هل منحت زيارة عباس كامل إلى الخرطوم الضوء الأخضر للخيار العسكري؟

هل أصبح الخيار العسكري قاب قوسين أو أدنى من القرار المصري السوداني؟

هل منحت زيارة عباس كامل إلى الخرطوم الضوء الأخضر للخيار العسكري؟
عباس كامل

السياق

أيام قليلة وتبدأ إثيوبيا الملء الثاني لسد النهضة، في خطوة تؤرِّق دولتي المصب، اللتين تبديان تخوفات من تعنُّت أديس أبابا، في ملف مصيري للبلدين الأفريقيين.

فبين الخط الأحمر والطعنة في الظهر، حذَّرت مصر والسودان، إثيوبيا من الإقدام على خطوة الملء الثاني، من دون اتفاق ملزم وواضح، يضمن لجميع الدول حقها في مياه نهر النيل.

تحركات مصرية ومصيرية، تجريها مصر بالتنسيق مع السودان، في محاولة لحلحة الأزمة، وتجنُّب أي خيارات عسكرية، قد تهدِّد القرن الأفريقي، إلا أن تلك التحركات قوبلت، حتى اللحظة، بإصرار إثيوبيا على موقفها بالمضي قدمًا نحو الملء الثاني.

وزار رئيس المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، السبت الماضي، السودان، حاملاً رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى رئيس المجلس السيادي السوداني عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، بشأن أزمة سد النهضة، والتنسيق بين البلدين.

الزيارة سبقتها زيارة لقائد القيادة المركزية الأمريكية إلى القاهرة، للقاء مسؤولين مصريين، ناقشت تطورات ملف سد النهضة.

وعلى هامش الزيارة، عبَّـر قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال كينيث ماكينزي، عن قلق بلاده من سلوك إثيوبيا تجاه سد النهضة، مشيدًا بـ"القدر الهائل من ضبط النفس"، الذي مارسته مصر، محاولةً الوصول إلى حل دبلوماسي وسياسي.

إلى متى تستمر مصر في ممارسة ضبط النفس؟ وما الخيارات المتاحة أمامها؟ وما كواليس زيارة اللواء عباس كامل إلى الخرطوم؟ وما طبيعة الوفد المصري، الذي سيزور واشنطن خلال الأيام المقبلة؟

«منصة السياق الإعلامية» تجيب عن تلك الأسئلة في هذا التقرير.

 

أمن قومي

اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، يقول لـ"منصة السياق الإعلامية"، إن زيارة اللواء عباس كامل إلى السودان، تأتي في إطار تنسيق المواقف بين البلدين، إزاء أي تحركات خلال الفترة المقبلة.

وأوضح اللواء رشاد، أن السودان جزء من أمن مصر القومي، مشيرًا إلى أن البلدين الأفريقيين في قارب واحد، ما يجعل العمل بينهما في الوقت الحالي، أمرًا ذا أهمية لكلا البلدين.

وقال وكيل جهاز المخابرات العامة: "دولتا المصب ستتضران بشكل كبير من سد النهضة"، مشيرًا إلى أن الملف وصل إلى نقطة اللاعودة، بعد المواقف التي وصفها بـ"الحادة" من إثيوبيا تجاه مصر والسودان.

وقال إن بلاده لن تستطيع أن تعيش تحت وطأة تحكُّم إثيوبيا في مياه النيل، المعرَّف دولياً وأزلياً بـ "النهر الدولي"، ولا يخص أديس أبابا وحدها، بل تحكمه اتفاقيات دولية سارية في هذا الشأن، مؤكدًا أن القاهرة لا تعارض أي مشروعات تنمية في إثيوبيا، لكن بالشكل الذي لا يؤثِّر في احتياجات القاهرة والخرطوم.

 

الخيارات المصرية

المسؤول المصري السابق، قال إن القاهرة حاولت مراراً تليين الموقف الإثيوبي، إلا أن إثيوبيا لم تمتثل لأية محاولات، ما دفع القاهرة إلى العمل وفق ثلاثة محاور: الأول عربي، والثاني إقليمي، والثالث دولي، للضغط على أديس أبابا ووضع حد لتعنُّتها.

 

الاحتمالات مفتوحة

وأكد اللواء رشاد، أنه ليس هناك بديل لحصول مصر على حصتها من المياه، وكل الاحتمالات لدى القاهرة مفتوحة، لضمان عدم انتقاص حصتها، مشيرًا إلى أن الموقف الدولي والعربي والإقليمي، لا يلوم القاهرة على اتخاذ أي موقف.

ولم يستبعد وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، الخيار العسكري لبلاده في التعامل مع ملف سد النهضة، قائلاً إنه ليس صعبًا، فسد النهضة على بعد 18 كلم فقط من الحدود السودانية، أي في مرمى أية عمليات عسكرية، إلا أن القاهرة تمهِّد الموقف الدولي والإقليمي أولاً، حتى إن اتخذت موقفًا لا يستطيع أحد أن يلومها عليه.

وعن توجُّه وزير الري المصري محمد عبدالعاطي إلى جوبا، قال إن القاهرة ليس عندها أي ملف آخر في الجنوب سوى سد النهضة، مشيرًا إلى أن تحركها في القرن الأفريقي وجنوب السودان، يمنح مصر الأفضلية في أي خيار تتخذه القيادة السياسية، بالتنسيق مع السودان.

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير ناجى الغطريفي، وافق رشاد في تصريحاته، إلا أنه أضاف أن زيارة اللواء عباس كامل، تدل على أن علاقات القاهرة بدول حوض النيل عميقة، وأقوى من أن تتعرَّض لأية هزة.

