كيف يقود الطلاب الإيرانيون الاحتجاجات المناهضة للنظام؟.. السر في الجامعات
ميلينا البالغة من العمر عشرين عامًا هي واحدة من جيل جديد من الطلاب الإيرانيين المتحمسين للتغيير، لم يمنعها حتى قمع المظاهرات المناهضة للنظام من الخروج إلى الشوارع للاحتجاج.

ترجمات - السياق
احتجاجات دخلت أسبوعها الرابع دون أن تخمد جذوتها بعد، كشفت عن فئات تشارك لأول مرة سطرت بأناملها قصصًا ضد عنف وقمع النظام الإيراني للمرأة في البلد الآسيوي.
تلك الاحتجاجات والتي كانت شاهدًا مروعًا على عنف القوات الأمنية في التعامل مع المحتجين، أدَّت إلى مقتل ما لا يقل عن 41 شخصًا في حملات القمع، فيما تحدثت تقارير عن أن ضابط شرطة كبيرًا «اغتصب» فتاة مراهقة في مدينة زاهدان جنوب شرق البلاد، لتكتمل حلقة القمع «الوحشي» لقوات الباسيج التي وجدت نفسها وجهًا لوجه أمام المتظاهرين.
ميلينا البالغة من العمر عشرين عامًا هي واحدة من جيل جديد من الطلاب الإيرانيين المتحمسين للتغيير، لم يمنعها حتى قمع المظاهرات المناهضة للنظام من الخروج إلى الشوارع للاحتجاج.
وتقول ميلينا، وهي طالبة الهندسة الكهربائية في طهران، في تصريحات لصحيفة «فايننشال تايمز»، إن الاحتجاجات ستستمر حتى "نتمتع بحرية اختيار نظام علماني ديمقراطي لن يكون هناك تمييز بموجبه".
دور محوري
ولأول مرة منذ سنوات، عادت الجامعات الإيرانية إلى الظهور كمحور مركزي للاحتجاجات بعد وفاة الفتاة مهسا أميني التي احتجزتها ما يعرف بـ«شرطة الأخلاق» بزعم انتهاك قواعد الزي الإسلامي، لتنتشر وتستمر بعدها الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، رغم القمع.
ومع رفض العديد من الطلاب الذهاب إلى الفصول الدراسية، أعيد فتح الجامعات في جميع أنحاء البلاد جزئيًا فقط في بداية العام الدراسي، فيما طالب طلاب في جامعة الفردوسي في مدينة مشهد، بإجراء استفتاء حول إذا ما كان يجب أن تدار إيران من قبل مؤسسة «إسلامية».
ومن بين شعارات المحتجين الغاضبين: «لا نريد جمهورية إسلامية، امرأة، حياة، حرية»، تجسيدًا لما يأملون في تحقيقه في ظل حكومة علمانية، بحسب صحيفة «فايننشال تايمز»، التي قالت إن طلاب المدارس الثانوية الإيرانية انضموا إلى الاحتجاجات، ونشروا مقاطع فيديو تظهرهم وهم يخلعون الحجاب، ويكتبون الشعارات ويغنون الأغاني لإظهار تضامنهم مع المتظاهرين.
عبد الله مؤمني، زعيم طلابي سابق أمضى خمس سنوات في السجن بتهمة عقد تجمعات «غير قانونية»، يقول: «كانت الحركة الطلابية [بالكاد] على قيد الحياة حتى في ظل القمع والترهيب، لكن هذه الاحتجاجات أعادت الحياة إليها مرة أخرى».
وقُتل ما لا يقل عن 41 شخصًا في حملات القمع منذ بدء الاحتجاجات، وفقًا للتلفزيون الحكومي، على الرغم من أن منظمة العفو الدولية تقدر الرقم بـ 52.
وبعد احتجاجات في عشرات الجامعات في نهاية الأسبوع، داهمت قوات الأمن جامعة شريف المرموقة في طهران واعتقلت أكثر من 30 طالبًا، بحسب نقابة الطلاب، التي قالت إنَّ النظام أراد «خنق أصوات الطلاب المتظاهرين» وجعل جامعة شريف «عبرة»، فيما ألقت وزارة التعليم العالي الإيرانية باللوم في احتجاجات شريف و«شعاراتها المتطرفة» على المعارضة الخارجية.
جيل بلا قيادة
وعلى عكس الحركات الطلابية السابقة، التي انخرط قادتها من خلال منظمات جامعية قائمة، يبدو أنَّ هذا الجيل من الاحتجاجات بلا قيادة. وتقول ميلينا: «نحن قادتنا»، رافضة فكرة أن الطلاب بحاجة إلى شخصية قيادية لإخبارهم بما يجب أن تكون مطالبهم عليه في الاحتجاجات.
