الذئاب الرمادية التركية... سلاح أردوغان لإحداث فوضى في أوروبا

طريق الأشواك... الذئاب الرمادية التركية تؤجِّج علاقات أنقرة وبروكسل

الذئاب الرمادية التركية... سلاح أردوغان لإحداث فوضى في أوروبا
أردوغان

السياق

«طريق الأشواك»، هكذا وصف مراقبون العلاقات التركية – الأوروبية، متوقعين أن تشهد الأيام المقبلة، تصاعدًا للأزمة بين أنقرة وبروكسل، على وضع الأخيرة تنظيم «الذئاب الرمادية» القومي التركي المتطرف، على قوائم التنظيمات الإرهابية.

وأقر البرلمان الأوروبي، الأسبوع الماضي، تقريراً أوصى فيه، بوضع تنظيم «الذئاب الرمادية» المتطرف على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية، بعد ثمانية أشهر من حظر التنظيم في فرنسا، أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي.

قرار البرلمان الأوروبي، صدر إثر تقرير قدَّمه أحد أعضائه، ويدعى ناتشو سانشيز أمور، قال فيه، إن أمرًا طبيعيًا أن يكون لأي جالية أجنبية تأثير في القارة العجوز، إلا أن المشكلة تكمن في أن جزءاً من هذه الجالية يتصرَّف سياسياً بأوامر تأتي مباشرة من أنقرة، في إشارة إلى الجالية التركية ومنظمة الذئاب الرمادية.

وضع التنظيم الإرهابي على قائمة الإرهاب الأوروبية، جاء بعد تضاعف الحوادث الإرهابية، خلال الأشهر الأخيرة في القارة العجوز، ففي أكتوبر 2020، استُهدفت الجالية الأرمنية الفرنسية بهجمات، تحطَّمت خلالها نصب تذكارية، تشير إلى الإبادة الأرمنية.

الحوادث التي شهدتها فرنسا، دفعت الأخيرة إلى حظر التنظيم في نوفمبر 2020، بينما دعا العديد من النواب الألمان والنمساويين، إلى إجراءات مماثلة في بلادهم، بعد أن واجهوا سيلاً من المضايقات والتهديد على وسائل التواصل الاجتماعي.

إلا أن تلك الخطوة لم تنه خطر التنظيم الإرهابي، بل هاجم الأخير مرة أخرى، أوائل أبريل 2021، مساحة ثقافية في ليون، أصيب خلالها أربعة أشخاص كلهم من الأكراد.

كما هاجم تنظيم الذئاب الرمادية في يوليو 2020، متظاهرين مناصرين للأكراد، بالحجارة والمفرقعات النارية، في العاصمة النمساوية فيينا.

لكن ما هو تنظيم الذئاب الرمادية؟ ومتى نشأ؟ وما حجمه في الأراضي الأوروبية؟ وما آثار القرار الأوروبي على تلك المنظمة الإرهابية؟

تجيب «منصة السياق الإعلامية» عن هذه الأسئلة في هذه النقاط.

«الذئاب الرمادية»، تنظيم يقوم على تمجيد الشعب التركي واستعادة أمجاده التاريخية، ويساند بقوة تمدُّد تركيا في محيطها الجغرافي، ورغم شعاراته تلك، فإنه غير مسجَّل رسمياً في تركيا.

تأسَّس التنظيم منتصف ستينات القرن الماضي، وتبنى توجهات عنصرية ضد الأرمن والأكراد وطوائف أخرى، ويعود تأسيسه إلى الضابط في الجيش التركي، ألب أرسلان توركش، وتبنى حينها توجهات عنصرية، ضد الأرمن والأكراد وطوائف أخرى.

 

سِر التسمية

يطلق عليه أيضًا «الشباب المثالي»، وتعود تسميته إلى أسطورة قديمة، مفادها أن طفلا صغيرا نجا من حرب إبادة تعرَّض لها الأتراك، ليضطر إلى الزواج بذئبة أنجب منها 12 شخصًا، كانوا عماد بناء القبائل التركية.

يُعَدُّ التنظيم الإرهابي، الذراع المسلحة غير الرسمية، لحزب «الحركة القومية» التركي، الذي يرأسه دولت بهجلي، وهو الحليف الأقوى لحزب العدالة والتنمية.

 

طريقة التعارف

يتعارف أعضاء تنظيم «الذئاب الرمادية» الإرهابي، من خلال تحية الذئب، فأصابع الإبهام والوسطى والبنصر تتلامس، بينما تتباعد أصابع السبابة والأصابع الصغيرة، وتمثِّل اليد رأس الذئب.

وكشفت تقارير، أن أكثر من مليون تركي ينتمون إلى التنظيم، الذي يسعى إلى تكوين إمبراطورية للشعوب التركية، من البلقان إلى الصين، متخذًا من اليهود والأرمن والأكراد أعداء للدولة التركية.

 

الأعمال الإرهابية

يُصنَّف التنظيم على أنه من الجماعات الفاشية الجديدة المتعصبة قومياً، وانخرط في عمليات إرهابية كبيرة، تركَّزت على الأكراد، في تسعينيات القرن الماضي.

