مأساة بوتشا مستمرة... وعقوبات غربية مرتقبة على روسيا
بعد الصدمة الهائلة، التي سببها اكتشاف جثث كثيرة في مدينة بوتشا قرب العاصمة، عزز الاتحاد الأوروبي وواشنطن ضغوطهما الاقتصادية والدبلوماسية على موسكو، الخاضعة لكم كبير من العقوبات.

السياق
تشدد الدول الغربية مواقفها حيال روسيا، مع مساعدة عسكرية جديدة لأوكرانيا وتعزيز العقوبات على موسكو، بعد اكتشاف الكثير من الجثث بالشوارع في بوتشا قرب العاصمة كييف، بينما تستمر عمليات القصف الروسية في مناطق عدة، لها أهمية استراتيجية.
وبعد الصدمة الهائلة، التي سببها اكتشاف جثث كثيرة في مدينة بوتشا قرب العاصمة، عزز الاتحاد الأوروبي وواشنطن ضغوطهما الاقتصادية والدبلوماسية على موسكو، الخاضعة لكم كبير من العقوبات.
وتنوي الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة عليها، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، تهدف إلى "منع أي استثمار جديد" في روسيا، كما أفاد مصدر مطلع على الملف.
إلى ذلك أشارت وكالة الأمن الأوكرانية (SBU) إلى أن بيانات أظهرت أن القوات الروسية "تخطط لجمع جثث سكان ماريوبول، الذين قُتلوا على أيدي قواتها في مكان واحد، وتقديمهم كضحايا لرصاص القوات الأوكرانية".
تشديد العقوبات
قال وزير الصحة البريطاني ساجيد جافيد: العالم لابد أن يتحرك لوقف أعمال القتل الجماعي في أوكرانيا، مشبهًا تقارير قتل مدنيين على أيدي القوات الروسية، بالإبادة الجماعية في البوسنة عام 1995.
واضاف: "هذا قتل جماعي على نطاق غير مسبوق في أوروبا، أعتقد أننا لم نشهد مثل هذا منذ عام 1995".
وتابع: "لا أريد أن أحيي ذكرى إبادة جماعية أخرى في أوروبا بعد سنوات من الآن، لدينا القوة والعالم لديه القوة، لوقف ذلك ولا بد أن يتحرك".
طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتشديد العقوبات وعزل روسيا من صفوف الأسرة الدولية.
وحث الثلاثاء في الأمم المتحدة على التحرك "فورًا" لمواجهة روسيا نظرًا إلى "جرائم الحرب" التي ترتكبها في أوكرانيا، على حد قوله، مطالبًا بطردها من مجلس الأمن الدولي، وهي من الأعضاء الدائمين فيه، وتتمتع بحق الفيتو.
ودعا -في حل بديل- إلى إصلاح نظام الأمم المتحدة "حتى لا يتحول حق الفيتو إلى حق بالقتل".
وترفض موسكو الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب فظائع، متهمة القوات الأوكرانية بـ"فبركة" قتل مدنيين في مدن عدة، لحمل المجتمع الدولي على إدانة الكرملين.
وداعًا للفحم الروسي
توعد الاتحاد الأوروبي روسيا بعقوبات جديدة "الأسبوع الحالي". واقترحت المفوضية الأوروبية على الدول السبع والعشرين الأعضاء، وقف مشترياتها من الفحم الروسي، التي تشكل 45% من واردات الاتحاد، وإغلاق موانئ أمام السفن التي يشغلها روس.
وتنوي رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين التوجه "الأسبوع الحالي" إلى كييف مع وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، كما أعلن الناطق باسمها الثلاثاء.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها لن تسمح لموسكو بتسديد مستحقات دينها، بالدولارات المودعة في مصارف أميركية.
بعد ساعات، أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي تخصيص مساعدة أمنية إضافية لأوكرانيا، قد تصل إلى مئة مليون دولار، ما يرفع المساعدة الأميركية المخصصة لأوكرانيا -منذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير- إلى 1.7 مليار دولار.
وفي بيان، قال المتحدّث باسم البنتاغون جون كيربي: هذه المساعدة تهدف إلى "تلبية حاجة أوكرانية ملحّة إلى المزيد من أنظمة جافلين المضادّة للدبّابات، التي قدّمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا، واستخدمتها الأخيرة بشكل فعّال للدفاع عن نفسها".
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان منفصل: "الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها وشركائها، تدعم بقوة سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها".
وجمدت المملكة المتحدة عملات صعبة بـ 350 مليار دولار عائدة للنظام الروسي، كما قالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس –الثلاثاء- في وارسو.
ويتواصل منذ الاثنين طرد دبلوماسيين روس. فمن فرنسا إلى ألمانيا مرورًا بإيطاليا وإسبانيا وسلوفينا، طرد نحو 200 دبلوماسي روسي من أوروبا، في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة.
