المليارديرات في الفضاء.. هل المشاريع الفضائية جديرة بالثناء أم دنيئة؟
احتفل كثيرون، خاصة هواة الرحلات الفضائية، بالإنجاز، بينما شكَّك آخرون في هدف هذه الرحلات

ترجمات – السياق
في الحادي عشر من يوليو الجاري، لمس ريتشارد برانسون، حافة الفضاء، في مركبة من صُنع شركته الفضائية الخاصة "فيرجن غالاكتيك" التي أسسها قبل 17 سنة، وبعد ذلك وصل الملياردير الأميركي جيف بيزوس، برفقة 3 آخرين إلى الفضاء، في رحلة دامت نحو 10 دقائق، بسفينته الصاروخية نيو شيبرد.
المشروعان تتويج لسنوات من العمل، كلفت مليارات الدولارات، وكلاهما -برانسون وبيزوس- يخطط أيضًا لتقديم رحلات سياحة فضائية منتظمة للأثرياء، على أن تكون البداية بمئات الآلاف من الدولارات للتذكرة الواحدة.
سخرية وغضب
احتفل كثيرون، خاصة هواة الرحلات الفضائية، بالإنجاز، بينما شكَّك آخرون في هدف هذه الرحلات، بحسب تقرير لمجلة الدراسات الليبرتارية.
وقال بول موسغريف، الأستاذ المساعد بجامعة ماساتشوستس، الخبير في شؤون السياسة الخارجية الأمريكية، ساخرًا: إنهم "يفلتون من قيود الولاية الضريبية"، لكن يبدو أن الأمر لم يتوقَّف عند حد السخرية، إذ علَّق بعض قيادات اليسار في الولايات المتحدة، على الأمر بغضب شديد.
وقال روبرت رايش، وزير العمل السابق في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون: "لا أحد يحتاج بيزوس لإطلاق صواريخ في الفضاء الخارجي، نريده يدفع نصيبه العادل من الضرائب، حتى يتمكَّن الناس من الازدهار هنا على الأرض".
بينما غرَّدت تولسي غابارد، الديمقراطية السابقة في الكونجرس والمرشحة الرئاسية، في سخرية: "المشكلة الوحيدة التي أواجهها مع سفينة بيزوس الفضائية الزرقاء، التي ذهبت إلى الفضاء الخارجي، هي أنها ستعود".
وذكر السيناتور بيرني ساندرز، أن الناس "سينبهرون بأن الملياردير ذهب إلى الفضاء، بدلاً من ذلك، يجب فرض ضرائب أكبر على أصحاب المليارات، من أجل الاستثمار في العاملين هنا على الأرض".
العداء للمليارديرات
ذكر التقرير، أن الرحلات الفضائية، تعرَّضت لانتقادات عدة، بحجة أنها تهدر مبالغ باهظة، مقابل القليل من الفوائد الملموسة، سواء من التقدُّميين الذين يفضِّلون إنفاق تلك الأموال، على البرامج الاجتماعية، أو من الليبراليين الذين ينشغلون بتمويل ذلك الإنفاق، من خلال الضرائب على الصحة العامة والإسكان، وغيرها من المستلزمات التي يحتاجها الناس يوميًا.
لكن رد الفعل على "سباق الفضاء المليارديري" ركَّز على العداء للمليارديرات أكثر من انتقاد رحلات الفضاء، حتى أن البعض، مثل رايش، "ترحم على أيام المجد الماضية لناسا، قبل أن ينتقل هؤلاء المتعثِّرون الملعونون من القطاع الخاص إلى الفضاء". حسب قوله.
المنتقدون لرحلات الفضاء، يرون الهدف منها هو التفاخر فقط، أو لمجرَّد التسلية الشخصية، كالذي يمتلك يختًا ضخمًا أو جزيرة خاصة.
الموت على المريخ
وقالت المجلة في تقريرها: إن سياحة الفضاء لم تتوقَّف عند برانسون وبيزوس، بل جذبت آخرين، منهم: إيلون ماسك رجل الأعمال الكندي، الحاصل على الجنسية الأمريكية، الذي يتحدَّث عن نيته "الموت على المريخ".
جذبت السياحة الفضائية أيضًا، الملياردير الأمريكي روبرت بيجلو، مؤسس شركةBigelow Airspace، التي وضعت وحدات مبتكرة قابلة للطيران، في محطة الفضاء الدولية، على أمل استخدامها في النهاية، لبناء أول فندق في المدار الفضائي، بحسب التقرير.
بعيدًا عن أصحاب السياسة الفضائية، قد لا يدرك الناس أن أموال رجال الأعمال، التي تنفق على الفضاء، أقل بكثير من تلك الأموال التي تنفقها الدول على برامج الفضاء العامة، إذ تبلغ الميزانية السنوية لوكالة ناسا حاليًا 22.6 مليار دولار، وقد تأثَّرت خُطط مكوك الفضاء الخاص بها، بعد تأخيرات لا نهاية لها، ومشاحنات سياسية، وتجاوزات هائلة في التكاليف.