وبالنسبة إلى المحتجين الشباب، ولا سيما من الطبقة الوسطى الحضرية الذين يسكنون قاعات المحاضرات الجامعية، كشفت وفاة مهسا أميني في الحجز أن الوقت قد حان لتغادر «الجمهورية الإسلامية»، على حد قول حامد رضا جلايبور عالم الاجتماع، الذي وصف وفاة أميني بأنها «شفرة تندب النخاع الشوكي للإيرانيين». ووعدت السلطات بإجراء تحقيق كامل في وفاتها، لكن يعتقد الكثير من الإيرانيين أنها تعرضت للضرب على يد شرطة الأخلاق.
وتقول «فايننشال تايمز»، إنَّ استيقاظ روح الاحتجاج لدى طلاب الجامعات يأتي بعد تقدم بطيء في الإصلاحات السياسية، مما يقنع الكثيرين بأنه لا جدوى من التفاوض مع السلطات أو الانخراط في الانتخابات.
ومع سيطرة «المتشددين» الآن على جميع أذرع الدولة، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي والتي شهدت انتخاب إبراهيم رئيسي 48.8% فقط، بحسب الصحيفة البريطانية.
ورغم الاحتجاجات والغضب، يحذر محللون من أن إيران ليست على وشك الانهيار، مشيرين إلى أن «الجمهورية الإسلامية قد لا تكون دولة ديمقراطية».
وقال جالايبور: «أولئك الذين يسعون لتغيير النظام ما زالوا يشكلون أقلية (..) غالبية الإيرانيين غير مستعدين لدفع التكاليف».
سيناريو فرنسا
أما سعيد ليالز المحلل الإصلاحي، فقال إنَّ الاحتجاجات كانت شبيهة بالاضطرابات المدنية في فرنسا في مايو/أيار 1968، مشيرًا إلى أن ذلك «لن يؤدي إلى الإطاحة بالمؤسسة السياسية لكن يمكن أن يؤدي إلى تطورات عميقة».
وأضاف أن «الشباب في الاحتجاجات بشكل أساسي، هم في الغالب عازبون وليس لديهم زعيم ولا مطلب واضح»، مشيرًا إلى أن «هذه الفكرة القائلة إن إيران أكبر من أن تسقط منتشرة بين كثير من الإيرانيين»، فيما يخشى بعض الطلاب والأساتذة من أن تنتهي الاحتجاجات بمزيدٍ من القمع وخيبة الأمل.
وقال عزام، أستاذ جامعي: «هذا الجو المتطرف اليوم سيساعد المتشددين على المضي قدمًا في خططهم لمزيد من تطهير (إقالة) الأساتذة المؤيدين للإصلاح وقمع الطلاب»، متسائلًا: كم من الوقت يمكن للطلاب رفض الذهاب إلى الفصول الدراسية؟ تجربتي تقول إنه ليس بالوقت الطويل جدًا؟
وعلى الرغم من الاحتجاجات، قال حميد رضا تراغي، وهو سياسي متشدد، إنَّه لن يكون هناك تراجع عن مبادئ إيران، لكن يمكن أن تكون هناك إصلاحات أخرى، مثل تغيير طريقة فرض الحجاب أو الحجاب الإلزامي أو السماح للطلاب بالقيام بنقاشات حرة داخل الجامعات.
وهناك 4.5 ملايين طالب في الدولة، فحتى لو سعى 50 ألفًا منهم إلى قلب النظام، فهذا ليس رقمًا مرتفعًا، بحسب تراغي.
رسالة تحذير
إلا أنه مع ذلك، فإن الاحتجاجات بمثابة تحذير للمتشددين الذين يستعدون للخليفة النهائي للمرشد الأعلى الإيراني البالغ من العمر 83 عامًا آية الله علي خامنئي، بحسب «فايننشال تايمز»، التي قالت إن المرشد الإيراني استهدفته شعارات كثيرة هو وابنه الثاني مجتبى، رجل دين يبلغ من العمر 53 عامًا يُنظر إليه على أنه خليفة محتمل لوالده.
وقال الزعيم الطلابي مؤمني: «ستساعد احتجاجات الطلاب على جعل النظام أكثر حذرًا في قراراته المستقبلية مثل الخلافة. حتى إذا نجت إيران من تلك الاحتجاجات، فإن هذه الحركة الجديدة ستحقق إنجازاتها وسنرى آثارها على نمط حياة الناس وملابس النساء».
وبالنسبة إلى ياسامين، موظفة صرافة في مطعم تبلغ من العمر 23 عامًا كانت تشارك في الاحتجاجات، فإن الطلاب يقدمون الأمل في مستقبل مختلف.
وقالت: «الطلاب يمنحون مزيدًا من المصداقية لما هو حركة شعبية حقيقية، وربما يخرج شخص متعلم من هذه الاحتجاجات كقائد في الوقت المناسب»، مشيرة إلى أنها قررت الاستمرار في الاحتجاج.
وأضافت: «في الوقت الحالي، أنا مصممة على المضي قدمًا ومعرفة من لديه المزيد من السلطة (..) هذا البلد ملكي، ومن حقي أن أعيش حياة جيدة هنا ولا يمكن لأحد أن يأخذ هذا مني ما لم يقتلني».