وسيكون الوضع في أوكرانيا مدرجًا على جدول أعمال اجتماع، يعقد الأربعاء والخميس في بروكسل، لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (ناتو) كما أكد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، موضحًا أنهم سيناقشون أيضًا مع نظيرهم الأوكراني دميترو كوليبا، حاجات القوات الأوكرانية.
وأضاف: "لا يمكنني أن أعطي تفاصيل، لكن ينظر في إمكان توفير أسلحة مضادة للدروع وأنظمة دفاع جوية".
لا يتدخل حلف شمال الأطلسي عسكريًا إلا للدفاع عن البلدان الأعضاء فيه، عندما يتعرض أحدها لهجوم، أو بموجب تفويض من الأمم المتحدة. وأوكرانيا ليست عضوًا في "الناتو" إلا أن دول الحلف بإمكانها أن توفر مساعدة عسكرية لها.
ومن المبررات التي ساقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزو أوكرانيا، خشيته من انضمام هذه الجمهورية السوفيتية السابقة إلى الحلف العسكري الغربي، الذي يعده تهديدًا وجوديًا لبلاده.
تأتي الدفعة الجديدة من العقوبات، إثر اكتشاف مشاهد مروعة في بوتشا، التي زارها زيلينسكي الاثنين.
دهس مدنيين
وقال زيلينسكي: "قتل الناس في شققهم ومنازلهم، دهست دبابات مدنيين عندما كانوا في سياراتهم وسط الطريق، لقد قطعوا أطرافًا واغتصبوا نساء، وعمدوا إلى قتلهن أمام أطفالهن".
ورأت وكالة فرانس برس -السبت- في شوارع بوتشا جثث ما لا يقل عن 22 شخصًا بلباس مدني.
وقال رئيس بلدية المدينة أناتولي فيدوروك: "الأوكرانيون دفنوا 280 شخصًا بمقابر جماعية في الأيام الأخيرة".
وتدحض مشاهد صورت عبر الأقمار الاصطناعية، وفرتها شركة ماكسار تكنولوجيز الأميركية -على ما يبدو- الادعاءات الروسية التي تفيد بأن الجثث بلباس مدني، التي عُثر عليها في مدينة بوتشا، وُضعت بعد انسحاب القوات الروسية.
وتظهر مشاهد ماكسار التي تعود إلى منتصف مارس جثثًا عائدة لمدنيين، ممددة في أحد شوارع بوتشا أو على جنبات الطريق.
وعدَّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -مساء الثلاثاء- إعلان اكتشاف الجثث في بوتشا "استفزازًا" يهدف إلى إفشال المفاوضات الجارية بين كييف وموسكو.
ووردت معلومات جديدة في أوكرانيا، مفادها أن بلدات عدة شهدت وضعًا أسوأ من بوتشا.
وقال أوليكسي أريستوفيتش، أحد مستشاري الرئاسة الأوكرانية عبر يوتيوب: "بوتشا ليست الأسوأ، كل مَنْ توجه إلى بوروديانكا يقول إن الوضع فيها أسوأ".
وفي الأثناء، يستمر القصف الروسي في أوكرانيا، موقعًا عددًا جديدًا من الضحايا.
وسُمع دوي انفجارات -مساء الثلاثاء- في مدينة راديخيف على بعد 70 كيلومترًا من مدينة لفيف الكبيرة غربي البلاد، حسب ما أفاد مسؤول محلي من دون تفاصيل.
وقرب كييف، تسبب قصف مدفعي روسي بسقوط 12 قتيلًا في بلدتي فيليكا ديميركا وبوغدانيفكا، حسب ما قالت أجهزة المدعي العام في أوكرانيا عبر "تلغرام".
الهدف دونباس
إثر سحب القوات الروسية، التي كانت تطوق كييف ومنطقتها في الفترة الأخيرة، رأى ستولتنبرغ أن روسيا تعزز صفوف جنودها "للسيطرة على منطقة دونباس" شرقي أوكرانيا لإقامة "جسر بري مع القرم" التي ضمتها موسكو عام 2014.
وحذّر ستولتنبرغ: "نحن في مرحلة حاسمة من الحرب".
وأكد الجيش الروسي -مساء الثلاثاء- أنه أسقط مروحيتين أوكرانيتين كانتا تسعيان لإجلاء قادة كتيبة قومية تدافع عن ماريوبول جنوبي شرق البلاد، داعيًا مجددًا هؤلاء المقاتلين إلى وقف القتال.
وقال رئيس بلدية مدينة ماريوبول الساحلية المحاصَرة: الوضع في المدينة أسوأ من كارثة إنسانية، واصفًا حالة 120 ألفًا من سكانها لايزالون داخلها بأنها "لا تطاق".
وأكد أن المدينة، التي كان عدد سكانها نحو نِصف مليون نسمة قبل الحرب "مدمرة بنسبة 90%".
وتفيد آخر أرقام مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، بأن أكثر من 4.24 مليون أوكراني غادروا بلادهم منذ 24 فبراير، وهو أمر غير مسبوق في أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية.