الشماتة في الموت.. السلاح العاجز للإسلام السياسي

لم يعد الموت قاسيًا قدر قسوة استخدامه في الشماتة، مخالفين سُنة الله في كونه وحِكمته، آخذين من قدره وقضائه مادة للسخرية واختلاق الأكاذيب ونثر الباطل وإلباسه بالحق، ونشر موجات من التطرف، وضخ سموم فكرية، وإطلاق حملات دنيئة، تعتمد على التزييف، وتأويل النصوص الدينية لتفصيلها عليهم، وتخدم أيضًا سرديتهم المعتادة من المظلومية، وادعاء امتلاك الحقيقة الإلهية.

الشماتة في الموت.. السلاح العاجز للإسلام السياسي
الإعلامي الراحل وائل الإبراشي

السياق

يستبدلون "النفوق" بالموت، ويقولون: بعدلك يا رب لا برحمتك، يرجون أن تنتزع رحمة الله عن عبد من عباده، نصَّبوا أنفسهم حراسًا للآخرة، كما أرادوا أن يكونوا حراس الدنيا.

لم يعد الموت قاسيًا قدر قسوة استخدامه في الشماتة، مخالفين سُنة الله في كونه وحِكمته، آخذين من قدره وقضائه مادة للسخرية واختلاق الأكاذيب ونثر الباطل وإلباسه بالحق، ونشر موجات من التطرف، وضخ سموم فكرية، وإطلاق حملات دنيئة، تعتمد على التزييف، وتأويل النصوص الدينية لتفصيلها عليهم، وتخدم أيضًا سرديتهم المعتادة من المظلومية، وادعاء امتلاك الحقيقة الإلهية.  

عقب دقائق من إعلان وفاة الإعلامي المصري، وائل الإبراشي، عن عمر ناهز 58 عامًا، متأثرًا بمضاعفات فيروس كورونا، بعد أكثر من عام من إصابته، انطلقت حملات إخوانية وموالية لهم، مليئة بالشماتة، تحمل ألفاظًا نابية، تطعن في الراحل وتنعته بصفات تبرأ منها كل الأديان، ابتعدوا فيها كل البعد، ليس فقط عن شرف المواجهة واحترام الاختلاف وإدراك غيبة الراحل، وأنه لم يعد يملك حق الرد، ولكن أيضًا عن حرمة الموت وجلاله.

ليس الإبراشي وحده

حرمة الموت هذه لم تنتهك فقط بوفاة الإبراشي، لكنها حاضرة متأصلة، في نفوس أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين وموالييهم ومن تأثروا بأفكارهم، ويستخدمونها مع كل مخالف لهم أو على غير هواهم.

قبل أيام فقط شُنت حملة إعلامية عبر منصات التواصل على الراحلة المستشارة تهاني الجبالي، النائبة السابقة لرئيس المحكمة الدستورية العليا في مصر، والذين اعتادوا استهدفاها ومحاربتها وقت توليهم مقاليد السلطة، إذ زجوا بمادة دستورية كان هدفها الوحيد عزلها من منصبها، هو ما تمكنوا منه قبل أن يطردهم الشعب من الحُكم.

وقبل وفاة المستشارة تهاني الجبالي، كان الإخوان وأبواقهم يصبون اللعنات والاتهامات الباطلة، التي وصلت حد التكفير إلى رمز من رموز الفكر المصري الحديث، ومنارة من منارات التنوير جابر أحمد عصفور، المفكر ووزير الثقافة الأسبق، ورئيس المجلس القومي للترجمة.

ثلاث قامات رحلوا عنا وباتوا بين يدي الله -في عشرة أيام- كل منهم له اتجاه فكري وانتماء سياسي مختلف، لكن ثلاثتهم لم يفلتوا من شماتة الإخوان وأتباعهم، وهو ما قرأه كثيرون دليلًا على كره الإخوان العميق للرأي الآخر والفكر الآخر، حتى لو تحول الآخر من حياتنا إلى العالم الآخر.

 شماتة لم تقف عند حدود الاختلاف السياسي والفكري، لكن يعانيها المجتمع المصري، فعند وفاة أي فنان أو مثقف نجد حالة مزرية من الشماتة، والسباب، والوعيد بالنار، والعذاب.

