بعد سيطرة طالبان على أفغانستان... الصين تسخر من أمريكا

أطول حرب أمريكية، انتهت بفشل ذريع، ما أدى إلى مزيد من الاستقطاب في السياسة الداخلية، بينما منح هذا الفشل بكين، فرصة للدعاية العكسية، في وقت تهيمن فيه الطبيعة العدائية للعلاقات الثنائية مع واشنطن، على عناوين الأخبار العالمية.

بعد سيطرة طالبان على أفغانستان... الصين تسخر من أمريكا

ترجمات – السياق

اعتبر وانغ شيانغوي، الكاتب الصحفي الصيني، أن خروج أمريكا الفوضوي من أفغانستان، بالنسبة للصين، أكثر من مجرَّد مسألة مضحكة، مشيرًا إلى أن الفشل الكارثي للقوة الأمريكية، ضد خصم متهور (طالبان) منح بكين فرصة لاستغلالها دعائيًا.

وأوضح شيانغوي -في مقال بجريدة South China Morning Pos- أن هناك عددًا من الأسئلة عن قرار الخروج الأمريكي، وتأثير ذلك في الصين، ونفوذ الولايات المتحدة، واستعدادها للدفاع عن تايوان، لا سيما أن أمريكا حرَّرت نفسها، للتركيز على الصين، وتركت فراغًا يمكن للإرهاب أن يتكاثر فيه.

وقال الكاتب الصحفي، الذي يعمل الآن مستشار تحريريًا للصحيفة: إن بين العديد من النكات الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، التي تسخر من انسحاب أمريكا الفوضوي من أفغانستان، تبرز هذه النكتة: "إذا شعرت يومًا بأنك عديم الفائدة، فقط تذكر أن الولايات المتحدة قضت على أربعة رؤساء، وآلاف الأرواح، وتريليونات الدولارات و 20 عامًا، وانتهى الأمر باستبدال طالبان بطالبان".

فشل ذريع

واعتبر رئيس التحرير السابق لصحيفة جنوب الصين الصباحية، أن ما سماها أطول حرب أمريكية، انتهت بفشل ذريع، ما أدى إلى مزيد من الاستقطاب في السياسة الداخلية، وتقويض مكانتها الدولية، وإثارة استياء حلفائها، وتقوية أعدائها، بينما منح هذا الفشل بكين، فرصة للدعاية العكسية، في وقت تهيمن فيه الطبيعة العدائية للعلاقات الثنائية مع واشنطن، على عناوين الأخبار العالمية.

وأضاف: ربما ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن، اللوم على الأفغان وسلفه دونالد ترامب، للتغطية على هذا الفشل، بعد أن شاهد العالم -بصدمة ورعب- الانهيار السريع في 11 يومًا للحكومة الأفغانية وجيشها البالغ 300 ألف جندي، المجهَّز بالمعدات العسكرية الأمريكية، وبدعم الولايات المتحدة.

واستدرك: لكن الاستراتيجية العسكرية، الناجحة لجيش طالبان، الأصغر بكثير من المقاتلين المسلَّحين ببنادق AK-47 وقاذفات القنابل اليدوية، كانت مألوفة جدًا للطلاب الصينيين في التاريخ الحديث، فقد اعتمدت طالبان على حرب العصابات، وبنت قواعد ريفية، واستخدمت الريف لتطويق المدن والاستيلاء عليها.

 

تجربة ماو وانهيار الغطرسة الأمريكية

واعتبر شيانغوي، أن ما حدث في أفغانستان، هو ما شهدته بكين قبل نحو سبعة عقود، إذ استطاع جيش التحرير الشعبي بقيادة ماو تسي تونغ -مع الكثير من المعدات والإمدادات الرديئة المعروفة بالدخن، إضافة إلى البنادق- أن يهزم قوات الكومينتانغ القومية الأكثر قوة، التي كانت مجهَّزة بالطائرات والدبابات المقاتلة، التي زودتها الولايات المتحدة في الأربعينيات.

وأشار إلى أنه، من المفهوم أن تستقبل تقارير وسائل الإعلام الصينية الرسمية والمعلَّقون، الهزيمة الأمريكية في أفغانستان، البلد المعروف باسم "مقبرة الإمبراطوريات"، بسخرية لا هوادة فيها، إذ قال تعليق في صحيفة جلوبال تايمز القومية الصينية: إن الانسحاب الأمريكي كان "وصمة عار" ودليلًا على فشل واشنطن، في إكراه الدول الأخرى، وتغييرها من خلال القوة العسكرية.

