هل من جدوى للعقوبات الاقتصادية الأمريكية؟

العقوبات الاقتصادية تعد الأداة الرئيسة، التي تحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحلفاؤها الأوروبيون من خلالها ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن غزو أوكرانيا

هل من جدوى للعقوبات الاقتصادية الأمريكية؟

ترجمات - السياق

سلَّطت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، الضوء على استخدام الولايات المتحدة سلاح "العقوبات الاقتصادية" كأداة رئيسة في سياستها الخارجية، ضد حكومات عدة في جميع أنحاء العالم، من أبرزها: كوريا الشمالية، وفنزويلا، وإيران، وبيلاروسيا.

وأشارت، في تقرير، إلى أنه لا تكاد توجد أزمة في السياسة الخارجية تنشأ اليوم، إلا يلجأ فيها صانعو السياسة في الولايات المتحدة إلى العقوبات.

ففي أعقاب انسحابها من كابل العام الماضي، جمَّدت الحكومة الأمريكية أكثر من 9 مليارات دولار، من أصول الدولة الأفغانية لمعاقبة طالبان، وفرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على الزعيم الصربي للبوسنة ميلوراد دوديك، بدعوى زعزعة استقرار البلقان.

وذكرت المجلة، أن العقوبات الاقتصادية تعد الأداة الرئيسة، التي تحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحلفاؤها الأوروبيون من خلالها ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن غزو أوكرانيا.

 

تحول تاريخي

ولفتت "فورين بوليسي" إلى تحول موقف واشنطن، بشأن استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، فبعد أن كانت تتجنب اللجوء إلى فرض العقوبات أوائل القرن العشرين، انقلبت الأوضاع في الآونة الأخيرة، مع تحول أوروبا نحو الإحجام عن الانضمام إلى تلك الإجراءات والعقوبات الاقتصادية، وذلك برز مع مساعي دول الاتحاد الأوروبي إلى الالتفاف على العقوبات الأمريكية عبر حماية تجارتها مع إيران، وشروع ألمانيا في إتمام مشروع خط أنابيب "نورد ستريم2" مع روسيا، ما يشير إلى أن هناك خلافًا أمريكيًا أوروبيًا بشأن استخدام سلاح العقوبات.

وعن جدوى سلاح العقوبات، أشارت "فورين بوليسي" إلى أنه رغم تأثيرات العقوبات الاقتصادية الأمريكية العميقة في تاريخ النظام الدولي، خلال القرن العشرين، فإن التجارب أثبتت محدودية فعاليتها، في إحداث التغييرات السياسية المنشودة، فضلًا عن التكاليف الباهظة الناجمة عنها، التي أدت إلى تفاقم الأزمات.

أما الجذور التاريخية لسلاح العقوبات، فأرجعتها "فورين بوليسي" إلى الحرب العالمية الأولى، حيث سعت الدول الأوروبية لوضع حد للصراع، عبر سلاح "الحصار الاقتصادي"، حيث عمدت فرنسا وألمانيا آنذاك إلى فرض عقوبات على أعدائهما.

وفي سياق متصل، أشارت المجلة إلى التقاء القادة الأوروبيين الرئيس الأمريكي وقتها "وودرو ويلسون" خلال مؤتمر باريس للسلام عام 1919، الذي تمخض عنه تأسيس "عصبة الأمم" بموجب معاهدة "فرساي"، باعتبارها منظمة عالمية مقرها جنيف، والتوافق على استخدام سلاح "الحصار الاقتصادي" لردع الدول المعتدية التي تهدد السلام العالمي.

 

فشل الفكرة

"فورين بوليسي" تطرقت إلى أن فكرة السلاح الاقتصادي، فشلت في مراحل عدة، ومن ذلك فشل محاولات الحلفاء من 1917 إلى 1921 في استخدام الحصار لإسقاط البلشفية في روسيا وإحداث تغيير في النظام.

وأمام هذا الفشل، قال الفيلسوف جون ديوي: "إن هذا لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل العقوبات، لأنه حتى الدول الأضعف بكثير من روسيا، لديها القدرة على الانسحاب إلى نفسها والتحمل حتى انقضاء العاصفة"، وخلص إلى أن "المفهوم القائل إن الخوف من الخسارة الاقتصادية سوف يردع أي أمة تتأجج عواطفها عن خوض الحروب، أمر يدحضه التاريخ الحديث".

 

الأمم المتحدة

وأوضحت "فورين بوليسي" أنه بعد الحرب العالمية الثانية، ورثت الأمم المتحدة -المنشأة حديثًا حينها- سلاح عقوبات عصبة الأمم، مشيرة إلى أنه مع تملك الولايات المتحدة القوة الاقتصادية والعسكرية المهيمنة على العالم، تراجعت مخاطر استخدام العقوبات بين الحربين، وهو ما سمح لأهداف الضغط الاقتصادي بالتوسع.

وأشارت إلى أن عقوبات ما بين الحربين، ركزت بشكل ضيق على الهدف الخارجي، المتمثل في وقف الحرب بين الدول، بينما بدأت العقوبات متعددة الأطراف والأحادية بعد عام 1945 التركيز بشكل أكبر على الأهداف الداخلية، ومنها: (معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وإقناع الديكتاتوريات بإفساح المجال للديمقراطية، وخنق البرامج النووية، ومعاقبة المجرمين، والضغط لإطلاق سراح السجناء السياسيين، أو الحصول على امتيازات أخرى).

وتطرقت "فورين بوليسي" في تقريرها، إلى تضاعف استخدام واشنطن لتلك العقوبات، خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مقارنة بالفترة من 1950 إلى 1985، كما تضاعف مرة أخرى عام 2010.

بينما تراجعت فرص نجاح العقوبات الاقتصادية، في تحقيق أهدافها من 1985 إلى 1995، حيث لم تتعد 35% إلى 40%، وانخفضت النسبة إلى أقل من 20% عام 2016، الأمر الذي يشير إلى أنه مع تصاعد استخدام العقوبات، تتراجع احتمالات نجاحها.

وعزت المجلة الأمريكية استمرار الولايات المتحدة في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، خلال العقود الماضية خاصة ضد الدول الكبرى، إلى تراجع مخاطر وتكاليف استخدامها مقارنة بالتدخل العسكري، كما في العراق وأفغانستان، وهو ما شكل نقلة نوعية في استخدام تلك العقوبات، التي اقتصرت -حتى الحرب الباردة- على الدول النامية دون الدول الكبرى.

وأكدت "فورين بوليسي" تزايد مخاطر استخدام العقوبات الاقتصادية، خلال الآونة الأخيرة، خاصة مع التحولات والأزمات التي شهدها العالم، وفي مقدمتها الأزمة المالية العالمية 2008، الأمر الذي يشير إلى أن استمرار واشنطن في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات، وغياب أي محاولة حقيقية للسلام.