الانهيار العسكري في أفغانستان... صفقات غير مشروعة وهروب جماعي

نقلت واشنطن بوست، عن ضابط أفغاني قوله: كانت طالبان تعرض 150 دولارًا على أي شخص من الحكومة، للاستسلام والانضمام إليها، وأضاف، في تصريحه لمراسل الصحيفة: هل تعلم ما هو السعر الآن؟.

الانهيار العسكري في أفغانستان... صفقات غير مشروعة وهروب جماعي

ترجمات – السياق

بدأ الانهيار المذهل للجيش الأفغاني، الذي سمح لمقاتلي طالبان بالسيطرة على كابل، رغم عشرين عامًا من التدريب ومليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية، بسلسلة من الصفقات، التي تمت بوساطة في القرى، بين الجماعة المسلَّحة وبعض أفراد الحكومة الأفغانية.

ووصف المسؤولون الأفغان الصفقات، التي عُرضت أوائل العام الماضي، بأنها وقف إطلاق نار، لكن قادة طالبان كانوا في الواقع، يعرضون أموالًا مقابل تسليم القوات الحكومية أسلحتهم، وفقًا لضابط أفغاني ومسؤول أمريكي. 

وأشارت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية -في تقرير- إلى مدى الانهيار العسكري الذي حدث في أفغانستان، مع هروب الرئيس أشرف غني، واكتمال سقوط الدولة، بيد مقاتلي حركة طالبان المتشدِّدة، ولمَّحت إلى صفقات غير مشروعة، وسط هروب جماعي.

وكانت طالبان أعلنت الأحد دخولها العاصمة كابل، بعد حملة عسكرية سريعة، واستولت على القصر الرئاسي، وعزَّزت سيطرتها على أفغانستان، بعد ساعات فقط من فرار الرئيس أشرف غني.

من جانبه، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، مغادرة موظفي سفارة الولايات المتحدة أيضًا إلى مطار كابل.

ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية قولها: من المتوقَّع أن تنشر وزارة الدفاع الأمريكية 1000 جندي في أفغانستان، من فريق لواء قتالي، ومع الانتشار الإضافي، يمكن أن يصل عدد القوات الأمريكية إلى 6000 جندي قريبًا على الأرض في مطار كابل الدولي، وفقًا لمصادر عسكرية.

وأشارت مصادر أخرى، إلى أن دولًا أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا وكندا وفنلندا، أعلنت إغلاق سفاراتها وإجلاء الطواقم الدبلوماسية.

 

مفاوضات الاستسلام

على مدى العام ونصف العام الماضي، تقدَّمت الاجتماعات بين مقاتلي طالبان ومسؤولين أفغان، إلى مستوى المقاطعات، ثم انتقلت بسرعة إلى عواصم المقاطعات، وبلغت ذروتها في سلسلة مبهرة من التفاوض على الاستسلام من قِبَلِ القوات الحكومية، وفقًا لمقابلات الضباط الأفغان والشرطة وقوات العمليات الخاصة، مع الصحيفة الأمريكية.

وذكر التقرير، أنه خلال الأسبوع الماضي فقط، سقط أكثر من اثنتي عشرة عاصمة إقليمية، في يد قوات طالبان، مع القليل من المقاومة أو من دون مقاومة على الإطلاق، بينما في وقت مبكر من صباح الأحد 15 أغسطس، استسلمت مدينة جلال آباد، التي تسيطر عليها الحكومة أمام المسلَّحين، من دون إطلاق رصاصة، واختفت قوات الأمن، في المناطق التي تحيط بكابل ببساطة، وفي غضون ساعات، وصلت قوات طالبان إلى المداخل الأربعة الرئيسة للعاصمة الأفغانية، من دون معارضة.

 

صدمة الأمريكيين

وأوضح التقرير أن وتيرة الانهيار العسكري، صدمت العديد من المسؤولين الأمريكيين، وغيرهم من المراقبين الأجانب، ما أجبر الحكومة الأمريكية، على تسريع الجهود بشكل كبير، لسحب الأفراد من سفارتها في كابل.

وأشار التقرير إلى أن حركة طالبان، استفادت من حالة عدم اليقين الناجمة من اتفاق فبراير 2020 الذي تم التوصل إليه في العاصمة القطرية الدوحة، بين الجماعة المتشدِّدة والولايات المتحدة، الذي دعا إلى انسحاب أمريكي من أفغانستان، إذ أدركت بعض القوات الأفغانية، أنها لن تكون قادرة على الاعتماد على القوات الجوية الأمريكية، وغيرها من أشكال الدعم الحاسمة في ساحة المعركة، ما جعلها تلجأ إلى عمل مقاربات مع طالبان.

ونقل التقرير عن ضابط في القوات الخاصة الأفغانية قوله: "البعض أراد المال فقط"، مشيرًا إلى أن هناك ضباطًا اعتبروا التزام الولايات المتحدة بالانسحاب من البلاد "ضمانًا" لعودة المسلَّحين إلى السلطة في أفغانستان، ومن ثم يريدون تأمين مكانهم مع الجانب الفائز.

