مرفأ بيروت... مرور عام على أسوأ انفجار غير نووي في غياب العدالة
رغم أنه بعد وقوع الانفجار مباشرة، هرعت فرق تحقيقات أجنبية إلى مرفأ بيروت، للتحقيق في الحادث، فإن نتائج تلك التقارير التي سُلِّمت إلى السُّلطات القضائية اللبنانية، بقيت سِرية.

السياق
عام مر على أسوأ انفجار غير نووي، في منطقة مكتظة بالسكان في تاريخ البشرية، إلا أن هناك أسئلة كثيرة، لم يضع لها الزمن أجوبة حتى الآن، فلا يعرف الناس في لبنان، عن الانفجار أكثر مما انتشر من نظريات، في الأيام الأولى من حدوثه.
وبينما لم يعرف مَنْ يقف خلف هذا الانفجار، الذي يوافق اليوم الأربعاء 4 أغسطس، الذكرى السنوية الأولى له، تبقى العدالة العزاء الوحيد للضحايا، الذين قُدِّر عددهم بالآلاف، إلا أنها هي الأخرى ما زالت بعيدة المنال.
واشتعل مخزون كبير من نترات الأمونيوم المخزنة في الميناء، في انفجار مدمِّر أدى إلى تحطُّم جزء كبير من المدينة، ومقتل أكثر من 200 شخص، بينما خلَّف الحادث -الذي أدمى قلب العالم- ضحايا بالآلاف.
أهالي ضحايا تلك الأسر، كانوا يتجمعون في الرابع من كل شهر، في وقفة احتجاجية، يحملون خلالها في صمت صور مَنْ فقدوا، مذكرين بقضيتهم، التي لم تنل أي قسط من العدالة، في البلد الذي لا يحاسَب فيه أحد.
أسئلة حائرة
فما أسباب رسو باخرة نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت عام 2013؟ وأين كانت وِجهتها النهائية؟ ومَنْ مالك السفينة؟ ولماذا بقيت حمولتها 6 أعوام في المرفأ؟ وما سبب الانفجار؟ وهل هو متعمَّد؟ ومَنْ الذي يقف خلفه؟
تظل هذه الأسئلة الحائرة للبنانيين -في الذكرى الأولى للانفجار- بلا أجوبة.
شبكة بلومبرج الأمريكية، أحيت الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت، مؤكدة أن معالجة الكارثة، التي تُعَدُّ من كوارث عدة حلَّت بلبنان، خلال العامين الماضيين، تلخِّص الاختلالات الأساسية التي دمَّرت البلاد.
فالإدارة الفاسدة وغير الكفؤة، وغياب الشفافية والمساءلة والعدالة، واستعداد القوى المؤثرة لوضع المجتمع بأكمله في خطر شديد، من أجل أغراضها الأنانية الضيقة، كانت عناوين معالجة أزمة انفجار بيروت.
الشبكة الأمريكية، عبَّـرت عن استهجانها للتفسير الرسمي لكيفية وصول المواد الكيميائية، التي يمكن استخدامها كسماد أو مواد متفجِّرة، إلى لبنان، واصفة إياها بأنها «أكثر من سخيفة».
بداية الحادث
وقالت "بلومبرج": عام 2013، وصلت سفينة ترفع علم مولدوفا إلى الميناء، يفترض أنها في طريقها إلى موزمبيق، إلا أنه بعد 11 شهرًا تم تفريغ الشحنة الخطرة، بأحد مخازن الميناء، حيث بقيت داخل الميناء حتى الانفجار، الذي أسفر عن مقتل 218 شخصًا على الأقل وإصابة الآلاف.
وبحسب تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي لعام 2020، الذي اكتمل بعد فترة وجيزة من الكارثة، فإن الشحنة الأصلية التي تبلغ 2754 طنًا من نترات الأمونيوم، انفجر منها 552 فقط.
ودللت «بلومبرج» على توقُّعاتها بانفجار جزء من الشحنة فقط، قائلة، إنه لو كانت الشحنة انفجرت، لتمَّ القضاء على معظم المدينة، مخلِّفة عددًا من القتلى لا يمكن تصوره.
ورجَّحت الشبكة الأمريكية -نقلًا عن مصادرها- أن تكون هذه الكيماويات الخطرة، تم إحضارها إلى بيروت، لاستخدامها في صُنع المتفجرات، مشيرة إلى أنه منذ وقوع الانفجار، وجَّه العديد من اللبنانيين أصابع الاتهام إلى ميليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية الموالية لإيران، وحليفها المقرَّب الرئيس السوري بشار الأسد.
وأضافت، أن هذه ليست المرة الأولى، التي تستخدم فيها هذه المليشيات، الدولة والمجتمع اللبناني، كغطاء ووسيلة لأنشطتها الشائنة، التي دفع الشعب اللبناني ثمنها باهظًا.
تحقيقات قضائية
ورغم أنه بعد وقوع الانفجار مباشرة، هرعت فرق تحقيقات أجنبية (فرنسية وأمريكية) إلى مرفأ بيروت، للتحقيق في الحادث، فإن نتائج تلك التقارير التي سُلِّمت إلى السُّلطات القضائية اللبنانية، بقيت سِرية.
