مقامرة أردوغان الاقتصادية.. هل تنجح في استقرار الليرة التركية؟
بعد تحسن علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارات، تأمل تركيا أن يؤدي التوجه إلى دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإسرائيل وأرمينيا، إلى تعزيز التجارة والاستثمار.

ترجمات - السياق
تساءلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن مدى قدرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في المحافظة على استقرار الليرة التركية، بعد أن تسبب سياسته الاقتصادية في تراجعها أمام الدولار الأمريكي خلال الفترة الماضية.
كان أردوغان قد أشاد بفترة الهدوء الأخيرة، التي شهدتها الليرة التركية باعتبارها علامة على اقتراب الاقتصاد من دخول "أقوى فترة في تاريخ تركيا".
وقالت "فايننشال تايمز"، إن هذا التصريح الذي وصفته بـ"الجريء" يأتي بعد أن تسبب أردوغان، المعارض القوي لأسعار الفائدة المرتفعة، في انهيار العملة نهاية العام الماضي، عندما أمر البنك المركزي بخفض تكاليف الاقتراض، رغم ارتفاع التضخم.
وذكرت أن الإجراءات الطارئة التي اتخذها أردوغان، -بما في ذلك تدخل خارجي بمليارات الدولارات من قِبل البنك المركزي- ساعدت في استعادة الهدوء بأسواق العملات، إلا أن التضخم استمر في الارتفاع، إذ وصل إلى ما يقرب من 50 في المئة يناير الماضي، ومن غير الواضح إذا ما كان استقرار الليرة يمكن أن يستمر.
إجراءات انتخابية
ونقلت "فايننشال تايمز"، عن محللين سياسيين قولهم، إن الرئيس التركي يحاول ببساطة "استغلال فوضى الليرة" حتى يتمكن من الدعوة إلى انتخابات مبكرة، على أمل الحصول على خمس سنوات أخرى في المنصب.
كان الجدل قد تصاعد على الساحة السياسية في تركيا، بشأن أحقية الرئيس رجب طيب أردوغان، في خوض الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها مع الانتخابات البرلمانية في يونيو 2023.
وقال قانونيين، إن إردوغان لا يحق له خوض الانتخابات فترة رئاسية ثالثة بنص الدستور، بعد التعديل الذي أجري عام 2010، حيث أصبحت انتخابات الرئيس تتم بالاقتراع المباشر بعدما كان يُنتخب من جانب البرلمان.
كانت المرة الأخيرة التي أجريت فيها الانتخابات بالنص القديم عام 2007، عندما انتخب الرئيس السابق عبدالله غول، حيث كان الرئيس يتولى فترة رئاسية واحدة مدتها 7 سنوات، لكن التعديل الجديد جعل مدة الرئاسة 5 سنوات، على أن يسمح للرئيس بالترشح فترتين رئاسيتين فقط.
ورداً على الجدل المثار بهذه القضية، وأحقية أردوغان بالترشح، أكد رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، أنه يحق لأردوغان -بموجب التعديل الدستوري الأخير- أن يخوض الانتخابات الرئاسية لفترة ثانية وأخيرة عام 2023.
ثبات الأمور
ونقلت "فايننشال تايمز" عن ألب كوكر، رئيس مكتب تركيا في شركة جي بي دبليو للاستشارات ومقرها لندن، قوله: قد يكون الحفاظ على ثبات الأشياء، طوال الحملة الانتخابية، هو كل ما يحتاج إليه أردوغان للفوز بالانتخابات المقبلة، مضيفًا: "يمكن للحلول قصيرة المدى أن تنجح سياسيًا، إذ لا تحتاج إلى العمل فترة طويلة حتى تترجم إلى نجاح سياسي".
ووضعت "فايننشال تايمز" البريطانية، خمسة أسئلة يجب أن يجيب عنها أردوغان، إذا أراد الحفاظ على استقرار الليرة في الأشهر المقبلة، هي: هل تستطيع تركيا إدارة فائض في الحساب الجاري؟ وأجابت: السلطات التركية تراهن على تحويل الخلل المزمن في البلاد بين الصادرات والواردات، الذي يسحب العملة الأجنبية من البلاد ويضغط على الليرة، إلى فائض.
وأشارت إلى أن ذلك يتطلب تراجع الطلب من المستهلكين في الداخل، وهو أمر قد لا يرغب أردوغان في تحمله، إذا كان يريد ضخ الاقتصاد قبل الانتخابات، كما أن تركيا بحاجة إلى عائدات سياحية قوية هذا الصيف وتجنُّب المزيد من التصعيد في التوترات بين أوكرانيا وروسيا.
وأوضحت أن الصراع الروسي الأوكراني، قد يتسبب بارتفاع حاد في أسعار الطاقة، وهو عنصر أساس في فاتورة الواردات التركية.
وذكرت "فايننشال تايمز" أنه رغم تشكيك بعض المحللين في قدرة أردوغان، على زيادة الفائض في الحساب الجاري لتركيا، فإن أوجراس أولكو، الخبير الاقتصادي في المعهد الدولي للتمويل ومقره واشنطن، يتوقع أن تحقق تركيا فائضًا قدره 4 مليارات دولار هذا العام، مقارنة بعجز قدره 15 مليار دولار عام 2021 و36 مليار دولار عام 2020، بفضل الواردات المحدودة و ازدهار الصادرات والسياحة، وقال: "نتوقع أن تتعافى عائدات السياحة إلى مستويات 2019".
