كاتب بريطاني: طالبان تتظاهر بالعداء لداعش
التركيز على قصف مطار كابل المأساوي يصرف الانتباه عن الكارثة التي تواجه الأفغان

ترجمات - السياق
قال الكاتب البريطاني البارز باتريك كوكبيرن: إن الهجوم الإرهابي الذي شهده مطار كابل، الخميس الماضي، والذي أودى بحياة ما لا يقل عن 79 مدنياً أفغانياً و13 جندياً أمريكياً، دفع تنظيم داعش خراسان، إلى قمة الأجندة الإخبارية في العالم، إذ أظهر التنظيم، من خلال هجوم شرس واحد، في زمان ومكان يضمنان أقصى قدر من الدعاية، أنه ينوي أن يكون لاعباً في أفغانستان، تحت حكم قادة طالبان الجدد.
ونقل الكاتب، في مقال بصحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية، عن الرئيس الأمريكي جو بايدن قوله: "لن نسامح ولن ننسى وسنلاحق مَنْ قاموا بالهجوم ونجعلهم يدفعون الثمن"، وهو التصريح الذي رآه كوكبيرن مماثلاً لما قاله الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
الحرب على الإرهاب
وأضاف الكاتب، أن رد الولايات المتحدة على أحداث 11 سبتمبر، الذي وصفه بأنه كان "مُدمِّراً لها"، يجب أن يكون تحذيرًا من مخاطر رد الفِعل المفرط الخاطئ، معتبراً أن تلخيص التطورات المعقَّدة في أفغانستان، وشن حلقة أخرى من "الحرب على الإرهاب" أمر مضلل وسيأتي بنتائج عكسية، بالنظر لأنه كان أحد الأسباب الجذرية للوضع الحالي.
وتابع: "من خلال النظر إلى كل شيء في أفغانستان قبل 20 عاماً من منظور (مكافحة الإرهاب)، فإن الولايات المتحدة أدخلت نفسها في حرب أهلية، أدت إلى تفاقم الأوضاع، كما أنها خرجت من هذه الحرب وهي على الجانب الخاسر".
وقال الكاتب: "رغم أن بايدن أصبح هدفاً لعاصفة انتقادات من جميع الجهات، بسبب خروج الولايات المتحدة المتسرِّع من كابل، فإن سلفه دونالد ترامب خطَّط لانسحاب أسرع، وعلاوة على ذلك، فإن الأخير هو الذي قام بهندسة اتفاقية الانسحاب من جانب واحد مع طالبان، التي تم توقيعها في فبراير 2020".
خيانة الحلفاء
وقال الكاتب الأمريكي، إن بايدن تأثَّر على المستوى السياسي من الكارثة الحالية، لكن هذا الضرر لن يكون دائماً، حيث ستتلاشى صور هجوم مطار كابل من أذهان الجمهور، مع تأكيد الرئيس أنه أخرج الولايات المتحدة من حرب، لم يكن من الممكن الفوز بها، وأضاف: "مَنْ يتذكر الآن أنه عام 2019، خان ترامب حلفاء أمريكا الأكراد، الذين هزموا داعش في سوريا، من خلال منح الضوء الأخضر لغزو تركي لأراضيهم، حوَّل العديد منهم إلى لاجئين؟".
ورأى الكاتب أنه قد تكون هناك مزايا لأمريكا، من تركيز اهتمام العالم على الأحداث في مطار كابل، التي قال إنها ستؤدي إلى صرف الانتباه عن الاحتمالات القاتمة، التي تواجه 18 مليون امرأة أفغانية، والاضطهاد المحتمل لـ 4 ملايين من المسلمين الشيعة في أفغانستان، كما أشار إلى أن هناك فائدة أخرى للولايات المتحدة، تتمثَّل في تغيير صورة طالبان باعتبارها عدوًا لداعش، الأمر الذي قد يجعل هزيمة الحركة للولايات المتحدة أكثر قبولاً.
ولفت الكاتب، إلى أن هذه الفِكرة راودت طالبان أيضاً، التي تقاتل تنظيم داعش في خراسان منذ عام 2015، ناقلاً عن مسؤول في الحركة، لم يذكر اسمه، قوله قبل تفجير الخميس: "حراسنا يخاطرون بحياتهم أيضاً في مطار كابل، كما أنهم يواجهون تهديداً من داعش".
