لسداد أجور الموظفين.. رهانات تونس لطلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي
ترى المتخصصة في الشأن التونسي مونيكا ماركس، أن الرئيس التونسي قيس سعيّد أمام امتحان صعب، وعليه أن يعمل على تهدئة اتحاد الشغل الرافض لشروط الصندوق، وتفادي التقشف الذي يدافع عنه الصندوق، وفي حال رفض ذلك هناك إمكانية ألا تحصل تونس على القرض وتواصل انهيارها المالي.

السياق
شرعت تونس في محادثات أولية، من المرتقب أن تؤدي إلى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي تلجأ إليه البلاد للمرة الثالثة -خلال السنوات العشر الفائتة- للحصول على برنامج دعم مالي جديد، لإنقاذ اقتصاد يعاني الانكماش وارتفاع مؤشرات التضخم والدين العمومي والبطالة.
وباشر مسؤولون تونسيون الاثنين "محادثات عبر الإنترنت" مع ممثلي البنك في واشنطن. ودعا البنك تونس إلى "إصلاحات عميقة جدًا لإخراج البلاد من الأزمة"، لكن التونسيين يخشون أن تفاقم هذه الإصلاحات المؤلمة أوضاعهم المعيشية الصعبة أصلًا.
لماذا قرض جديد؟
لم تنجح تونس في تأمين انتقال اقتصادي، بموازاة الانتقال السياسي الذي انطلق منذ ثورة 2011 التي أطاحت نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، بل شهدت المؤشرات الاقتصادية تراجعًا، وتراكمت الأزمات في جلّ القطاعات تقريبًا.
وتراجع نصيب الفرد من الناتج الداخلي الخام بالدولار بنسبة 20% خلال 11 عامًا، كما انهارت القدرة الشرائية بنسبة 35% بسبب تراجع الدينار أمام العملات الأخرى بنسبة 40%.
لذلك لجأت الحكومات المتعاقبة إلى صندوق النقد الدولي في قرضين، أولهما عام 2013 بـ 1.7 مليار دولار، أما الآخر فكان عام 2016 بـ 2.8 مليار دولار، مقابل التعهد بإصلاحات لم تنجح تونس في تنفيذها.
وزادت تداعيات وباء كورونا تأزم الوضع الاقتصادي، خصوصًا في المؤسسات الصغرى والمتوسطة، التي أفلس أو غادر البلاد قرابة 80 ألفًا منها عام 2020، وفق المعهد الوطني للإحصاء.
وارتفعت البطالة في الفترة ذاتها من 15.1% إلى 18.4%، وزاد التضخم وطأة المعاناة المعيشية.
ويرى الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، أن مشكلة الاقتصاد التونسي تكمن في ارتفاع الدين العام.
ويقول لوكالة فرانس برس: "بلغت قيمة الدين العام مستوى غير مسبوق ليتجاوز 100% من الناتج الداخلي الخام".
ويرى سعيدان أن ذلك يقلّل مصداقية تونس كدولة مقترضة.
ويضيف: "يتعين على تونس المرور عبر صندوق النقد الدولي، لإعادة بناء بعض مصداقيتها لتعبئة موارد خارجية".
ماذا سيشترط صندوق النقد الدولي؟
عبّر صندوق النقد الدولي عن قلقه من عجز الموازنة في تونس، بسبب ثقل كتلة الأجور في القطاع الحكومي.
وقال ممثل صندوق النقد الدولي في تونس جيروم فاشيه، في مقابلة الشهر الماضي مع "فرانس برس": "على البلد الساعي إلى الحصول على مصادر تمويل دولية، القيام بإصلاحات عميقة جدًا، لا سيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة، الذي يبلغ أحد أعلى المستويات في العالم".
ويُخصّص أكثر من نِصف النفقات العمومية، لسداد رواتب 650 ألف موظف حكومي، في بلد يضم 12 مليون نسمة.
وقال دبلوماسي غربي لـ "فرانس برس": "تونس تقترض لسداد أجور الموظفين".
وما بقي من الموازنة، يخصص لدعم المؤسسات الحكومية، التي تحتكر قطاعات عدة، وتشهد وضعًا صعبًا، وبعضها مهدّد بالإفلاس.
وتشغّل هذه المؤسسات ما يقارب 150 ألف موظف، ويُفضّل توجيه مصاريفها للاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، وفق ما يقول مسؤول النقد الدولي.
ومن المرتقب أن يقدم الصندوق مقترحات، لرفع الدعم الحكومي عن مواد أساسية كالمحروقات، وتعويض ذلك بمنح العائلات المحتاجة مساعدات بصفة مباشرة.
ما هي العقبات؟
لن يكون من السهل إقناع التونسيين بخفض كتلة الأجور ومراجعة سياسة الدعم، وهما نقطتان أساسيتان في عملية الإصلاح الاقتصادي، وسيكون لذلك حتمًا تأثير في التونسيين، وفق دبلوماسي.
ولا يزال الرئيس التونسي قيس سعيّد -الذي يحتكر السلطات التنفيذية منذ نحو سبعة أشهر- يحظى بدعم شعبي الى حد كبير، وهو يقود حملة عنوانها الأبرز تطهير البلاد والنظام من الفساد".
ويقول المسؤول في "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" رمضان بن عمر لـ "فرانس برس": "ليس في مصلحة أي طرف سياسي إلغاء الدعم".
ويشير ابن عمر الى أن العديد من المواد المدعومة من الدولة مفقودة في الأسواق، وأن قطاع الخدمات الحكومية يمر بأزمة.
ويعارض "الاتحاد العام التونسي للشغل" الشروط التي قد تقدّم من صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قرض، ويدعو السلطات التونسية إلى تقديم برنامج إصلاح اقتصادي تونسي، على أساسه يكون الدخول في مفاوضات.
وترى المتخصصة في الشأن التونسي بجامعة نيويورك في أبوظبي مونيكا ماركس، أن الرئيس التونسي قيس سعيّد أمام امتحان صعب، وعليه أن يعمل على "تهدئة الاتحاد وتفادي التقشف الذي يدافع عنه صندوق النقد الدولي"، وفي حال رفض ذلك "هناك إمكانية ألا تحصل تونس على القرض وتواصل انهيارها المالي".