استثمارات الأتراك
أما السؤال الثاني، الذي يجب على أردوغان الإجابة عنه، فهو: "هل يتوقف الأتراك عن استثمار أموالهم بالدولار؟ وردت "فايننشال تايمز": في أوقات الاضطرابات، غالبًا ما يُفضل الأتراك الاحتفاظ بمدخراتهم في حسابات بالدولار واليورو، وهي ظاهرة تُعرف باسم الدولرة، كانت مصدر ضغط على الليرة، مشيرة إلى أنه نهاية العام الماضي، كانت 64 في المئة من الودائع في النظام المصرفي بالعملة الأجنبية أو المعادن الثمينة، وفقًا لبيانات البنك المركزي.
وأشارت إلى أن هذا الرقم انخفض إلى 60 في المئة بعد خطة الادخار، التي كشف عنها في ديسمبر الماضي، والتي تعد حماية للمدخرين من خسائر أسعار الصرف، إذا حولوا ممتلكاتهم من الدولار واليورو إلى الليرة.
هل يستمر هذا الاتجاه؟
أما السؤال الثالث، فهو: هل يستمر هذا الاتجاه كما يتوقع المحللون، خصوصًا إذا تجاوز التضخم 50 في المئة في الأشهر المقبلة، وظل عند هذا المستوى معظم العام؟
وللإجابة عن هذا السؤال، نقلت "فايننشال تايمز" عن فينيكس كالين، مديرة الأسواق الناشئة في بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي، قولها: "أتوقع أن تزداد الودائع بالعملات الأجنبية، لكنها ستنخفض تدريجيًا خلال الأشهر المقبلة مع استمرار ارتفاع التضخم".
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه مع متوسط أسعار الفائدة على الودائع عند 17 في المئة منتصف فبراير، لا تزال أموال المدخرين تواجه تآكلًا حادًا بمجرد أخذ التضخم في الاعتبار، موضحة أنه بينما تتوقع الحكومة أن التضخم سينخفض إلى خانة الآحاد العام المقبل، تحذر "فينيكس كالين" من خطر قوي بأن الحكومة "ستتجاوز بشكل كبير توقعات التضخم الخاصة بها".
أما السؤال الرابع، فهو: هل يعود المستثمرون الأجانب إلى تركيا؟ وقالت الصحيفة البريطانية: أردوغان يجادل بأن "نموذجه الاقتصادي الجديد" سيجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي بدوره سيجلب العملة الصعبة إلى البلاد، مشيرة إلى أنه حتى مع التقييمات المتدنية، يظل المستثمرون الغربيون -الذين كانوا تقليديًا أقوى مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا- مترددين بسبب المخاوف بشأن إدارة أردوغان الاقتصادية المتعنتة للبلاد وضعف سيادة القانون.
ومع ذلك فإن تحسن العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة، مع وعد باستثمار 10 مليارات دولار من الدولة الخليجية، فتح آفاقًا بشأن الاستثمارات الأجنبية، مشيرة إلى أنه في الشهر الماضي ، أبرمت الإمارات اتفاقية بـ 5 مليارات دولار مع تركيا، عززت الاحتياطات الرئيسة للبنك المركزي للدولة.
وشددت "فايننشال تايمز" على أن أنقرة تأمل أن يؤدي التوجه إلى دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإسرائيل وأرمينيا، إلى تعزيز التجارة والاستثمار، إلا أن الخبير الاقتصادي ألب كوكر، حذر من عدم وجود أي إشارة على "عقد صفقات لشراء الأصول التركية" حتى الآن.
ديون تركيا
السؤال الخامس والأخير الذي يجب على أردوغان -بحسب الصحيفة البريطانية- الإجابة عنه، هو: هل تتمكن الشركات التركية من تجديد ديونها؟ وأوضحت "فايننشال تايمز" أن تركيا تتمتع إلى حد ما بالحماية من التقلبات في أسواق الأسهم والسندات العالمية، إلا أن الحكومة التركية لا تزال تعتمد على التمويل الأجنبي للبنوك وقطاع الشركات، إذ تشكل الديون الخارجية المستحقة الدفع في الـ 12 شهرًا المقبلة، نحو 170 مليار دولار.
ونقلت الصحيفة عن سيلفا ديميرالب، أستاذة الاقتصاد، رئيس البحوث الاقتصادية في جامعة كوتش، قولها: إذا بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة الشهر المقبل وإنهاء برنامجه لشراء الأصول كما يتوقع بعض المحللين، فإن ذلك من شأنه زيادة تحديات تجديد هذا الاقتراض.
وأضافت: "إذا اضطرت الشركات والبنوك إلى سداد الديون الخارجية، بدلاً من تمديدها، فإن ذلك يفرز طلبًا على العملة الأجنبية ويزيد الضغط على الليرة".
ومع ذلك، تعتقد "ديميرالب" أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يكون -نهاية المطاف- أقل تشددًا مما تخشى الأسواق، وقالت: "ثلاث زيادات في أسعار الفائدة عام 2022، مقابل ست إلى سبع ارتفاعات، ستكون بوضوح بشرى سارة لتركيا، التي تعيش حالة توازن هش".
وعن استمرار تدخل البنك المركزي في السوق، قالت "فايننشال تايمز": بعض الاستقرار الأخير في الليرة، يرجع على الأقل إلى تدخل البنك المركزي، الذي يبيع الدولار ويشتري الليرة أوقات الاضطرابات، في محاولة لدعم العملة المحلية.
وإلى أي مدى يمكن للحكومة التركية الاستمرار مع صافي الاحتياطات السلبية، نقلت "فايننشال تايمز" عن أوجور جورسيس، المعلق الاقتصادي، المسؤول السابق بالبنك المركزي، قوله: "بالطبع، يعتمد الأمر على تدفقات الأسواق، لكنها مقامرة... إذا خصمت المقايضات والذهب، فلديهم كمية صغيرة جدًا من الاحتياطات المتبقية في جيوبهم".