وتابع: طالما كانت وسائل الإعلام الصينية سلبية تجاه ترامب، لكنها وجدت أنه من المناسب تسليط الضوء على تصريحاته، بأن الصين كانت "سعيدة" و "تضحك" على الولايات المتحدة، بعد سيطرة طالبان.

ويشير شيانغوي، إلى أنه أثناء ما سماه (انهيار الغطرسة الأمريكية)، حاول بعض المعلِّقين التلاعب بالزاوية، التي مفادها أنه بعد تخليها عن أفغانستان، سيجد حلفاؤها وبقية العالم، صعوبة أكبر في تصديق الأمريكيين، خاصة تعهد بايدن بأن "أمريكا ستعود" بعد التراجع عن المسرح العالمي خلال رئاسة ترامب، التي استمرت أربع سنوات.

وأوضح أنه على وجه الخصوص، حاولت "جلوبال تايمز" توجيه المناقشات العامة، إلى تداعيات انسحاب أمريكا من أفغانستان لتايوان، التي تُعَـدُّ النقطة الساخنة التالية في آسيا.

ففي تغريدة له، أشار هو جين، رئيس تحرير "جلوبال تايمز"، إلى أن أمريكا لن تذهب للدفاع عن تايوان، قائلًا: "بعد سقوط نظام كابل، لابد أن سُلطات تايوان ترتجف، لكن لا تتطلعوا إلى الولايات المتحدة لحمايتهم."

تنظر الصين إلى تايوان، كمقاطعة تابعة لها، بصرف النظر عن أن هذه التبعية ستكون بوسائل سِلمية أو عسكرية، بينما زوَّدت واشنطن تايوان بالأسلحة على مدى عقود، لكنها ظلت غامضة بشأن ما إذا كانت سترسل قوات للدفاع عن الجزيرة، من أي هجوم صيني محتمل.

 

مواجهة الصين

وبالعودة إلى دور وسائل الإعلام الصينية، في التغطية على فشل الولايات المتحدة في أفغانستان، قال شيانغوي: "ليس هناك شك في أن الكارثة الأمريكية في أفغانستان، منحت آلة الدعاية الصينية الضخمة فرصة كبيرة، لصب احتقارها على هذا التراجع الأمريكي".

من وِجهة نظر صينية -يضيف الكاتب- فإن تعثر القوات الأمريكية في أفغانستان، له فوائد جيوسياسية أكبر بكثير، مشيرًا إلى أنه لن يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى شكوك ومخاطر في الاستقرار الإقليمي وتوازن القوى فحسب، بل سيسمح أيضًا لواشنطن، بتركيز المزيد من الاهتمام والموارد على مواجهة الصين.

وقد كشف بايدن، عن هذه الحقيقة في خطابه، عندما قال: "إن منافسينا الاستراتيجيين الحقيقيين، الصين وروسيا، لن يرغبا أكثر من الولايات المتحدة، في مواصلة ضخ مليارات الدولارات، من الموارد والاهتمام، لتحقيق الاستقرار في أفغانستان، إلى أجل غير مسمى".

ويعلِّق الكاتب على ذلك بقوله: من الواضح أن بكين ترى مخاطر وفرصًا بعد عودة طالبان إلى السُّلطة في أفغانستان.

ويستطرد الكاتب: لدى بكين مخاوف مشروعة، من أن أفغانستان يمكن أن تصبح مرة أخرى، نقطة انطلاق للإرهابيين، بسبب الروابط التاريخية لطالبان مع المتطرفين، بما في ذلك حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وهي مجموعة من مسلَّحي الأويغور، ألقت الصين باللوم عليها، في الهجمات الإرهابية في شينجيانغ.

ففي اجتماع مع عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي الشهر الماضي، ورد أن الزعيم السياسي الأعلى لحركة طالبان، الملا عبد الغني بارادار، أكد لوانغ أن الأراضي الأفغانية، لن تستخدم لتهديد أمن الدول الأخرى، لكن -والحديث للكاتب- بكين لا تزال غير مقتنعة بمثل هذه التصريحات، إذ استخدم وانغ هذا الاجتماع وغيره منذ ذلك الحين، لتأكيد أنه يجب على طالبان اتخاذ إجراءات ملموسة على الأرض، لتحقيق انفصال تام عن جميع القوى الإرهابية، بما في ذلك حركة تركستان الشرقية الإسلامية.

وقال شيانغوي: "كأكبر وأغنى جار لأفغانستان، ستتم مراقبة تفاعلات الصين مع طالبان، في جميع أنحاء العالم، حيث من المرجَّح أن تتخذ الصين نهجًا حذرًا لبعض الوقت".