تونس على صفيح ساخن.. تمرد إخواني وتحذيرات رئاسية صارمة

بينما ادعى الإخواني راشد الغنوشي، أن الجلستين المقبلتين ستبحثان كيفية مساهمة مجلس النواب في إنقاذ البلاد وضمان كرامة الشعب التونسي، تناسى أن تنظيم الإخوان وحركة النهضة اللذين استأثرا بالسلطة لعشرية ماضية، كانا سبب ما آلت إليه تونس من تأزم الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

تونس على صفيح ساخن.. تمرد إخواني وتحذيرات رئاسية صارمة
راشد الغنوشي

السياق

في تحد جديد لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيد «الاستثنائية» القاضية بتجميد أعمال البرلمان، عقد الإخواني رئيس مجلس النواب المجمد راشد الغنوشي، اجتماعًا عبر الإنترنت مساء الاثنين لهيئة المجلس، في حدث قد يجر البلد الإفريقي إلى «الاقتتال الداخلي».

وبينما حذر الرئيس التونسي من تجاوز القرارات التي اتخذها في 25 يوليو 2021، رفع الغنوشي راية العصيان في وجه تلك القرارات، ليشرف على اجتماع لمكتب البرلمان التونسي، حذرت من آثاره أحزاب تونسية.

ذلك الاجتماع، قال عنه راشد الغنوشي، عبر حسابه الرسمي في «فيسبوك»، إنه جاء بعد طلب كتابي من 27 نائبًا لعقد جلسة عامة لإلغاء العمل بالإجراءات الاستثنائية، وعقد جلسة للنظر في الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية التي وصفها بـ«الخطيرة».

 

جلستان للبرلمان

وزعم الغنوشي أن مكتب المجلس أقر بالإجماع، عقد جلسة عامة غدًا 30 مارس الجاري للنظر في إلغاء الإجراءات الاستثنائية، مشيرًا إلى أن جلسة عامة ثانية ستعقد السبت 2 إبريل المقبل، للنظر في الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس.

وبينما ادعى الإخواني راشد الغنوشي، أن الجلستين المقبلتين ستبحثان كيفية مساهمة مجلس النواب في «إنقاذ البلاد وضمان كرامة الشعب التونسي»، تناسى أن تنظيم الإخوان وحركة النهضة اللذين استأثرا بالسلطة لعشرية ماضية، كانا سبب ما آلت إليه تونس من «تأزم» الأوضاع الاقتصادية والسياسية، بعد تنحيتهم لأي معارض لهم، بحسب مراقبين.

وأكد مراقبون، أن هذه الجلسة وتلك المزاعم، التي ترددها جماعة الإخوان، محاولة للعودة إلى السلطة، وإنقاذ آخر معاقلهم في المغرب العربي، بعد خسارتهم في المغرب والجزائر، والقرارات الاستثنائية التي أقصتهم من المشهد التونسي.

اجتماع مجلس النواب، الذي قاطعه معظم أعضاء البرلمان التونسي، تزامن مع ختام الدورة الـ57 لمجلس شورى حركة النهضة، التي كالت فيها الحركة الإخوانية الاتهامات للسلطة الحالية، زاعمة أنها سبب ما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

وادعت حركة النهضة أن القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد، تسببت  في «انعدام ثقة الفاعلين الاقتصاديين المحليين والدوليين وتراجع مناخ الاستثمار وارتفاع عدد المؤسسات المفلسة وارتفاع نسب البطالة»، متجاهلة أن عشرية استأثرت فيها بالحكم في البلاد، كانت وراء ما آلت إليه الأمور، بل إنها أفلست في تقديم أي مقترحات لحلحلة أزمات تونس، ما دفع الرئيس التونسي للتدخل.

 

رد حاسم

المزاعم الإخوانية والتهديدات المبطنة التي أطلقتها حركة النهضة، دفعت الرئيس التونسي قيس سعيد، إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي، أكد فيه أن قوات الجيش ومؤسسات الدولة ستتصدى لكل من يريد العبث بالبلاد وجرها إلى الاقتتال الداخلي.

وعن الاجتماع عبر الإنترنت الذي عقده الغنوشي، ودعوته لجلستين عامتين تعقدان خلال أيام، قال الرئيس سعيد، إنه «إجراء غير قانوي ومحاولات يائسة لا قيمة لها»، مشيرًا إلى أنه «يعكس سوء النية ونية للانقلاب على الدستور».

وأوضح الرئيس التونسي، أنه تم تعليق أعمال البرلمان منذ 25 يوليو الماضي، بعد أن «أصبح فضاء للعنف وساحة سالت فيها الدماء»، مؤكدًا أنه اتخذ التدابير الاستثنائية، لأن الدولة كانت تتهاوى.

 

أسباب عدم حل البرلمان

وعن أسباب عدم حل البرلمان، قال الرئيس سعيد، إنه لم يلجأ إلى هذا الخيار، لأن الدستور لا يتيح ذلك، مؤكدًا أنه جرى تجميد أعماله إلى حين إجراء انتخابات جديدة، ستعقد في 17 ديسمبر المقبل.

