سد النهضة... لماذا دخلت الجزائر على خط أزمة الملف الشائك؟
الحُكم على نجاح زيارة لعمامرة، لن يكون قبل انتهاء جولتيه في القاهرة والخرطوم، ومن ثم تشكيل رؤية تمكِّـنها من تقديم حلول لهذا الملف، بحسب مراقبين

السياق
بعد قرابة عقد، من الجولات المكوكية، بين عواصم البلدان العربية والإفريقية والغربية، وصلت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، إلى طريق مسدود، إلا أن ثمة تطورات قد تحرِّك المياه الراكدة.
تلك التطورات، بدأت تلوح في الأفق، مع زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى إثيوبيا، التي دعته إلى التوسط في أزمة سد النهضة، مع دولتي المصب السودان والخرطوم.
لقاءات مكوكية
وأجرى وزير الخارجية الجزائري، زيارة إلى إثيوبيا استمرت يومين، ناقش خلالها ملفات شائكة، بينها أزمة سد النهضة، وقضية الحدود السودانية الإثيوبية، إضافة إلى العلاقات المشتركة بين أديس أبابا والجزائر.
لقاءات مكوكية على مدار 48 ساعة، عقدها الوزير الجزائري، مع ممثِّـلة الأمم المتحدة لدى الاتحاد الإفريقي، هنا تيتيه، رفقة المبعوث الخاص للأمين العام في منطقة القرن الإفريقي، بارفاكت أونانغا أنيانغا.
كما عقد مباحثات مع نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، مونيك نسانزاباجانوا، ومفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية وقضايا السِّلم والأمن، بانكولي أديوي، فضلًا عن لقائه رئيسة جمهورية إثيوبيا، ساهلي وورك زويدي، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ديميكي ميكونين، ورئيس الوزراء آبي أحمد.
لقاءات أكد خلالها الوزير الجزائري، دعم الجزائر للجهود الرامية إلى تحسين فعالية منظمتنا القارية، مع التشديد على ضرورة الالتزام بالمبادئ والأهداف التي قامت من أجلها.
تطورات سد النهضة
وأكد الوزير لعمامرة، دعم الجزائر واستعدادها للمساهمة الفعلية في تعزيز الجهود، من أجل تجاوز مختلف التحديات، وترسيخ مبدأ الحلول الإفريقية لمشكلات القارة.
بينما قالت رئيسة إثيوبيا، ساهيل وارك زودي، في تغريدة عبر حسابها الرسمي بـ «تويتر»، إنها شرحت للوزير لعمامرة، الوضع في تيغراي، والتعبئة الثانية لسد النهضة، متوجِّهة بالشكر للجزائر على «جهودها للتوسط في صراعات عدد من البلدان، بما في ذلك الصراع الإثيوبي الإريتري».
دور بنّاء
ودعا وزير الخارجية، نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ديميكي ميكونين، خلال لقائه لعمامرة، الجزائر إلى لعب دور بنّاء في تصحيح ما وصفها بـ«التصورات الخاطئة» لجامعة الدول العربية بشأن سد النهضة، مؤكدًا نية إثيوبيا في "الاستخدام العادل والمنصف" لمياه النيل.
وزعم المسؤول الإثيوبي، أن بلاده أجرت عملية التعبئة الثانية وفقًا لإعلان المبادئ، الذي تم توقيعه من قبل الأطراف الثلاثة عام 2015، معربًا عن التزام أديس أبابا باستئناف المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة، برعاية الاتحاد الإفريقي.
الجزائر ومصر
زيارة وزير خارجية الجزائر إلى إثيوبيا، تأتي بعد أسبوعين من مباحثات هاتفية مع نظيره المصري سامح شكري، تناولت أزمة سد النهضة، وتطورات الملف.
وقال المتحدِّث الرسمي باسم الخارجية المصرية، السفير أحمد حافظ حينها، إن الوزيرين تطرقا إلى المُستجدات على الساحة الليبية، وكذا تطورات قضية سد النهضة، علاوة على تبادل وجهات النظر إزاء الأوضاع الإقليمية، وضرورة تكاتف الجهود نحو تغليب الحلول السِّلمية للقضايا العربية، على نحو يحفظ وحدة الدول العربية واستقلال أراضيها، وينأى بها عن أي تجاذبات، لا تراعى مصالحها وحقوق شعوبها في الاستقرار والنماء.
زيارة الوزير الجزائري إلى إثيوبيا، تأتي ضمن جولة له، إلى السودان ومصر، في محاولة لتسجيل اختراق في ملف شائك كسد النهضة، لأسباب عدة، أولها العودة إلى مكانتها إقيميًا وعربيًا، من بوابة ذلك الملف، فضلًا عن محاولة تجنيب القارة الإفريقية ومنطقة القرن الإفريقي حربًا محتملة، بعد إغلاق المباحثات بين البلدان الثلاثة.
ووصل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الخرطوم، الجمعة، ومن المقرر أن يلتقي عدد من المسؤولين الحكوميين.
الساحة الدولية
أكد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي -في تصريحات صحفية- أن تعيين لعمامرة وزيراً للخارجية يهدف إلى إعادة الجزائر إلى الساحة الدولية بقوة.
وأوضح أستاذ التاريخ، أن ذهاب الوزير الجزائري إلى إثيوبيا، يندرج في سياق إيجاد حل لمشكلة سد النهضة بين إثيوبيا ومصر، بهدف حفظ السلام في المنطقة.
وأشار إلى أن الجزائر تريد الدخول من هذا الباب، ليس فقط من أجل مساعدة مصر، بل أيضاً لمنح دفعة قوية للدبلوماسية الجزائرية، متوقِّعًا أن تسهم جولة لعمامرة، في تقريب وجهات النظر بين البلدان الثلاثة، وستفتح الباب أمام الجزائر لمعرفة فصول القضية عن قرب، واستخدامها من أجل تحقيق مصالح، أو كسب قضايا مع جهات اعتبرها «معادية» في حال فشل وساطتها.
توقُّعات بنجاح المفاوضات
ويتوقَّع مراقبون، أن تنجح الجزائر في تقريب وِجهات النظر بين الدول الإفريقية الثلاث، لأسباب عدة، بينها استعداد كل منها وعدم معارضتها لفتح طريق المفاوضات من جديد، إلا أن هناك اختلافًا في الرؤى، فبينما تريد مصر والسودان اتفاقًا قانونيًا ملزمًا، يضع آلية لتشغيل سد النهضة، تعارض إثيوبيا، أي اتفاق ملزم، وهو ما ستسعى الجزائر إلى حلحلته.
إلا أن الحُكم على نجاح زيارة لعمامرة، لن يكون قبل انتهاء جولتيه في القاهرة والخرطوم، ومن ثم تشكيل رؤية تمكِّـنها من تقديم حلول لهذا الملف، بحسب مراقبين.