أهمية سياحة الفضاء
ورأى التقرير، أنه إذا كان الهدف هو إنفاق المزيد من الأموال على أمور مهمة، مثل الرعاية الصحية والاجتماعية، فهناك قدر أكبر بكثير من الأموال المتاحة، وهي أموال تمتلكها الحكومة وتنفقها على أشياء أخرى.
وأشار التقرير إلى الميزانية العسكرية الأمريكية المتضخمة، التي من المتوقَّع أن تصل إلى 733 مليار دولار في السنة المالية 2021، وهي الأكبر في التاريخ، وهناك أيضًا أموال كبيرة تنفق على أشياء غير إنسانية، إذ تنفق الحكومة الأمريكية ما يقرب من 85 مليار دولار سنويًا على السجون.
وأمام هذه الأرقام، نجد أن ما أنفقه برانسون وبيزوس من أموالهم الخاصة، قد يكون معقولًا أمام المليارات الحكومية الأخرى، التي تنفق على أمور أقل أهمية.
وأضاف التقرير، أن المشاريع الفضائية التجارية لها مزايا في مقدِّمتها السياحة، مشيرًا إلى وجود دول تعتمد اقتصاداتها على السياحة فقط.
ووفقًا للتقرير، فإن السفر والانخراط في تجارب جديدة -لمجرَّد الاستمتاع بها- رغبة بشرية طبيعية ونشاط مشترك، مضيفاً، أن سياحة الفضاء، ستوظف في المستقبل، عشرات الآلاف، ويمكن أن يكون لها قريبًا آلاف العملاء، من ذوي الأجور المرتفعة.
ورغم أن السياحة الفضائية، تلبي في البداية ترفيه الأثرياء، من المحتمل أن تكون خُطوة مهمة نحو الوصول إلى الفضاء، على نطاق أوسع.
استخراج المعادن في الفضاء
وشدَّد التقرير على أهمية خفض تذاكر السفر إلى الفضاء، مؤكداً أن خفض سعر الوصول إلى الفضاء، له فوائد عدة للبشرية، لأنه سيتيح فرصة القيام بالمزيد من الرحلات في الفضاء بتكلفة أقل، بجانب توسيع كوكبة الأقمار الصناعية، التي تزوِّدنا بالعديد من الخدمات المفيدة، مثل الاتصالات والملاحة والأرصاد الجوية.
مشيرة إلى أن الأقمار الصناعية، تساهم في إجراء المزيد من الاستكشاف العِلمي للفضاء العميق وبأقل تكلفة، كما تفتح الباب لاستخراج المعادن في الفضاء، من خلال السماح بتطوير المركبات الفضائية، والمعدات غير المكلفة.
كما سلَّط التقرير الضوء، على حياة برانسون وبيزوس، مشيرًا إلى نجاحهما في بناء مؤسسات من من الصفر، أعادت تشكيل مجموعة من الصناعات، من الموسيقى الشعبية إلى توفير السلع المادية، والمدفوعات عبر الإنترنت، والسيارات الكهربائية.
من الملاحظ أنهم لم يخترعوا الفِكرة الأساسية، إذ كان هناك تسوق عبر الإنترنت قبل أمازون، وكانت هناك سيارات كهربائية قبل تسلا، وأضاف التقرير: "كل ذلك لا يبرِّر رد الفعل ضدهم، والحقيقة هي أن أرباحهم الشخصية، نسبة ضئيلة من فوائض المستهلكين والثروة الجديدة التي ولدوها للمجتمع".
بدعة عابرة
وأشار التقرير، إلى أن من الممكن، عدم نجاح جميع هذه المشاريع، و قد لا توفِّر الرحلات الفضائية المأهولة فوائد أكثر من تكلفتها، و قد تتلاشى هذه الصناعات الناشئة وتموت، وقد نفقد الاهتمام بها في النهاية، وقد تكون مجرَّد بدعة عابرة للأثرياء.
ولكن هذا هو الحال مع أغلبية محاولات الابتكار وريادة الأعمال، تفشل معظم الشركات الجديدة، فقط شركة واحدة من كل مليون، قد تصبح Amazon أو PayPal التالية.
وأكد التقرير، عدم وجود سبب وجيه، للغضب الشديد من المليارديرات في الفضاء، وأضاف: "إنهم يجرِّبون شيئًا جديدًا، ويحقِّقون فوائد ملموسة، وينفقون جزءًا صغيرًا من الموارد، التي تنفقها الحكومة على مشاريع مرفوضة بدرجة أكبر، يجب أن يستهدف غضب أولئك الذين يتطلعون إلى تحسين العالم، في أماكن أخرى".