 

إحباط وفساد

واكد التقرير أن اتفاق الدوحة، المصمَّم لإنهاء الحرب في أفغانستان، ترك إحباطًا بين العديد من القوات الأفغانية، ما ساعد في تفشي الفساد، بل وصل الأمر إلى تراجع ولاء بعض الضباط والمسؤولين للحكومة المركزية في البلاد، بينما اشتكى بعض ضباط الشرطة، من أنهم لم يتلقوا رواتبهم، منذ ستة أشهر أو أكثر.

وقال الضابط، في إشارة إلى أغلبية الأفغان المتحالفين مع الحكومة: "لقد رأوا وثيقة الدوحة على أنها النهاية، ففي اليوم الذي تم فيه توقيع الصفقة، شهدنا تغييرًا على الأرض، إذ بدأ الجميع يبحثون عن مصلحتهم فقط، وبدا الأمر كما لو أن الولايات المتحدة تركتنا نفشل."

وقال ضابط أفغاني آخر لـ "واشنطن بوست": إن عملية الاستسلام التي تم التفاوض عليها لطالبان، تسارعت ببطء في الأشهر التي أعقبت اتفاق الدوحة، لكن بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في أبريل الماضي، أن القوات الأمريكية ستنسحب من أفغانستان هذا الصيف، من دون شروط، بدأت التنازلات.

ومع توسُّع المسلَّحين في سيطرتهم، سقطت المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بشكل متزايد، من دون قتال، وتم الاستيلاء على قندوز، أول مدينة رئيسة يجتاحها المتشدِّدون، قبل أسبوع، بينما أسفرت أيام من المفاوضات -بوساطة شيوخ القبائل- عن اتفاق استسلام، سلَّم طالبان آخر قاعدة تسيطر عليها الحكومة.

وأضاف التقرير: "بعد فترة وجيزة أسفرت المفاوضات -في مقاطعة هيرات الغربية- عن استقالة الحاكم وكبار مسؤولي وزارة الداخلية والمخابرات ومئات الجنود، إذ تم إبرام الصفقة في ليلة واحدة".

ونقلت الصحيفة عن ضابط بوزارة الداخلية في كابل قوله: "شعرت بالخجل الشديد، بعد استسلام عبدالرحمن رحمان المسؤول الكبير بوزارة الداخلية في هرات"، مضيفًا: "أنا مجرَّد شخص صغير، لست بهذا الحجم... إذا كان هو فعل ذلك، فماذا أنا بفاعل؟".

 

استسلام جماعي

وشهدت ولاية هلمند الجنوبية -الشهر الماضي- استسلامًا جماعيًا، ومع اقتراب مقاتلي طالبان من مقاطعة غزنة جنوبي شرق البلاد، فر حاكمها تحت حماية طالبان، ليلقى القبض عليه من قِبَلِ الحكومة الأفغانية، في طريق عودته إلى كابل.

وتذكر ضابط، من القوات الخاصة الأفغانية المتمركزة في قندهار، الذي تم تكليفه بحماية معبر حدودي مهم، أنه أُمر من أحد القادة بالاستسلام، وقال لـ "واشنطن بوست": "كنا نريد القتال، إذا استسلمنا، فإن طالبان ستقتلنا".

وأضاف أنه جاءته أوامر بـ"ألا تطلق رصاصة واحدة"، وتابع: استسلمت شرطة الحدود على الفور ، تاركة وحدة القوات الخاصة بمفردها.

وقال ضابط آخر عمّا حدث: لقد تركت الوحدة أسلحتها غير راغبة في القتال، بشكل لا مثيل له، وارتدى الضباط والجنود الملابس المدنية وهربوا من الموقع، وهنا قال الضابط الأول: "أشعر بالخجل مما فعلته".

 

افتقار الدافع للقتال

وقالت الصحيفة الأمريكية: عندما سُئل ضابط شرطة أفغاني، عن افتقار قوته الواضح، إلى الحافز والدافع في القتال، أوضح أنهم لم يتلقوا رواتبهم منذ فترة طويلة، وهو ما أكده العديد من رجال الشرطة الأفغان، على الخطوط الأمامية في قندهار، قبل سقوط المدينة، بقولهم إنهم لم يتلقوا رواتبهم منذ ستة إلى تسعة أشهر، وبذلك أصبحت مكافآت طالبان أكثر إغراءً من أي وقت مضى.

وقال ضابط آخر في الشرطة الأفغانية: "من دون الولايات المتحدة، لم يكن هناك خوف من القبض عليهم بتهمة الفساد، لقد أخرجت الخونة من جيشنا".

بينما قال العديد من ضباط شرطة قندهار: إن الفساد هو المسؤول عن الانهيار أكثر من عدم الكفاءة.

وقال أحمد الله قندهاري، الضابط في شرطة قندهار: "بصراحة لا أعتقد أنه يمكن إصلاح الشرطة أو الجيش، أعتقد أنهم بحاجة إلى شيء جديد".

ونقلت الصحيفة عن ضابط أفغاني قوله: "كانت طالبان تعرض 150 دولارًا على أي شخص من الحكومة، للاستسلام والانضمام إليها"، وأضاف، في تصريحه لمراسل "واشنطن بوست": "هل تعلم ما هو السعر الآن؟".