 

قراءة التاريخ

وعن موقفها من الملء الثاني، قال الدبلوماسي المصري، إن مصر أبدت حسن نية في التفاوض مع إثيوبيا، إلا أن الأخيرة ناصبت القاهرة والخرطوم العداء، مشيرًا إلى أن أديس أبابا لا تحسن قراءة التاريخ.

اللجوء إلى الخيار العسكري ليس مستبعدًا، حال استمرار الموقف الإثيوبي، كما يقول الغطريفي، معبرًا عن أمله بألا تلجأ القاهرة إلى هذا الخيار، وأن تتخذ أديس أبابا خطوات نحو إذابة المواقف الجليدية بين البلدان الثلاثة.

عقوبات دولية

وعن إمكانية اتخاذ مجلس الأمن قرارات، أو فرض عقوبات على إثيوبيا، بعد لجوء مصر إليه، لم يستبعد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن يقدم مجلس الأمن على تلك الخطوة، مشيرًا إلى أن القاهرة لديها خبراء للتعامل مع مجلس الأمن والأمم المتحدة، قد يستطيعون تجنيب البلدين تصعيد الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.

وأودعت مصر في 12 يونيو الجاري، خطابًا في مجلس الأمن، شرحت خلاله مستجدات ملف سد النهضة الإثيوبي، انطلاقاً من مسؤولية المجلس، وفق ميثاق الأمم المتحدة لحفظ الأمن والسِّلم الدوليين.

الخطاب الذي اطلعت "منصة السياق الإعلامية" على نسخة منه، تضمَّن رفض القاهرة للنهج الإثيوبي، القائم على السعي إلى فرض الأمر الواقع على دولتي المصب، من خلال إجراءات وخطوات أحادية، تُعَدُّ مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي.

 

تكامل الجهود

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، طارق فهمي، في تصريحات لـ "السياق"، إن زيارة عباس كامل تأتي استكمالاً للجهود التي تبذلها مصر في هذا التوقيت، لتقريب وجهات النظر مع السودان وإثيوبيا.

ووصف فهمي الزيارة بالمهمة، خاصة أن السودان بدأ الحديث عن قبوله بالملء الثاني، وفقاً لشروط محددة في هذا الإطار، وذلك تترتب عليه تبعات على مصر.

ورغم أنه قال إن مصر تتحرك في دائرة محدودة، فإنه توقَّع نتائج إيجابية -لم يوضحها- لزيارة رئيس المخابرات العامة إلى الخرطوم،  ستلقي بظلالها على الملف الشائك.

 

أداء مشترك

من جانبها، قالت مديرة الوحدة الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستيراتيجة، أماني الطويل، إن زيارة عباس كامل إلى الخرطوم، تهدف إلى تنظيم أداء مشترك بين البلدين، في المحافل الدولية، في ما يتعلق بالأضرار المترتبة على ملء بلا اتفاق.

وأوضحت أماني، أن الخيارات المطروحة أمام مصر والسودان، هي التدويل في إطار مجلس الأمن، للوصول إلى اتفاق، وهو ما ترفضه إثيوبيا، مشيرة إلى أن هناك وفدًا مصريًا سودانيًا، سيزور واشنطن الفترة المقبلة، لتوضيح مستجدات ملف سد النهضة.

 

آلية الاتفاق

وعن إمكانية الوصول إلى اتفاق، قد تتنصَّل منه أديس أبابا، قالت مديرة الوحدة الإفريقية بمركز الأهرام، إن ذلك سيتوقَّف على طبيعة الاتفاق وبنوده، ومرجعيته القانونية، وآلية فض المنازعات.

وأشارت إلى أن الاتفاق إذا كان فضفاضًا، فلن يضبط أديس أبابا، فلا ضمانات لالتزامها بأي اتفاق، أما إذا كان الاتفاق ملزماً وله مرجعية، ويمكن أن تحاكم به إثيوبيا أمام هيئات دولية، فإن الأخيرة ستلتزم به، خاصة إذا وُضع خيار فرض العقوبات الدولية، حال تنصُّل أي طرف منه، أو عدم تنفيذه، بالنحو المتفق عليه.

 

توزيع الحصص

محمد نصر علام، وزير الري المصري الأسبق، حذَّر من تصريحات لوكالات أوروبية بدأت تتناثر، عن إعادة توزيع حصص نهر النيل، من دون مراعاة لمئة مليون مصري، يعانون الفقر المائي، مؤكدًا أن تلك التصريحات، تتجاهل الاتفاقيات القائمة.

وأشار إلى أن الدول الأوربية -التي لم يسمها- عبَّـرت عن أملها باستبعاد الخيار العسكري، من دون إشارة إلى مخالفات إثيوبيا للقانون الدولي وملئها السد رغمًا عن دولتي المصب.

 

آثار سلبية

الوزير الأسبق، كشف الآثار التي قد يسبِّبها الملء الثاني على بلاده قائلاً، إنه في حالة حجز إثيوبيا جزءاً من تصرفات النهر لتخزينه في سد النهضة، سيكون خصماً من حصة مصر، كون السودان التي هي دولة ممر، ستأخذ حصتها، لتصل بقية المياه إلى مصر، ما سيجعلها تلجأ لتعويض الفاقد من مخزون السد العالي.

وأكد ضرورة الاتفاق مع أديس أبابا، على تصريف كمية مياه إضافية من سد النهضة لمصر، أثناء سنوات الجفاف، للمساعدة في تغطية احتياجاتها المائية، وسدادا للسلفة المائية التي استخدمتها في ملء السد الإثيوبي.

وأشار إلى أن الملء الثاني، سيسبِّب ضررًا كبيرًا على توليد الكهرباء من السد العالي، ما سيؤدي إلى تخفيض الكهرباء بـ 40-50% فى المتوسط.