ويكشف تاريخ ذلك التنظيم عن أعمال دموية مميتة، راح ضحيتها الآلاف، فبين عامي 1974 و1980، نفَّذ ذلك التنظيم 694 هجومًا قاتلاً، بينها ارتكاب جرائم ضد الأكراد، بداية التسعينيات من القرن العشرين، ومحاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني، في ثمانينيات القرن الماضي، وقتل نحو 100 شخص من الطائفة العلوية في السبعينيات.

وتستهدف المنظمة، المعارضة التركية، خاصة من الأكراد والأرمن وغيرهم، بحسب تقرير أوروبي، أشار إلى أن ما شهدته فرنسا من أعمال تحريض وكراهية ضد نصب إبادة الأرمن في باريس، يبرهن على ذلك.

وأكَّد التقرير أن المنظمة الإرهابية، سبق أن تورَّطت في قتل ثلاث كرديات عام 2013 في فرنسا.

 

آثار القرار

وضع «الذئاب الرمادية»على قائمة الحظر الأوروبي، يقود إلى تجميد الأصول المالية للمنظمة الإرهابية، والكيانات المرتبطة بها في دول الاتحاد الأوروبي، ما يستوجب مراقبة أنشطتها ومواجهتها. 

كما يحد القرار من حركة الأفراد والأنشطة التابعة لتلك المنظمة الإرهابية، في القارة العجوز، ويمثِّل متنفسًا للمعارضة التركية في تلك الدول.

 

الانتشار في أوروبا

تقرير ألماني بثَّه البرنامج الإخباري روند شاو في ديسمبر الماضي، كشف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يستخدم تنظيم الذئاب الرمادية، للضغط على عدد من البلدان الأوروبية مثل فرنسا والنمسا، إضافة إلى ملاحقة وعقاب معارضيه في الداخل والخارج.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، سلَّط في تقرير صادر عنه، الضوء على «الذئاب الرمادية» في أوروبا، أكَّد فيه أن تلك المنظمة، تمثِّل مصدر تهديد الى دول أوروبا من الداخل، فهي تعمل بشكل منظم داخل القارة العجوز.

ورجَّح المركز الأوروبي، في تقريره الذي اطلعت «منصة السياق الإعلامية» على نسخة منه، أن تكون المنظمة شكَّـلت شبكة عمل مترابطة بين عواصم أوروبا، تتحالف مع اليمين المتطرف و النازية، مشيرًا إلى تقرير للاستخبارات الألمانية كشف عن وجود أكثر من 11 ألف تركي، من أعضاء المنظمة، ينتمون إلى اليمين المتطرف فقط في ألمانيا.

وأشار التقرير، إلى أن أنقرة  تراهن على إثارة الاضطرابات داخل العواصم الأوروبية، مؤكِّدًا أن الحد من منظمة الذئاب الرمادية والإسلام السياسي، والإخوان المسلمين في أوروبا، من شأنه أن يخفِّض أوراق الضغط، التي يستخدمها أردوغان ضد أوروبا.

 

خطوات أوروبية

طالب التقرير دول القارة العجوز، بالبحث عن هذه المنظمة -التي تُـعَـدُّ ذراع أردوغان- وعن أنشطتها في أوروبا ودول المنطقة، وحظر الجماعة المسؤولة عن تهديد إقليمي وأوربي، من الاتحاد الأوروبي.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، أكَّد أن سياسات ألمانيا الأمنية الداخلية، تراجع حاليًا الوضع القانوني وأنشطة تلك المنظمات، وستفرض إجراءات مشدَّدة ضدها، ما يعني أن القارة العجوز بدأت العمل على تعزيز أمنها القومي من الداخل، على مستوى وطني، وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي بشكل عام، عبر تبادل المعلومات وإيجاد مقاربات أمنية.

كانت  السُّلطات النمساوية قرَّرت في مارس 2019  حظر جميع رموز وشعارات تنظيم الذئاب الرمادية، إلا أن هذا القرار لا يطبَّق بشكل صارم، ولا تزال رموز وشعار هذا التنظيم المتطرف تستخدم في المجال العام في كل أنحاء البلاد، بحسب التقرير الأوروبي.

ورغم ذلك، فإن وزارة الداخلية النمساوية، أصدرت قانوناً تنفيذياً، منتصف الشهر الماضي، بحظر شعارات ورموز التنظيمات والجماعات، يقضي بمعاقبة أي شخص يخترق عن عمد، الحظر المفروض على الرموز والشعارات الخاصة بالجماعات والتنظيمات، بغرامة تقدر بـ4 آلاف يورو أو السجن شهراً.

وإلى هولندا، التي وقف فيها الائتلاف الحاكم إلى جانب الحزب الاشتراكي المعارض،  ودشنوا في نوفمبر 2020، مشروع قانون للبرلمان الهولندي، لحظر تنظيم الذئاب الرمادية، حصل على تأييد 147 من أصل 150 نائباً في البرلمان.

تلك الإجراءات الأوروبية، التي اتخذها عدد من الدول، بحظر أو حل ذلك التنظيم، ويدرسها آخرون، ليست وحدها التي تؤجِّج علاقات الاتحاد الأوروبي بأنقرة، فالطرفان تأقلما على حالة التوتر التي تسود بينهما، والتي لا يبشِّر المستقبل القريب -حسب مراقبين- بإنهائها.