وقال كوكبيرن: بحسب إحدى الروايات، فإن 28 من مقاتلي طالبان، لقوا حتفهم في الانفجار، لكن بعد تغيير صورتها، باعتبارها قوة مناهضة لداعش، فإن طالبان ستتمكن من كسب الشرعية والاعتراف الدولي، والحصول على المساعدة الاقتصادية، التي هي في أمس الحاجة إليها بشكل أسهل بكثير.
داعش تدين طالبان
من جانبها، أدانت داعش حركة طالبان، ووصفتها بأنها متعاونة مع الولايات المتحدة، قائلة إن التفاهم بين الاثنين، هو ما يمكن أن يفسِّر سرعة تقدُّم طالبان وانهيار حكومة كابل، كما أن قادة التنظيم لا يحبون حقيقة أن الحركة نجحت في السيطرة على دولة بأكملها، على عكس الخلافة التي حاولوا إقامتها غربي العراق وشرقي سوريا عام 2014، التي تم القضاء عليها، حسب قول كوكبيرن.
ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن الأمم المتحدة، فإن تنظيم داعش في خراسان ليس منظمة كبيرة، إذ لديه ما بين 1500 و2200 مقاتل، لكن تفجيرات المطار لم تكن أكثر أعماله الإرهابية ترويعاً في كابل هذا العام، إذ إنه كان مسؤولاً عن قتل 85 تلميذة شيعية من الهزارة، في انفجار سيارة مفخخة في مايو الماضي.
وتابع: "تتغذى داعش على الإدانات التي تتبع مثل هذه الجرائم، سواء كانت في كابل أو باريس أو مانشستر، التي تعمل على رفع مكانتها وجذب مقاتلين جدد فضلاً عن الأموال، ولكن إلى أي مدى تشكل داعش تهديداً حقيقياً داخل أفغانستان وخارجها؟ وهل تصبح البلاد مرة أخرى ملاذاً للجماعات المشابهة للقاعدة، كما كانت عندما كان أسامة بن لادن متمركزاً هناك قبل عام 2001؟".
تحالف طالبان والقاعدة
ورأى كوكبيرن، أن الوضع مختلف عما كان عليه قبل 20 عاماً، قائلاً إنه في ذلك الوقت احتاجت طالبان إلى إقامة تحالف مع القاعدة، زودها بالمال والمقاتلين المتشدِّدين، مثل الانتحاريين الذين اغتالوا أحمد شاه مسعود، قائد القوات المناهضة للحركة عام 2001، ولكن اليوم، لا تحتاج طالبان إلى مثل هذه المساعدة، بل على العكس من ذلك، قد تحاول تقديم نفسها على أنها مجنَّد جديد متحمِّس للمشاركة في "الحرب على الإرهاب" وهو ما قد يؤدي إلى تجاهل إخفاقاتها الأخرى.
وأشار الكاتب، إلى أنه في أعقاب هجوم المطار، كانت طالبان في طريقها للهروب بشكل جيد من عزلتها، باعتبارها حركة منبوذة، وهي التجربة التي عاشتها بين عامي 1996 و2001.
وتابع: "قد يدفع تفكير طالبان في مصالحها الذاتية، إلى القتال ضد داعش، من أجل إقامة روابط مع الغرب، لكن العلاقة بين طالبان والقاعدة وداعش، تبدو أكثر تعقيداً من تلك التي تمليها مثل هذه السياسة الواقعية، فقد يرى قادة طالبان، الذين كانوا يعيشون مرتاحين في الخارج في باكستان وقطر، ميزة في إظهار وجه معتدل للعالم".
كارثة عسكرية
وفقاً للكاتب، فإن الانهيار السريع لحكومة كابل، أظهر أن الأنظمة المدعومة من الغرب، نادراً ما تحقِّق الشرعية أو القدرة على العمل بمفردها، وفي حالة أفغانستان، فإن الأمر كان نفسياً بشكل جزئي، إذ لم تستطع الحكومة تصديق أن حليفتها الأهم ستتخلى عنها.
وتابع: "كما كانت الكارثة عسكرية أيضاً، فقد شكَل البنتاجون جيشاً أفغانياً، كان صورة طبق الأصل للجيش الأمريكي، وبذلك لم يمكنه القتال، من دون القدرة على استخدام الضربات الجوية حسب الرغبة، وأرى أن هذه الإخفاقات العميقة، تبدو أكثر أهمية من تفجير داعش الانتحاري في مطار كابل".