الحرب الباردة الجديدة... الغرب في مواجهة العالم

ذكرت فورين بوليسي، أن العالم ليس موحدًا في الرأي القائل إن العدوان الروسي غير مبرر، كما أن جزءًا مهمًا من العالم ليس مستعدًا لمعاقبة روسيا على أفعالها.

الحرب الباردة الجديدة... الغرب في مواجهة العالم

ترجمات - السياق

رأت مجلة فورين بوليسي، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتكب أربعة أخطاء كبيرة، قبل أن يبدأ غزوه لأوكرانيا، إذ بالغ في تقدير الكفاءة والفعالية العسكرية الروسية، وقلل من تقدير إرادة الأوكرانيين للمقاومة والتصميم على الرد، كما أنه كان مخطئًا في افتراضه أن الغرب المشتت، لن يكون قادرًا على الاتحاد سياسيًا في مواجهة الهجوم الروسي، وأن الأوروبيين وحلفاء الولايات المتحدة الآسيويين لن يدعموا عقوبات مالية وتجارية بعيدة المدى على روسيا.

إلا أن بوتين، فعل شيئًا واحدًا صحيحًا، هو تقديره الجيد بأن بقية العالم -ما عدا الغرب- لن يدين روسيا أو يشارك في فرض أي عقوبات على موسكو، بحسب تحليل للمتخصصة في العلاقات "الغربية- الروسية" أنجيلا ستينت مؤلفة كتاب "عالم بوتين... روسيا ضد الغرب ومع الباقي".

ففي اليوم الذي اندلعت فيه الحرب، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الغرب سيتأكد من أن بوتين أصبح "منبوذًا على المسرح الدولي"، إلا أنه بالنسبة لمعظم دول العالم، غير ذلك، مضيفة: "قد يمثل الداعمون لروسيا أكثر من نِصف سكان العالم، لكنهم يمثلون النِّصف الأكثر فقرًا، والأقل نمواً".

 

تنمية العلاقات

وأوضحت الكاتبة أنه على مدى العقد الماضي، عملت روسيا على تنمية العلاقات مع دول في الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا -وهي مناطق انسحبت منها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991- مشيرة إلى أن الكرملين دأب على التودد إلى الصين، منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.

وذكرت أنه عندما سعى الغرب لعزل روسيا، تدخلت بكين لدعم موسكو، من خلال توقيع صفقة ضخمة لخط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا"، وهو أكبر خط أنابيب لنقل الغاز شرقي الأراضي الروسية، ويعمل على إيصال الغاز من مقاطعة إركوتسك في جمهورية ياكوتيا شرقي سيبيريا، إلى الصين.

وقالت إن الأمم المتحدة صوتت ثلاث مرات منذ بدء الحرب، (مرتين لإدانة الغزو الروسي ومرة واحدة لتعليق عضوية مجلس حقوق الإنسان)، مشيرة إلى أنه رغم تمرير هذه القرارات، فإنه في حالة إحصاء حجم السكان في تلك البلدان، التي امتنعت عن التصويت أو صوتت ضد القرارات، سيصل إلى أكثر من نِصف سكان العالم.

وأشارت إلى أن العالم ليس موحدًا في الرأي القائل إن العدوان الروسي غير مبرر، كما أن جزءًا مهمًا من العالم ليس مستعدًا لمعاقبة روسيا على أفعالها، مشيرة إلى أن بعض الدول تسعى إلى الاستفادة من الوضع الحالي لروسيا، والبعض الآخر يحجم عن التدخل حتى لا تنهار علاقته بموسكو.

 

الدور الصيني

ورأت ستينت، أن الصين هي الرائدة في رفض إدانة روسيا، مشيرة إلى أنه لو لم يكن بوتين موقنًا بأنه سيحصل على دعم بكين، لما غزا أوكرانيا.

وقالت: البيان الروسي الصيني المشترك في 4 فبراير ، الذي جرى التوقيع عليه عندما زار بوتين بكين، بداية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، يثني على شراكتهما "بلا حدود" والتزامهما بمقاومة الهيمنة الغربية.

ووفقًا للسفير الصيني لدى الولايات المتحدة تشين غانغ، فإنه لم يبلغ الرئيس الصيني شي جين بينغ بخطط بوتين لغزو أوكرانيا عندما التقى الاثنان في بكين، لكن -حسب الكاتبة- قد يكون بوتين ألمح لنظيره الصيني أو أبلغه بشكل واضح قراره بالحرب.

وأضافت الكاتبة، أنه بصرف النظر عن تفسير هذا الادعاء، لا يمكن إنكار أن الصين دعمت روسيا منذ بدء الغزو، إذ امتنعت بكين عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة روسيا، وصوتت ضد قرار تعليق عضوية البلاد في مجلس حقوق الإنسان، بينما تكرر وسائل الإعلام الصينية -بشيء من الإخلاص- الدعاية الروسية عن "تشويه سمعة أوكرانيا" ونزع سلاحها وإلقاء اللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الحرب، حتى أنهم شككوا في حقيقة ارتكاب القوات الروسية لمذبحة بوتشا، ودعوا إلى تحقيق مستقل.

وبينت أن هناك بعض الالتباس في الموقف الصيني، إذ إنه رغم عدم إدانتها لروسيا، فإنها دعت لإنهاء الأعمال العدائية، وادعت تأييدها لوحدة أراضي وسيادة جميع الدول -بما في ذلك أوكرانيا- مشيرة إلى أنها أيضًا كانت الشريك التجاري الأول لكييف، إذ إن الأخيرة تُعد جزءًا مهمًا من مشروع الحزام والطريق، لذلك لا يمكن لبكين أن ترحب بالدمار الاقتصادي الذي تعانيه البلاد.

