نهاية حقبة إيكيا والطبقة الوسطى في روسيا.. وبداية حرب باردة جديدة

نزوح العلامات التجارية الغربية قد يؤدي إلى تأجيج معارضة فلاديمير بوتين أو تعميق الغضب القومي من الغرب

نهاية حقبة إيكيا والطبقة الوسطى في روسيا.. وبداية حرب باردة جديدة

ترجمات – السياق

تتذكر الروسية سفيتلانا شابوفاليانتس، أول زيارة لها  لمتجر إيكيا في روسيا، بعد مدة وجيزة من افتتاحه عام 2000.

 في ذلك الوقت، كانت هي وزوجها في العشرينيات من العمر ويعيشان في شقة بريازانسكي بروسبكت في موسكو، إذ تقول سفيتلانا: "لقد أنفقت 4000 روبية -ما يعادل ثلث راتبي- على مجموعة من الأشياء، بما في ذلك بعض الأطباق الزرقاء التي لا تزال تملكها.

 عندما تمكن الزوجان من شراء منزلهما الخاص، ملآه بأثاث إيكيا في ما تصفه بأنه "تصميم مستوحى من موسكو-باريس-نيويورك"، وتتذكر قائلة: "كان الناس يدورون ويقولون: واو"!

الآن، سفيتلانا، تبلغ من العمر 47 عامًا و لا تزال تعيش في موسكو، وقد عادت إلى إيكيا الأسبوع الماضي، لكن هذه  المرة كي تقول  وداعًا، وفقًا لـ "فايننشال تايمز".

 

نهاية الحرب الباردة

عندما أعلنت الشركة السويدية أنها ستغلق متاجرها في روسيا رداً على غزو أوكرانيا، قفزت هي وزوجها في سيارتهما، وعند وصولهما وجدا موظفًا في شركة إيكيا، يحمل مكبر صوت ويخبر حشدًا كبيرًا من الناس بأن المتجر مغلق.

تقول سفيتلانا: "ضحكنا حتى لا نكتئب، لقد فهمنا أننا نشهد حدثًا مغيرًا للعصر، وليست لدينا أي فكرة عما سيكون عليه الأمر، من الآن فصاعدًا ".

مثلما كان الـ 30 ألف شخص، الذين اصطفوا في طابور خارج أول مطعم ماكدونالدز في ميدان بوشكين عام 1990 يرمزون إلى بداية شيء جديد في روسيا، نهاية الحرب الباردة، فإن الحشود الضخمة التي قامت برحلة أخيرة واحدة إلى متاجر إيكيا الأسبوع الماضي،  تمثل أيضًا نهاية حقبة".

 على مدى العقود الثلاثة الماضية، لعبت الشركات متعددة الجنسيات دورًا ضخمًا في المجتمع الروسي، حيث قدمت جزءًا من الحياة الجيدة للطبقة الوسطى، التي نشأت بعد الحقبة السوفيتية.

 

 انسحاب جماعي

ومع ذلك ، على مدى الأسبوعين الماضيين، منذ أن شن الرئيس فلاديمير بوتين غزوًا لأوكرانيا، كان هناك نزوح جماعي لتلك الشركات الأجنبية نفسها، حيث قطعت 30 عامًا من العلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا والغرب. 

ووفقًا لكلية ييل للإدارة، أعلنت أكثر من 300 شركة انسحابها من روسيا احتجاجًا، حتى لو علقت بعض الشركات، مثل إيكيا، عملياتها في الوقت الحالي فقط.

لقد كان الوصول إلى السلع الاستهلاكية الأجنبية، وأنماط الحياة التي تجسدها، جزءًا مهمًا من الاتفاق السياسي بين الحكومة والروس من الطبقة الوسطى، منذ نهاية الحرب الباردة.

لكن السؤال الآن: هل يؤجج رحيل الشركات الغربية معارضة نظام بوتين والحرب، أم يؤدي إلى تعميق الغضب القومي من الغرب؟

بالنسبة للحكومات الغربية، التي تبحث عن وسائل غير عسكرية لمواجهة روسيا، فهي تأمل أن يؤدي التأثير النفسي لعمليات الإغلاق إلى زيادة الضغط على بوتين.

