فاينانشيال تايمز: زعيم روسيا الغاضب يدفع العالم نحو الحرب
غضب بوتين المكبوت من الغرب وتركيزه على أوكرانيا يجعلانه أكثر عدوانية وغير قابل للتنبؤ

ترجمات - السياق
وصفت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية غزو روسيا لأوكرانيا، من الشمال والجنوب والشرق، الخميس الماضي، بأنه أكبر عملية عسكرية في أوروبا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ورأت الصحيفة، في تقرير بموقعها الإلكتروني، أن حرب الروسي فلاديمير بوتين في كييف، تتويج لانزلاقه إلى الاستبداد وإصابته بجنون العظمة، الذي يجعله شبيهاً بأكثر حكام روسيا وحشية.
استياء بوتين
وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن بوتين كان بعيداً عن الجميع قبل وباء كورونا، لكن الأخير حد من اتصاله بالآخرين، إذ بات الزوار الغربيون يضطرون إلى الجلوس على طاولة ضخمة على مسافة كبيرة للغاية منه، كما أنه نادراً ما يُسمح حتى لأقرب مستشاريه بالجلوس إلى مسافة قريبة منه، من دون أسابيع في الحجر الصحي وإجراء فحص كورونا.
وذكرت الصحيفة أن الذين عرفوا بوتين -منذ عقود- يقولون إن لديه استياءً عميقًا مكبوتًا من الغرب، كما أنه يركز على تاريخ روسيا المشترك مع أوكرانيا، ما جعله أكثر عدوانية وغير قابل للتنبؤ.
ونقلت الصحيفة عن مستشار بوتين السابق جليب بافلوفسكي قوله: "إنه أكثر عزلة من ستالين، الذي لم يأتِ إلى الكرملين في السنوات الأخيرة من حياته، وعاش في منزله الريفي، إذ إن بوتين يعيش منعزلاً بقدر استطاعته".
وتابعت: "بمجرد أن عيَن يلتسين بوتين بشكل غير متوقع كخليفة له، عشية رأس السنة الجديدة عام 1999، سعى الرئيس الروسي جاهداً لاستعادة القوة التي فقدتها روسيا، ففي الداخل، شن حملة وحشية لإخضاع الانفصاليين في الشيشان، وأخضع وسائل الإعلام للدولة، لكنه بالنسبة للخارج، سعى في البداية للتحالف مع الولايات المتحدة، وسأل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، عما إذا كان بإمكان روسيا أن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعرض دعمه لحرب جورج دبليو بوش على الإرهاب، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر".
سجن أغنى روسي
وفقاً لمسؤول روسي كبير سابق، لم تكشف الصحيفة هويته، فإن توسلات بوتين لم تلق آذاناً مصغية، وهو ما جعله يشعر بالمرارة مما اعتبره رفض الغرب لأخذ كلامه على محمل الجد، مضيفاً: "هذا خطؤهم، كان ينبغي أن يدعمونا ويدمجونا في عالمهم، لكنهم كانوا يعملون ضدنا".
وذكرت الصحيفة أن نقاط التحول الرئيسة جاءت عامي 2003 و2004، حينما سجن بوتين ميخائيل خودوركوفسكي، أغنى رجل في روسيا في ذلك الوقت، بينما تزايد استياؤه من الولايات المتحدة بسبب حرب العراق، وتوسع "الناتو" في أوروبا الشرقية ودعم الحلف "للثورات الملونة" في دول الاتحاد السوفييتي السابق.
وأضافت: "برز استياء بوتين من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، عندما تقدمت أوكرانيا وجورجيا بطلب للانضمام إلى الحلف عام 2008، إذ إنه حينها حذر بوش من أن أوكرانيا (ليست دولة حقيقية)، ورغم أن "الناتو" لم يقدم سوى ضمانات غامضة بشأن انضمام هذه الدول إليه، فإن رده كان كافياً لدفع رئيس الوزراء الروسي آنذاك (بوتين) إلى شن حرب مدمرة لمدة خمسة أيام ضد جورجيا، وإرسال قوات لاحتلال منطقتين حدوديتين منفصلتين".
ووفقاً للصحيفة، فإن رد الفعل الغربي الخافت، الذي أعقبته محاولة أمريكية لإعادة العلاقات مع روسيا، كان يشير إلى أن استخدام بوتين للقوة لم يُتعامل معه بشكل حاسم بما فيه الكفاية، وهو ما أدى إلى وضع ساءت فيه الأمور بشكل أكبر.
انقلاب مسلح
أشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن المخاوف من الزحف الغربي والانتفاضات المحلية، متشابكة في ذهن بوتين، ففي ديسمبر 2011، اتهم الولايات المتحدة بـ "منح إشارة" للاحتجاجات التي سبقت عودته إلى الرئاسة، ثم وصف ثورة 2014 في أوكرانيا بأنها "انقلاب مسلح"، ما دفعه للاستيلاء على شبه جزيرة القرم، وهو ما أضر بمكانة روسيا العالمية بشدة، لكن معدلات تأييد بوتين في الداخل ارتفعت إلى أكثر من 80%، ومع القليل من المعارضة الكبيرة، نمت شهيته للمغامرة، التي بلغت ذروتها عام 2015 من خلال التدخل العسكري الذي غيَّــر مسار الحرب الأهلية السورية.
ووجدت الدول الغربية، أن التفاوض مع بوتين شديد الثقة بنفسه أمر مستحيل، ولذا فقد توقفت المحادثات بشأن نزاع دونباس، بوساطة فرنسا وألمانيا، ثم انتخبت أوكرانيا رئيسها الجديد، فولوديمير زيلينسكي، الذي اتخذ موقفاً أكثر جرأة ضد بوتين، حينما طالب "الناتو" بالاعتراف بكييف، واعتقل أقرب حليف للرئيس الروسي في البلاد، حسب الصحيفة.
ولفتت الصحيفة إلى أنه مع تدهور عملية السلام، بات استياء بوتين من أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي واضحاً، إذ إنه في الصيف الماضي، كتب مقالًا من 5 آلاف كلمة، يتحدث فيه عن أوكرانيا، ويدعي أن الولايات المتحدة تستخدم كييف لتهديد موسكو.
وتابعت: "عندما بدأت روسيا حشد القوات على الحدود، طلب بوتين من الدبلوماسيين، الحفاظ على حجم معين من التوتر مع الغرب، لكن مطالبه بأن يتعهد الناتو بعدم قبول أوكرانيا كعضو، ودحر التوسع الشرقي للحلف، يعيدان كتابة النظام الأمني ما بعد الحرب الباردة".
وأشارت الصحيفة إلى أن الغرب بذل جهوداً دبلوماسية في اللحظة الأخيرة، لكن عندما التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز بوتين حول طاولة الكرملين الضخمة، شعرا بالصدمة من بوتين، الذي رأوا أنه كان يختلف مع العالم الخارجي، وفقاً لمساعدين تحدثوا إلى "فاينانشيال تايمز".
ورأت الصحيفة أن مهمة هؤلاء الرؤوساء كان محكوماً عليها بالفشل، إذ اعترف بوتين -بعد يوم من الاتفاق على قمة مع الولايات المتحدة، برعاية ماكرون- باستقلال دونباس في خطبة هدد فيها بتحميل أوكرانيا مسؤولية "إراقة أي دماء"، وتلك كانت محاولة واضحة لإعداد الشعب الروسي للحرب.