد فعل المستهلكين والمنظمين في الأسواق الأكثر أهمية.

وعن السبب الثالث، يرى صاحب نوبل في الاقتصاد، أنه يكمن في "بعد الصين الجغرافي عن روسيا، فرغم أن الدولتين تتشاركان أحد حدودهما، فإن معظم الاقتصاد الروسي يقع غربي جبال الأورال، في حين يقع معظم الاقتصاد الصيني على مقربة من ساحلها الشرقي، مشيرًا إلى أن بكين العاصمة تقع على مسافة 3500 ميل من موسكو، ومن ثم فإن الطريقة العملية الوحيدة لنقل السلع، عبر تلك المساحة الشاسعة، غير ممكنة سوى من خلال عدد قليل من خطوط القطارات المنهكة بالفعل.

أما السبب الأخير الذي يحول دون قدرة الصين على إنقاذ الاقتصاد الروسي، فأوضح الكاتب أن هناك اختلافًا شديدًا في القوة الاقتصادية بين البلدين، ففي حين لا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لروسيا تريليوني دولار، يقارب الناتج المحلي الصيني 16 تريليون دولار سنويًا.

 

قوس استبداد

وعن استبعاد إمكانية إقامة حلف صيني روسي، على غرار حلف وارسو الذي تشكل بين الاتحاد السوفييتي وسبع جمهوريات اشتراكية، بعد الحرب العالمية الثانية، لفت كروغمان إلى أن بعض السياسيين يحذرون من تشكيل ما سماه "قوس استبداد"، يعيد إلى الذاكرة محور الحرب العالمية الثانية، مشيرًا إلى أنه بالنظر إلى الفظائع التي ترتكب حاليًا، فإن هذه المقارنة تصبح مقبولة، لكن الشركاء في هذا القوس سيكونون غير متكافئين على نحو فج، حسب وصفه.

وعن إمكانية تطبيق هذا الحلف مجددًا، أشار الكاتب إلى أنه ربما يحلم بوتين باستعادة إرث الحقبة السوفيتية، لكن الاقتصاد الصيني الذي كان يعادل تقريبًا حجم اقتصاد روسيا قبل 30 عاماً، يبلغ الآن 10 أضعافه.

لذا، -حسب كروغمان- فإنه إذا حاول البعض تخيل إنشاء بعض الفاشية الجديدة بين الصين وروسيا، فمن المؤكد أن تمثل فيه روسيا الشريك الأصغر بدرجة كبيرة، وربما أقرب في واقع الأمر إلى دولة عميلة وتابعة للصين، وبذلك من المفترض أن هذا ليس ما يفكر فيه بوتين بأحلامه الإمبراطورية.

ويختتم الكاتب تحليله: لا تستطيع الصين مساعدة روسيا عن عواقب غزو أوكرانيا، فقد يكون الضغط الاقتصادي على روسيا أشد إذا انضمت الصين إلى العالم الديمقراطي في معاقبة العدوان، لكن هذا الضغط يبدو قاسيًا للغاية حتى من دون مشاركة صينية، إذ ستدفع روسيا ثمنًا باهظًا للغاية، بالمال والدم، بسبب جنون العظمة لدى بوتين.