ومع ذلك اختار شي التحالف مع زميله بوتين، إذ إنهما مصممان على إنشاء نظام عالمي جديد، رغم اختلافهما في الشكل الذي يجب أن يبدو عليه هذا النظام.

 

الهند

أما عن الدور الهندي، فوصفته ستينت، بأنه المانع الآخر من انتقاد روسيا، موضحة أن الهند رغم أنها أكبر دولة ديمقراطية في العالم وشريك للولايات المتحدة في الحوار الأمني الرباعي مع اليابان وأستراليا، فإنها امتنعت عن التصويت على قرارات الأمم المتحدة الثلاثة، ورفضت معاقبة روسيا.

ووصف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تقارير الفظائع ضد المدنيين في بوتشا بأوكرانيا بأنها "مقلقة للغاية"، وقال سفير الهند لدى الأمم المتحدة إن البلاد "تدين بشكل قاطع عمليات القتل هذه وتدعم الدعوة إلى إجراء تحقيق مستقل، ومع ذلك -حسب الكاتبة- لم يلُم مودي ولا سفير الأمم المتحدة روسيا على ذلك.

بينما وصف وزير الخارجية الهندي س. جايشانكار روسيا بأنها "شريك مهم للغاية في مجموعة من المجالات" ، مشددًا على أن الهند ستواصل شراء الأسلحة والنفط الروسي.

وحسب الكاتبة، فإن الهند تحصل على ثلثي أسلحتها من روسيا وهي أكبر زبون للأسلحة لموسكو، مشيرة إلى أن وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، اعترفت بأن ذلك نابع من إحجام واشنطن عن تزويد الهند -التي كانت زعيمة في عالم عدم الانحياز خلال الحرب الباردة- بمزيد من الأسلحة.

وتوضح ستينت، أنه لدى مودي أسبابًا عدة لرفضه إدانة روسيا، أبرزها نظرته إلى روسيا على أنها عامل توازن مهم ضد الصين، مشيرة إلى أن روسيا عملت على نزع فتيل التوترات الهندية الصينية بعد الاشتباكات الحدودية عام 2020.

 

الشرق الأوسط

ورأت ستينت أن أحد النجاحات التي حققها بوتين في السياسة الخارجية -خلال العقد الماضي- عودة روسيا إلى الشرق الأوسط، وإعادة العلاقات مع الدول التي انسحبت منها روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، وإقامة علاقات جديدة مع دول لم تكن لها علاقات مع الاتحاد السوفييتي.

وبينت أنه رغم أن أغلبية الدول العربية صوتت لإدانة الغزو الروسي في أول تصويت للأمم المتحدة، فإن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية البالغ عددها 22 دولة لم تفعل ذلك، إذ امتنع العديد من الدول العربية عن التصويت على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان.

وأشارت إلى أن حلفاء الولايات المتحدة المقربين -بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل- لم يفرضوا أي عقوبات على روسيا، بل إن بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تحدثا مرتين منذ بدء الحرب.

وبالنسبة لإسرائيل، فإن تل أبيب -حسب الكاتبة- تخشى أن يؤدي استعداء روسيا إلى تهديد قدرتها على الدفاع عن حدودها الشمالية مع سوريا ولبنان، مشيرة إلى أنها أرسلت مستشفى ميدانيًا ومساعدات إنسانية أخرى إلى أوكرانيا، لكنها لم ترسل أي أسلحة، بينما عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت كوسيط بين روسيا وأوكرانيا، لكن جهوده باءت بالفشل.

وأوضحت أنه بالنسبة للعديد من دول الشرق الأوسط، يتشكل موقفهم تجاه روسيا أيضًا من خلال تشككهم في الولايات المتحدة كشريك غير موثوق به في بعض الأحيان بالمنطقة، وغضبهم من انتقادات واشنطن لسجلات حقوق الإنسان الخاصة بهم.

 

إفريقيا

أما بالنسبة لإفريقيا، فأوضحت ستينت أن عودة روسيا إلى إفريقيا في السنوات الأخيرة، والدعم الذي تقدمه مجموعة المرتزقة فاغنر للزعماء المحاصرين هناك، أديا إلى ظهور قارة رفضت إلى حد كبير إدانة أو معاقبة روسيا، إذ امتنعت أغلبية الدول الإفريقية عن التصويت لإدانة الغزو الروسي، وصوَّت العديد ضد تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان.

ورأت أنه بالنسبة للعديد من الدول الإفريقية، يُنظر إلى روسيا على أنها وريث الاتحاد السوفييتي، الذي دعمها خلال نضالاتها ضد الاستعمار.

ولم يتوقف الأمر عند إفريقيا والشرق الأوسط والصين والهند، إذ رأت الكاتبة أنه حتى في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، يوجد لروسيا داعمون، إذ دعمت كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا موسكو -كما هو متوقع- لكن البعض الآخر رفض أيضًا إدانة الغزو.

وأعلنت البرازيل -عضو بريكس- موقفها من "الحياد"، وزار الرئيس جايير بولسونارو بوتين في موسكو قبل وقت قصير من الغزو وأعلن نفسه "متضامنًا مع روسيا"، وأشارت الكاتبة إلى أن البرازيل لا تزال تعتمد على واردات الأسمدة الروسية.

الأمر الأكثر إثارة للقلق -حسب الكاتبة- رفض المكسيك تقديم جبهة مشتركة في أمريكا الشمالية مع الولايات المتحدة وكندا لإدانة الغزو.