ماذا يعني حظر النفط الروسي لأسواق الطاقة العالمية؟
المحللون يحذرون من صدمة في المعروض تشبه أزمة 1979 إذا أدت تحركات الولايات المتحدة وغيرها إلى حصار واسع النطاق

ترجمات - السياق
يُعد حظر البيت الأبيض لواردات النفط الروسي إلى الولايات المتحدة، الذي أُعلِن الثلاثاء، أهم خطوة -حتى الآن- في حرب الطاقة العالمية المتصاعدة بسرعة بين روسيا والغرب، في أعقاب غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
وأغلق نفط برنت على ارتفاع بنسبة 4 في المئة عند 127.98 دولار للبرميل الثلاثاء، بعد يوم من تسجيله أعلى مستوى خلال اليوم منذ الأزمة المالية العالمية، بينما سجلت أسعار البنزين الأمريكي مستوى مرتفعًا جديدًا.
وبينما يحذر المحللون من احتمال مزيد من التصعيد، رصدت "فايننشال تايمز" آثار الحظر بالنسبة للأسواق العالمية وتداعياته المحتملة.
ما المعلَن وما الذي لم يُعلن؟
يحظر الأمر التنفيذي، الذي أصدره الرئيس جو بايدن، واردات الولايات المتحدة من الخام والمنتجات النفطية والفحم والغاز الطبيعي المسال، مع مهلة 45 يومًا للعقود الحالية، كما أنه يمنع الشركات الأمريكية من الاستثمار في صناعة الطاقة الروسية.
وقالت بريطانيا إنها ستوقف أيضًا واردات النفط تدريجياً، مع منح الشركات مهلة حتى نهاية العام لقطع الشحنات.
وكانت كندا، التي تستورد كميات ضئيلة من النفط الروسي، قد أعلنت حظرًا مماثلًا.
لكن هذه ليست محاولة لحظر صادرات النفط الروسية إلى العالم، كما حدث عندما انقطع النفط الإيراني -إلى حد كبير- عن الأسواق العالمية، كان آخرها عام 2018.
فالاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد على الطاقة الروسية، لم يحذو حذوهم، وسيتطلب الحظر الأوسع عقوبات ثانوية، وربما يحتاج إلى تعاون من دول الاتحاد الأوروبي وحتى الهند والصين، أكبر مشتر لروسيا.
ما المشكلة التي يمثلها الحظر للولايات المتحدة؟
تعد الولايات المتحدة، أكبر سوق للبترول في العالم، حيث يبلغ استهلاكها نحو 20 مليون برميل يوميًا، بينما بلغ إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام والوقود 8.5 مليون برميل في اليوم عام 2021 ، استحوذت روسيا على قرابة 8 في المئة منها.
ووفقًا لـ "فايننشال تايمز" سيكون التعامل مع فقدان النفط الخام الروسي، أسهل من الاستمرار في عدم استخدام المنتجات البترولية مثل زيت الغاز الذي تستخدمه المصافي الأمريكية كمادة أولية لمنشآتها.
وقال روبرت كامبل المحلل في شركة إنرجي أسبكتس الاستشارية: "التأثير الأكبر سيظهر في واردات المواد الأولية".
وبينما ارتفعت إمدادات النفط الأمريكية المحلية في السنوات الأخيرة، بُنيت مصافي النفط في البلاد لمعالجة الخام "الأثقل" من تلك التي تأتي من حقول النفط الصخري الأمريكية، ما أجبرها على استخدام المنتجات البترولية الروسية، للحفاظ على سير العمليات بسلاسة.
وقال كامبل: "رغم أن الكميات صغيرة مقارنة بالطلب الإجمالي على النفط في الولايات المتحدة، فإن فقدان هذه الإمدادات سيعقد عمليات مصافي التكرير الأمريكية ويضيق سوق البنزين الأمريكي".
ما المشكلة لروسيا؟
من الناحية النظرية، يمكن لروسيا فقط بيع نفطها إلى مشترين آخرين في سوق تحكمها المنافسة، كما يمكن شحن ما لا يباع إلى الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة في مكان آخر.
لكن الدولة تكافح، ومع ما يصفه المحللون بأنه "إضراب المشتري" الناشئ، أصبحت الشركات أقل استعدادًا للمخاطرة بتسلم النفط الخام الروسي المنقول بحراً، خوفًا من المخاطر القانونية أو السمعة.
وقال المحللون إن رد فعل العلاقات العامة، الذي أعقب قرار شل الأخير بشراء شحنة مخفضة للغاية من النفط الروسي، كان درسًا مفيدًا للمشترين المحتملين.
هذه العقوبة المفروضة، كرد فعل على المخاوف، التي يضاعفها الحظر الأمريكي، تظل المشكلة الأكثر خطورة.
وقال كامبل: ما لم تكن روسيا قادرة على مواصلة شحنات الديزل وزيت الوقود كل شهر، فقد يؤدي ذلك إلى تأثير الدومينو، حيث تضطر مصافي التكرير إلى خنق نشاطها، ما قد يؤدي إلى فقدان الطلب من المصافي الروسية، ويدفع الى إجبار منتجي النفط في البلاد على إبطاء أو خفض إنتاجهم.
ماذا بعد ذلك؟
في حين أن الحظر من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، قد يكون له تأثير ضئيل، فإن المغزى الأساسي هو أن البيت الأبيض أظهر أنه على استعداد لمواصلة تنفيذ العقوبات، بما في ذلك تلك التي تستهدف قطاع الطاقة، كما قال ريتشارد نيفيو، كبير الباحثين في جامعة كولومبيا.