بينما يتحدث الرئيس الروسي أحيانًا عن أوكرانيا، في ما يتعلق باستعادة الأراضي التي كانت تسيطر عليها موسكو خلال الحقبة السوفيتية، كان رد الغرب محاولة إعادة إنشاء العزلة الاقتصادية والثقافية التي سادت سنوات الحرب الباردة.

 

تضرر الفقراء

يقول سيرجي جورييف، الاقتصادي الروسي الذي يعمل في معهد الدراسات السياسية بباريس، إن الطبقة الوسطى ليست وحدها التي ستعاني، بل سيتضرر الفقراء أكثر من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع أسعار الأدوية المستوردة بشكل حاد.

يمكن لأحداث الأسبوعين الماضيين، أن تجعل الأمر يبدو كما لو أن "الحداثة على وشك المغادرة"، على حد قوله، ويضيف: "في رحلتي الأخيرة إلى موسكو، فكرت كم كان كل شيء لطيفًا ومتطورًا". 

 

نظيف وحديث

 يتذكر كل روسي في سن معينة تقريبًا، أول اتصال له بالعلامات التجارية الأجنبية الجديدة، التي بدأت الظهور أواخر الثمانينيات.

 قبل افتتاح ماكدونالدز، كان هناك عدد قليل من المطاعم وكان العديد من المقاهي مظلمًا وقذرًا .

لم يصطف الروس في قائمة انتظار فحسب، بل أذهلتهم النظافة والكفاءة والاختيار الواسع في القائمة.

لقد كانت إيكيا لاعباً مركزياً في هذا التحول الثقافي، أكثر من عقدين، حققت السلسلة السويدية نجاحًا كبيرًا في روسيا ليس فقط بسبب سهولة تجميع الأثاث، لكن لأنها وفرت مدخلًا لطريقة جديدة للمعيشة للطبقة الوسطى.

 إضافة إلى افتتاح 17 متجرًا في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك سيبيريا، تعد الشركة أيضًا من أكبر مشغلي مراكز التسوق، التي انتشرت في ضواحي المدن الروسية الرئيسة... (بينما تغلق متاجر إيكيا، ستبقى مراكز التسوق مفتوحة).

 في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ الروس استخدام عبارة  "تجديد اليورو، لوصف طقوس تجديد شقة تعود إلى الحقبة السوفيتية، غالبًا عن طريق تركيب حمام ومطبخ جديدين من إيكيا. على مواقع الويب الخاصة بالعقارات، يعلن الروس أحيانًا عن عقار مؤجر على أنه "شقة إيكيا" كرمز للنظافة والحداثة.

يقول عالم الاجتماع ألكسندر فيليبوف: إيكيا أولاً وقبل كل شيء أسلوب حياة، عندما ظهرت هنا، كان ذلك مرتبطًا بفكرة أن روسيا يمكن أن تكون لها طبقة وسطى .

 لقد كان شراء السلع الاستهلاكية والأجهزة في المتاجر مثل إيكيا تغييرًا مهمًا للذين اعتادوا أسواق السلع المستعملة، حيث كانت مصادر البضائع غير معروفة في كثير من الأحيان.

ويضيف: الآن، لديك هذا الباب مفتوح لعالم جديد تمامًا، فجأة أصبح كل شيء متاحًا، حيث في المتجر نفسه يمكنك شراء رف كتب وسجادة ومرتبة ميسورة التكلفة.

 

رد الفعل القومي

لقد كان للازدهار في المتاجر -مثل إيكيا في العقد الأول من القرن الحالي- صدى سياسي أوسع بكثير، ففي ولايته الأولى كرئيس، من 2000 إلى عام 2008، عرض بوتين على الروس صفقة ضمنية، تقول إنه سيكون هناك قدر أقل من الديمقراطية الحرة في سنوات يلتسين في التسعينيات، لكن في المقابل، عرض ارتفاعًا حادًا في مستويات المعيشة، بما في ذلك القدرة على اتباع شكل غربي من النزعة الاستهلاكية.

