بعد صفقة الغواصات... ما مستقبل العلاقات الأمريكية الفرنسية؟
بايدن وماكرون اتفقا على أن الوضع كان سيستفيد من المشاورات المفتوحة بين الحلفاء في القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية لفرنسا والرفاق الأوروبيين

ترجمات - السياق
قدَّم الرئيس الأمريكي جو بايدن، غصن الزيتون إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتهدئة التوترات، التي اندلعت بين البلدين، بعد إلغاء أستراليا صفقة مع فرنسا لبناء أسطول غواصات تقليدية، لمصلحة اتفاق جديد، لشراء غواصات نووية من الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما أثار أزمة دبلوماسية مع باريس.
ونتيجة لذلك، قررت فرنسا سحب سفيرها لدى الولايات المتحدة، على خلفية إعلان أستراليا إلغاء صفقة شراء الغواصات، وما فاقم الأزمة، أن الاتفاق الثلاثي -الأمريكي البريطاني الأسترالي- تم خلال قمة مجموعة السبع، بعيدًا عن أعين ماكرون رغم حضوره القمة.
ووفقًا لـ "فايننشال تايمز"، فإن بايدن وماكرون اتفقا على أن الوضع كان سيستفيد من المشاورات المفتوحة بين الحلفاء في القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية لفرنسا والرفاق الأوروبيين، وأشارت إلى أن الرئيس بايدن نقل تفانيه المستمر في هذا الصدد إلى نظيره الفرنسي.
كما اتفق الزعيمان على ضرورة تهيئة "ظروف مناسبة لضمان الثقة واقتراح تدابير ملموسة نحو الأهداف واسعة النطاق"، وأوضحت الصحيفة أن الزعيمين سيلتقيان في أوروبا نهاية أكتوبر المقبل.
قمة رباعية
من المقرر أن يستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، رؤساء الهند وأستراليا واليابان في البيت الأبيض، لعقد قمة مجموعة الحوار الأمني الرباعية (كواد)، بهدف بحث الوضع في المحيطين الهندي والهادئ، إذ تسعى الصين إلى الهيمنة على مناطق متنازع عليها فيهما.
كما تأتي القمة، بعد أيام من توقيع اتفاق "اكوس" بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، الذي وصفته بكين بـ "التهديد غير المسؤول" للاستقرار الإقليمي، مشككة في التزام أستراليا بمنع الانتشار النووي، ومحذِّرة الحلفاء الغربيين من أنهم يعرِّضون أنفسهم للخطر.
كانت المتحدِّثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، أعلنت في بيان، أن أعمال القمة الرباعية، ستركز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلى جانب مجالات التعاون في مكافحة كورونا، والتعامل مع أزمة المناخ، والتشارك في التقنيات الناشئة.
غضب ماكرون
وأوضحت "فايننشال تايمز" في تقرير، أن رد فعل باريس كان غاضبًا جدًا، بعد أن تخلت أستراليا عن صفقة الغواصات مع فرنسا، لصالح اتفاقية عسكرية جديدة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وبينما كانت الولايات المتحدة، تبذل ما في وسعها بين تهدئة التوترات والغضب الفرنسي، أوصى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ماكرون بضرورة التحكم في غضبه، والاعتراف بأن الصفقة ستعزِّز السلامة الدولية.
وقال جونسون في حديث للصحفيين بواشنطن: "ما أريد قوله عن ذلك هو أنني أعتقد أن الوقت حان لبعض أعز أصدقائنا في جميع أنحاء العالم، للسيطرة على كل ذلك".
وأضاف جونسون، مخاطبًا ماكرون: "أعطني استراحة"، وشدد رئيس وزراء بريطانيا، على أن الاتفاق الثلاثي بين بلاده والولايات المتحدة وأستراليا، ليس عدائيًا تجاه أحد، بما في ذلك الصين، مضيفًا أن الاتفاق "لتعزيز الروابط والصداقة بين ثلاث دول، بطريقة أعتقد أنها ستكون مفيدة".
كانت فرنسا انتقدت الموقف البريطاني من الصفقة، حيث قال وزير الخارجية جان إيف لودريان عن عدم استدعاء السفير الفرنسي من لندن: "مع بريطانيا، نعلم انتهازيتهم الدائمة، لذا فلا حاجة لإعادة سفيرنا ليفسِّر الوضع".
وتعليقاً على دور لندن في «أكواس»، قال باستخفاف: "بريطانيا ليست إلا العجلة الخامسة في العربة (طرفاً زائداً) في كل هذه المعادلة"، في حين اتهم وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي، حليف ماكرون الرئيسي، كليمنت بون، بريطانيا بالعودة إلى "التبعية الأمريكية".
في المقابل، دافعت وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة ليز تراس، عن موقف لندن، معتبرة أن «أكواس» يبرهن على استعداد بلادها لـ «التصلب» في الدفاع عن مصالحها.
تهدئة مؤقتة
ورأت "فايننشال تايمز" أن الاتصالات الأمريكية الفرنسية، تحمل في طياتها تهدئة مؤقتة، إذ قرر ماكرون إعادة السفير الفرنسي لدى واشنطن الأسبوع المقبل، على أن يبدأ من فوره، العمل المكثَّف مع كبار الضباط الأمريكيين، لبحث الخروج من الأزمة.
لكن ما يزيد الشكوك في الوصول إلى حل جذري للقضية، هو ما صرح به مسؤول فرنسي -رفض ذكر اسمه- لـ "فايننشال تايمز" بأن الولايات المتحدة كانت تحاول استعادة الاتصال بطريقة "المعاملات" الثنائية، إلا أن باريس مازالت متمسكة بتقديم "توضيحات" لإبعاد الولايات المتحدة لحليف أوروبي، عن حلقة التعاون في المحيطين الهندي والهادئ.
في المقابل، يشعر بعض الضباط البريطانيين بالقلق، من أن الخلاف قد يؤدي إلى مواقف فرنسية أكثر ديمومة بشأن نقاط حساسة، جنبًا إلى جنب مع علاقة البيع والشراء، لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومراقبة المهاجرين الذين يحاولون عبور القناة الإنجليزية، من فرنسا إلى المملكة المتحدة.
أمام ذلك، جاء الرد البريطاني هادئًا تجاه القضية، مطالبًا برد فرنسي أكثر موضوعية.
ونقلت "فاينشنال تايمز" عن أحد الدبلوماسيين قوله: إن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، سعى إلى تهدئة التوترات بعد إعلان الاتفاق الدفاعي الأسبوع الماضي، إلا أن دبلوماسيين بريطانيين حذَّروا المسؤولين الحكوميين في لندن، من أن العلاقة قد تتعقَّد.
وقال المبعوث الدبلوماسي، الذي رفض ذكر اسمه: من الممكن أن تعيد باريس تقييم علاقاتها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والصين، بينما تدفع الاتحاد الأوروبي بصورة أكبر، لتطوير القدرة على التصرف باستقلالية عن الولايات المتحدة.
وردًا على هذه المخاوف، قال مسؤول فرنسي -طلب عدم كشف هويته- لـ "فايننشال تايمز": حتى لو بقيت فرنسا في حلف شمال الأطلسي، فإن ذلك يمكن أن يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للأعضاء، مشيرًا إلى أن صفقة الغواصات، تظهر أنه لا يمكن الوثوق بالمملكة المتحدة ولا الولايات المتحدة مستقبلًا.