في المقابل تتغير نبرة الإخوان وأتباعهم، حينما يموت أشخاص ليسوا فقط متهمين بالإرهاب، بل اعترفوا على ذواتهم وأثبتت بحقهم التهم، فتتجه بوصلة الإعلام الإخواني إلى التبرير لأفعالهم، وأن رحمة الله تسع الجميع وتشمل حتى الإرهابيين والدواعش، ومن قتلوا الأبرياء وسعوا إلى تخريب المجتمعات.

مسألة الدم

كتب الصحفي عبدالعظيم حماد عبر "فيس بوك": " كانت مسألة الدم الحجة التي يعتقد "الإسلاميون" أنها تلقف ما يأفك المعسكر الآخر، في سياق تأبين الراحلين من أعلام هذا المعسكر ، فما مدى مصداقية جماعات الإسلام السياسي في تعظيم حرمة دماء كل الأطراف؟ وهل يوجد أمل في تجاوز المصريين يومًا ما لهذه المأساة، في سياق سياسي مختلف، قبل أن  يتعفن الجرح وينشر الغرغرينا في الجسد المصري  من الأطراف إلى الجوف؟"

وأكمل حماد: نذكر "الإسلاميين" بازدواجية معاييرهم في مسألة الدم نفسها، قبل وبعد يناير وفي أثناء وجودهم في السلطة، فقد كان من بينهم الشيخ سيد سابق مفتي الدم قبل يوليو 1952 وبعده مباشرة، وكان الذي سوغ للضباط إعدام زعماء عمال كفر الدوار أكبر مفكريهم، كما كان الذي قال لجمال عبد الناصر  إن القتل أنفى للقتل خارجًا من صفوفهم.

قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار

وأشار إلى أنه:"بعد يناير 2011 كان الإخوان يبررون "عنف الدولة في أحداث محمد محمود، وفي الصراع مع خصومهم، أثناء توليهم السلطة، كانوا هم من قالوا: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وهو مالم يقله سيدنا علي وأنصاره لمعاوية وأنصاره في معركة صفين، لكن قاله سيدنا أبوبكر لمشركي قريش في موقعة أحد".

وأكد الكاتب الصحفي تفاخرهم بقرار الرئيس الراحل محمد مرسي، باستخدام أقصى القوة ضد المتظاهرين أمام سجن بورسعيد عام 2012 ما أسفر عن مقتل 60 متظاهرًا.

شماتة الكافرين
إلى ذلك قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم لـ"السياق"، إن الشماتة بالموت ليست خلقًا إنسانيًّا ولا دينيًّا، والشامت بالموت سيموت كما مات غيره.

ولفت نجم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك»، رواه الترمذي وحسَّنه.

وشدد أمين عام دور وهيئات الإفتاء في العالم، على أن الشماتة والتشفِّي في المُصاب الذي يصيب الإنسان أيًّا كان، مخالف للأخلاق النبوية الشريفة والفطرة الإنسانية السليمة.

على الراحلين السلام

في سياق متصل، نعى الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، الإعلامي المصري وائل الإبراشي، الذي وافته المنية مساء الأحد، بعد صراع مع مضاعفات الإصابة بكورونا وسرطان الحنجرة، مستنكرًا شماتة بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعدما تداوله الإخوان والموالون لهم، مما عُد شماتة في الموت.

وقال مفتي الجمهورية عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "ما زلنا في خضم هذه الجائحة، نفقد يومًا بعد يوم شخصية عامة، تغادرنا أجسادهم وتسكن تراب الوطن، ليشكلوا تاريخه بعد أن كانوا جزءًا من تضاريسه... فعلى الراحلين السلام".

وأضاف داعياً: "نسأل الله لموتانا الرحمة والمغفرة، كما نسأله ألا يؤاخذنا بما يفعل السفهاء الشامتون في الموت، الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة... اللهم استرنا ولا تخزنا، ولا تفتنا ولا تفتن بنا، ونسألك يا ربنا حُسن الختام".