وأضاف نيفو، الذي ساعد في وضع عقوبات إدارة أوباما على إيران: "إنهم يقولون: هذا أمر نحن على استعداد للقيام به".
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، إن بلاده "لها الحق في اتخاذ قرار مماثل" وقطع إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم1، وهو شريان مهم لقارة لا تزال تعتمد بشكل كبير عليه.
بدوره، قال بوب مكنالي، رئيس شركة رابيدان إنيرجي غروب للاستشارات بواشنطن: "أعتقد أننا أمام خطر كرة الثلج... ما زلنا في المرحلة الأولى، لا أعتقد أن الأمر يزداد سوءًا".
بينما قالت هيليما كروفت، العضو المنتدب في "آر بي سي كابيتل ماركتس" المحللة السابق في وكالة المخابرات المركزية، إن الدعوات لفرض عقوبات ثانوية على النفط الروسي، قد يصعب تجاهلها مع استمرار تزايد الخسائر البشرية للغزو.
وأضافت: "يصبح الأمر جادًا، عندما يتعين على المصافي في الصين والهند إجراء تحليل للتكلفة والعائد" بشأن شراء النفط الروسي. ستكون ألمانيا وكبار المستوردين "في مأزق".
وتساءلت: "ما الثمن الذي ترغب في دفعه لإثبات أنه لا يمكنك غزو دولة ذات سيادة وتمزيق نظام ما بعد الحرب في أوروبا؟" .
إلى أي مدى ترتفع الأسعار وما تأثيره؟
كلما زادت خسارة النفط الروسي من السوق، ارتفع سعر النفط، وأثارت حالة عدم اليقين احتمال ارتفاع النفط متجاوزًا أعلى مستوى قياسي له عند 147 دولارًا للبرميل عام 2008، بالقرب من 200 دولار للبرميل عند تعديله وفقًا للتضخم.
وحذر نوفاك، الذي كان أيضًا وزير الطاقة الروسي الأسبق، الاثنين، من ارتفاع الأسعار إلى 300 دولار لبرميل النفط، إذا حذت أوروبا حذو الولايات المتحدة في حظر واردات الخام الروسية.
وقال المحللون في بنك أوف أمريكا، إن فرض حصار واسع النطاق على النفط الروسي، من شأنه أن يؤدي إلى "صدمة معروض تعادل تقريباً أزمة النفط عام 1979"، التي تسببت في ألم اقتصادي هائل في الدول الغربية، وقالوا إن الأسعار قد "تتجاوز 200 دولار للبرميل" في ظل هذا السيناريو.
وقال كونيت كازوك أوغلو، رئيس قسم الطلب على النفط في شركة الاستشارات إف جي إي، إن صدمة العرض المماثلة لتك التي حدثت عام 1979، قد تترك العالم "في طريقه إلى ركود عالمي حاد آخر".
هل يمكن للولايات المتحدة أو المنتجين إحداث أي خرق؟
أمضت إدارة بايدن أسابيع تجوب العالم بحثًا عن براميل إضافية، وتحاول تشجيع المنتجين المحليين على تكثيف التنقيب، والضغط على تحالف أوبك بلس للمنتجين لتعزيز الإمدادات، ودفع الصفقات المحتملة لإلغاء تجميد الخام الإيراني والفنزويلي، الذي وُضع تحت العقوبات والعودة إلى المخزونات.
وأشارت وكالة الطاقة الدولية، التي أعلنت -الأسبوع الماضي- إطلاق 60 مليون برميل من مخازن الطوارئ، في محاولة لضخ المزيد من الإمدادات لكبح ارتفاع الأسعار.
وقال كروفت إن إقناع المملكة العربية السعودية، المنتج الوحيد في أوبك، الذي يمتلك طاقة إنتاجية احتياطية كبيرة، بضخ مزيد من الخام، قد يتطلب من إدارة بايدن إصلاح علاقاتها بالمملكة أولاً.
ومع ذلك، فإن الحجم الهائل لبصمة روسيا في أسواق النفط العالمية -كثالث أكبر منتج وأكبر مصدر للمنتجات النفطية في العالم- يعني أن خسارة إمداداتها سيكون من المستحيل تقريبًا تعويضها بسرعة.
وقال داميان كورفالين، المحلل في غولدمان ساكس: "عدم اليقين بكيفية حل هذا الصراع ونقص النفط، أمر غير مسبوق".
كذلك سلَّط الضوء على منتجي النفط الصخري في أمريكا، كمصدر آخر للإمدادات المحتملة قصيرة الأجل لتخفيف ارتفاع الاسعار، لكن المديرين التنفيذيين في الصناعة، يقولون إن الاستجابة السريعة من منتجي النفط الصخري في أمريكا، غير مرجحة.
وقال رايان لانس، الرئيس التنفيذي لشركة كونوكو فيليبس، أحد أكبر المنتجين في الولايات المتحدة: "كصناعة، لا يمكننا إغفال العائدات، كل ما نبدأه اليوم لن ينتج إلا بعد مرور 12 إلى 18 شهرًا".
ما الحلول طويلة المدى؟
يجادل المدافعون عن الطاقة النظيفة، بأن الأزمة -بارتفاع أسعار البنزين المصاحب لها- سبب آخر للدول الغربية المستهلكة، لإنهاء اعتمادها على الوقود الأحفوري، الذي يثري أنظمة مثل بوتين.
وقال إد ماركي، السناتور الديمقراطي من ولاية ماساتشوستس: "هذه اللحظة دعوة واضحة للحاجة الملحة للانتقال إلى الطاقة النظيفة المحلية، حتى لا نكون متواطئين مرة أخرى في صراع الوقود الأحفوري".