وبينما أكد الرئيس سعيد، ضرورة احترام الدولة وقوانينها وسيادتها وعدم التطاول عليها بتأويلات سخيفة، حذر من أن تونس «ليست لعبة ولا دمية تحركها الخيوط من الداخل والخارج».

وأشار إلى أن الداعين لعقد جلسة للبرلمان المجمدة أعماله «لن يستطيعوا إسقاط النظام والدولة، وإن كانوا يفكرون فهم يعيشون في أحلام مريضة بالسلطة والتنكيل بالشعب»، مؤكدًا ضرورة احترام إجراءات الدستور.

 

حوار وطني

وعن نتائج الاستشارة الوطنية، أكد الرئيس سعيد، أن نتائجها لا لبس فيها وتم اعتمادها في دول عدة، مشيرًا إلى أنه لم يغير الدستور باستشارة وإنما قد تكون نتائجها قاعدة لحوار وطني وليس حوارًا على شكل الحوارات المزيفة.

وفي إشارة إلى قرارات اجتماع مكتب البرلمان المجمدة أعماله، قال الرئيس التونسي، إن الحوار سيجرى مع الوطنيين الحقيقيين ولن يتم في ظل المحاولات الانقلابية.

 

الأحزاب تهاجم الغنوشي

الأحزاب التونسية لم تكن بمعزل عن خطوات البرلمان التونسي المجمدة أعماله برئاسة الغنوشي، التي رفضها الرئيس قيس سعيد، فحزب التحالف من أجل تونس شن هجومًا حادًا على الغنوشي، مشيرًا إلى أن هذه الدعوات الإخوانية تعد تحديًا صارخًا لقرارات 25 يوليو، التي وضعت حدّا لعشر سنوات من حكم منظومة فساد ونهب، خرّبت اقتصاد البلاد وأضعفت الدولة وصارت تمثّل خطرًا على حاضر ومستقبل البلاد والشعب التونسي.

وحذر «التحالف من أجل تونس»، من خطورة الدعوات التي وجهها راشد الغنوشي، إيهامًا منه للرأي العام بإمكانية «استعادة موقع وسلطة لم يكن أهلًا لها»، مؤكدًا أن تلك الدعوات تعد «خروجًا عن القانون ودعوة صريحة للعصيان وتهديدًا للسلم الأهلي في البلاد».

وعدَّ التحالف من أجل تونس هذه الدعوة «جريمة سياسية في حق الوطن والمواطنين»، داعيًا أعضاء البرلمان لعدم الاستجابة لدعوة الغنوشي والتعبير عن مواقفهم الرافضة لأي محاولة لتعميق أزمات البلاد واستقراراها وتهديد السلم الأهلي.

وطالب التحالف، الرئيس سعيد، بضرورة اتخاذ قرارات «وطنية جريئة»، يكون على رأسها إعلان حل مجلس نواب الشعب بتركيبته الحالية ورفع صفة «نائب الشعب» عن جميع أعضائه، لأن «أنصاف الحلول لا تبدل ولا تغير حالًا».

كما طالب بالدعوة لحوار وطني يستثنى منه المشبوهون وكل الذين شاركوا في الحكم خلال عشرية الإخوان، مؤكدًا أن على الحكومة وأجهزة الدولة ضرورة تطبيق القانون على الخارجين عن قوانين البلاد وارتكاب الجرائم السياسية، التي من شأنها تهديد الأمن القومي.

 

تمرد إخواني

من جانبه، قال حزب التيار الشعبي التونسي، إن خطوة اجتماع البرلمان المجمدة أعماله، تعد «تمردًا» على الدولة وفتحًا لباب التنازع على الشرعية ومقدمة لتقسيم الدولة وسلطاتها واستدعاء لتدخل القوى الخارجية، التي تدعم مجموعات الفساد والإرهاب، على غرار ما حصل في بلدان شقيقة.

ودعا التيار الشعبي -في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه- الشعب التونسي وقواه الوطنية إلى توحيد صفوفه، للتصدي لنهج التخريب والعمالة وحماية للدولة الوطنية وسيادتها ووحدتها.

كما دعا الرئيس سعيد إلى تحمُّل مسؤوليته كضامن لوحدة الدولة وأمنها القومي ضد «طغمة الفساد والإرهاب»، التي تعمل على تدمير ما تبقى من الدولة ومحاسبة المتورطين.

 

فشل سياسي

الاتحاد العام التونسي للشغل لم يكن بعيدًا عن تلك التحركات، فأمينه العام نورالدين الطبوبي، قال -في تصريحات صحفية- إن قرارات الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021 كانت نتيجة لفشل سياسي ما قبله، داعيًا إلى إيجاد توازن سياسي في المشهد.

وحذر السياسي التونسي، من خطورة التصنيف السلبي لاقتصاد بلاده من مؤسسات مالية عالمية، مجددًا دعوته إلى «وحدة وطنية صماء» لتجاوز الأزمة.