وبينما خرجت بعض التسريبات عن نتائج التحقيقات، إلا أنها لم تتمكن من تبديد الغموض الذي اكتنف الكثير من التفاصيل، المحيطة بأحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.
التحقيق الأمريكي الفرنسي، كان بموازاة تحقيق للسُّلطات الرسمية اللبنانية، بقيادة القاضي فادي صوان، الذي تنحى عن القضية، عقب طلبه استجواب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الاعمال وثلاثة وزراء سابقين.
إلا أنه بعد تنحي صوان، تسلَّم القاضي طارق بيطار القضية، الذي كرَّر طلب سلفه نفسه، باستجواب الأشخاص وقادة الأمن الحاليين أنفسهم، وحتى الآن لم يتمكن من استجواب أي منهم، ولا رفع الحصانة القانونية للمشرِّعين، لمعرفة الحقيقة.
حماية الفاسدين
وأشارت وكالة بلومبرج، إلى أنه إذا كان الأمر يتعلَّق فقط بحماية المسؤولين معدومي الكفاءة، أو حتى حماية الفساد، فقد يكون من الممكن استئناف بعض مظاهر التحقيق، لكن طالما أنه لا يمكن السماح بإجراء تحقيق حقيقي، فذلك لأنه سيكشف على الأرجح أن قصة إيصال الشحنة إلى موزمبيق خيالية، وأن المواد الكيميائية كانت متجهة إلى بيروت منذ البداية.
الدولة اللبنانية، ليست في وضع يسمح لها بمحاسبة حزب الله وعملاء النظام السوري، ولا حتى الاعتراف بالكثير من أنشطتهم، بحسب الشبكة الأمريكية، التي قالت إن مؤسسات الحكومة اللبنانية التي تبدو عاجزة، وحتى رهينة لهذه القوى، هي البديل الحقيقي الوحيد لهيمنة حزب الله وحلفائه، مشيرة إلى أن الدعوات في الولايات المتحدة، لحرمان الحكومة اللبنانية من المساعدات الماسة، لن تؤدي إلا إلى تقوية قبضتها على البلاد.
تحرير العدالة
إلا أن رئيس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، طالب بـ«تحرير العدالة من المبارزات السياسية والاستثمار السياسي»، كما طالب بتحقيق دولي شفاف في انفجار مرفأ بيروت.
وقال الحريري، في سلسلة تغريدات عبر «تويتر»: «عام على انفجار الرابع من أغسطس الماضي، بصمة سوداء لحالات الضياع والإنكار والتسيُّب والإهمال، في مؤسسات الدولة السياسية والقضائية والإدارية والعسكرية».
بركان يعصف ببيروت
وأوضح أن «البركان الذي عصف ببيروت وأهلها وأحيائها، ليس منصة للمزايدات والاستثمار السياسي في أحزان المواطنين المنكوبين، واتخاذها ممراً لتسجيل المواقف وإغراق المسار القضائي بتوجيهات شعبوية لتهريب الحقيقة».
وأكد أن «للعدالة قاعدتان، لجنة تحقيق دولية تضع يدها على الملف وساحة الجريمة، أو تعليق القيود التي ينص عليها الدستور والقوانين، وما ينشأ عنها من محاكم خاصة، تتوزَّع الصلاحية والأحكام في الجريمة الواحدة».
وأشار إلى أن معظم الجرائم، التي أحيلت إلى المجلس العدلي، ذهبت أدراج الرياح السياسية، مؤكدًا أن جريمة المرفأ هي أم الجرائم في تاريخ لبنان، فالظلم سيقع على كل اللبنانيين، وأهالي الضحايا في مقدمتهم، إذا ضاعت في بحر المزايدات، لقاء حفنة من «جوائز الترضية» القضائية لتنفيس الغضب العام.
أين الوضع الآن؟
بعد فترة قصيرة من الانفجار، انطلقت أعمال ترميم المباني والمنازل، في المناطق الأكثر تضررًا من الانفجار.
وانتشرت ورش العمل بعد الانفجار بجهود فردية، وبدعم جمعيات غير حكومية، مشكلة طفرة في المدينة، لتملأ الفراغ في البلد الذي يعاني أزمة اقتصادية طاحنة، وصفها البنك الدولي بواحدة من أسوأ ثلاث أزمات في التاريخ.
وجرت أعمال التصليح والترميم كلها بالقطعة، حسب إمكانات كل مواطن، وسط تنافس تلك المنظمات غير الحكومية، وتنافس المتضررين للحصول على دعم منها.
يأتي ذلك بينما عاد اليوم، عدد كبير جدًا من سكان تلك الأحياء إلى منازلهم، إلا أن بعض المباني تهدَّمت ولا يزال عدد من الناس مشرَّدين.
وعن مرفأ بيروت، فقد تراجع نشاطه كثيرًا، بسبب الانفجار الذي أدى إلى تراجع حركة الواردات بشكل هائل، نتيجة الانهيار والانكماش الكبير في الاقتصاد والقدرة الشرائية لدى الناس.