خلال العقد الماضي، استندت شرعية بوتين -بدرجة أقل- إلى ارتفاع مستويات المعيشة، حيث أصيب الاقتصاد بالركود، واعتمدت على القومية والوقوف في مواجهة الغرب.

في هذه العملية، تضاءلت الأهمية السياسية والثقافية للسلع الاستهلاكية الغربية، حيث حظي ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، الذي أدى إلى جولة من العقوبات على الاقتصاد الروسي، بشعبية لدى العديد من الروس.

 لم تختفِ بعض القيم الجديدة فحسب، ولكن هناك الكثير من العلامات التجارية الروسية، التي يمكنها الآن التنافس مع الشركات متعددة الجنسيات، وتقديم منتجات أو تجارب مماثلة.

 مع 847 مطعمًا، كانت ماكدونالدز سلسلة مطاعم الوجبات السريعة الرائدة، قبل أن تعلن تعليقها للعمليات، لكنها تواجه منافسين محليين مثل Dodo Pizza وTeremok ، وهي سلسلة رخيصة جدًا تقدم الفطائر على الطريقة الروسية، أصبحت العديد من العلامات التجارية للوجبات السريعة الصينية شائعة في السنوات الأخيرة، كما أن لدى إيكيا الآن منافسين محليين مثل هوف.

 كان الرد الأولي للنظام، محاولة حشد رد فعل قومي ضد العلامات التجارية الأجنبية، حيث قال بوتين الخميس إن روسيا سوف تجد "حلولاً قانونية" لمصادرة الأصول الموجودة في البلاد من الشركات الدولية، التي قررت إغلاق عملياتها.

 "هل هناك سبب لعدم تأميم كل من بيتزا هتس وإيكيا بالفعل؟"  تساءلت مارجريتا سيمونيان، محررة موقع روسيا اليوم، عبر تيليغرام الثلاثاء... وقالت: "متاجرهم ومستودعاتهم ومقاهي الخدمة السريعة موجودة على أرضنا، ويعمل موظفونا هناك، فما المشكلة؟"

وفي حديثه الخميس، قال عمدة موسكو سيرجي سوبيانين: الحكومة ستقدم 500 مليون روبية (4 ملايين دولار) للحصول على ائتمانات تفضيلية لسلاسل مطاعم الوجبات السريعة الروسية للمساعدة في "ملء المكانة التي أخلتها السلاسل الأجنبية".

وقال إنه يمكن استبدال شركات محلية بشبكة ماكدونالدز في غضون ستة أشهر إلى عام، "خاصة أن المواد الغذائية نفسها يوفرها الموردون الروس".

 يقول عالم الاجتماع فيليبوف: "عمليات الإغلاق يمكن أن تحشد الناس وراء الحكومة، لا أعتقد أن ذلك سيثير بعض السلبية الجادة تجاه الحكومة، ولا نعرف في الوقت الحالي مدى صعوبة الحياة، لكنني أظن أنه كلما زادت صعوبة الأمر، شعروا بأنهم في قارب واحد".

 لكنه يحذر من احتمال حدوث خسائر جماعية في الوظائف، يمكن أن يصبح الوضع شديد التوتر.

 في النهاية، لا يتعلق الخطر الذي يواجهه بوتين برحيل العلامات التجارية الغربية، بقدر ما يتعلق بالانكماش الاقتصادي الهائل، الذي يقضي على جيل من التقدم في مستويات المعيشة.

يتوقع معهد التمويل الدولي ركودًا بنسبة 15 في المئة بالاقتصاد الروسي هذا العام، ما يعيد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى مستوياته أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد افتتاح شركة إيكيا لأول مرة في البلاد.

 إضافة إلى القلق من عودة عدم الاستقرار الاجتماعي والجريمة التي لم نشهدها منذ الأزمة المالية في التسعينيات، هناك اعتقاد بأن جزءًا مهمًا من الحياة الحضرية لن يكون على المنوال نفسه.

تقول شابوفاليانتس: "سيكون من السهل استبدال بعض العلامات التجارية، ولكن مع إيكيا، أخشى ألا يكون ذلك ممكنًا".